تصريحات لا تبشِّر بالخير.. هل تعود حرب أسعار النفط بين موسكو والرياض فجأة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/20 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/20 الساعة 17:31 بتوقيت غرينتش
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - رويترز

في الوقت الذي حققت فيه أسعار النفط تعافياً مقبولاً بعد الضربة المزدوجة من وباء كورونا وحرب أسعار النفط التي أشعلتها السعودية بعد خلاف مع روسيا بشأن تخفيض الإنتاج، يبدو أن تلك الحرب مرشحة بالعودة مرة أخرى في أي وقت، فما القصة؟

خلافات في الرؤية تعكسها التصريحات الرسمية

اليوم الإثنين 20 يوليو/تموز، شهدت أسعار النفط تراجعاً طفيفاً، وسط مخاوف من أن يخرج تعافي الطلب على الوقود عن مساره من جراء الارتفاع في وتيرة إصابات فيروس كورونا بأنحاء العالم، حيث انخفض خام برنت 36 سنتاً بما يعادل 0.8٪ إلى 42.78 دولار للبرميل، بعد أن انخفض قليلا الأسبوع الماضي. ونزل الخام الأمريكي 34 سنتاً أو 0.8٪ إلى 40.25 دولار للبرميل، بعد أن زاد أربعة سنتات الأسبوع الماضي.

لكن تظل هذه الأسعار مقبولة بالنسبة لروسيا، وهذا ما صرح به وزير الطاقة الروسي أليكساندر نوفاك في يونيو/حزيران الماضي في تصريحات لتليفزيون بلومبيرغ، حينما قال إن سعر برميل النفط الحالي – فوق 40 دولاراً للبرميل – "مناسب لروسيا لأن البلاد تستهدف في الميزانية سعراً عند 42.50 دولار للبرميل"، مضيفاً أن سعراً للنفط عند 50 دولاراً للبرميل "مريح" لموسكو.

لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة للسعودية، التي استهدفت في ميزانيتها سعراً يصل لضعف السعر الحالي – فوق 80 دولاراً للبرميل – وهو ما يفسر رغبة السعودية في المحافظة على اتفاق تخفيضات النفط الحالي لنهاية العام الجاري وربما حتى بدايات العام المقبل 2021، بحسب تصريحات رسمية لوزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان.

والتخوف من اشتعال حرب أسعار بين الرياض وموسكو نابع من حقيقة أن الموقف الحالي يكاد يكون متطابقاً مع الموقف في فبراير/شباط وبدايات مارس/آذار الماضي، حينما اتخذ ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان قراراً بزيادة إنتاج المملكة من النفط وتخفيض أسعاره رداً على رفض موسكو الاستجابة لمطالب السعودية تمديد اتفاق تخفيض الإنتاج المعروف بأوبك+ (أوبك + روسيا)، وهو ما أدى لكارثة انهيار الأسعار حتى اقتربت من 15 دولاراً للبرميل لخام برنت في أبريل/نيسان، بينما انهارت أسعار الزيت الصخري الأمريكي لما دون الصفر.

روسيا والسعودية تبادلتا الاتهامات حول المسؤول عن إشعال حرب أسعار النفط – رويترز

وقد نشر موقع Oil Price الأمريكي تقريراً اليوم الإثنين 20 يوليو/تموز، استعرض وجهات النظر المختلفة بين الرياض وموسكو بشأن أسعار النفط، وما يمكن أن ينتج عن ذلك التباين، وجاء التقرير بعنوان "هل يمكن أن تمد السعودية فترة سريان اتفاق أوبك حتى 2022؟"، راصداً موقف الطرفين وتداعيات الخلاف بينهما على صناعة النفط في العالم.

سكب الزيت على النار

اعتُبِرَت الآراء الرسمية التي طرحتها مجموعة "أوبك+" خلال اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة العشرين منذ أيام أنها إشارة إيجابية، مع تخفيف القيود على إنتاج النفط في أغسطس/آب نتيجة للارتفاع المتوقع على الطلب، لكن وزير الطاقة السعودي، ووسيط الدولة الأقوى في أوبك، سكب الزيت على النار حين قال، في تصريح لقناة العربية أمس الأحد 19 يوليو/تموز، إنه قد يرى تطوراً من خلال اتفاق مجموعة أوبك+ (التي تضم 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضواً في منظمة البلدان المصدرة للبترول) على تمديد فترة اتفاقية إنتاج النفط حتى نهاية عام 2021 أو حتى بداية 2022.

لكن حتى اللحظة لم تستوعب الأسواق هذه الأنباء، بل إنها تُظهِر انقساماً محتملاً في وجهات النظر داخل أوبك+، حيث جدَّد الوزير السعودي التأكيد على أنه "ما زال أمامنا إجراءات ستستمر خلال الفترة المقبلة. وكجزء من منظومة التعافي حتى يزول الوباء قررنا أن يكون هناك اجتماع شهري من قِبل هيئة مراقبة سوق النفط؛ للتأكد من تنفيذ الالتزامات، وتقديم التوصيات إلى مؤتمر أوبك+".

لماذا لم ينهِ اتفاق أوبك أزمة النفط بعد؟/ رويترز

بيد أنَّ تصريحات الأمير عبدالعزيز تختلف عن وجهة نظر وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عن السوق، إذ صرَّح نوفاك، يوم الأربعاء 15 يوليو/تموز، بأنَّ قرار مجموعة أوبك+ بتقليص التخفيضات رسمياً إلى 7.7 مليون برميل يومياً اعتباراً من أغسطس/آب إلى 7.7 مليون برميل يومياً له مبرراته ويتماشى مع اتجاهات السوق. وأدلى نوفاك بتصريحاته في افتتاح اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة. وتبدو وجهات نظر روسيا أكثر تفاؤلاً بشأن الزيادة المحتملة في الطلب على النفط والمنتجات البترولية على مستوى العالم.

تهديدات سعودية ضمنية

على الجانب الآخر، أوضحت المملكة العربية السعودية تمام الوضوح أنها لا تريد أن تواجه انتعاشاً اقتصادياً محتملاً على شكل حرف W (وهو نموذج من التعافي الاقتصادي يشهد تعافياً سريعاً من الركود، لكن لا يستمر طويلاً وتنتكس المؤشرات الاقتصادية مرة أخرى وتدخل في حالة تراجع كبير)، وكذلك موجة ثانية محتملة من فيروس كورونا المستجد.

وهذه هي رسالتها الرسمية على الأقل، أما الرسالة الضمنية فقد تكون أقل وضوحاً، ويمكن أن تقود إلى مناقشات داخل أوبك+، التي قد تشهد تهديد السعودية بأنها ستتوقف عن تحمُّل نصيب الأسد من تخفيضات إنتاج النفط، إذ تتعرض استراتيجية النفط السعودية الكبرى لانتقادات داخلية مع استمرار انخفاض عائدات التصدير، وتشير البيانات الرسمية التي قدمتها الرياض ومبادرة البيانات المشتركة لمنظمات الطاقة إلى أنَّ إجمالي صادرات المملكة من النفط، بما في ذلك الخام والمنتجات النفطية، انخفض إلى 7.48 مليون برميل يومياً في مايو/أيار من 11.34 مليون برميل يومياً في أبريل/نيسان. إضافة إلى ذلك، قد تسجل الصادرات في يونيو/حزيران ويوليو/تموز معدلاً أقل من ذلك، وينطبق الشيء نفسه على النفط الروسي. لكن الأجندات السياسية والاقتصادية تسير الآن بوضوح في اتجاه مختلف، بالنظر إلى تصريحات الوزير نوفاك والأمير عبدالعزيز.

مؤشرات الصدام قائمة

ويتصف وضع أساسيات النفط حالياً بأنه بعيد كل البعد عن "الطبيعي"، حتى لو صرَّح أعضاء أوبك+ بعكس ذلك في وسائل الإعلام، وتعد نتيجة اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة الشهري علامة واضحة على الرغبة المتزايدة لروسيا وبعض أعضاء أوبك الآخرين في تخفيف قيود اتفاقية خفض إنتاج النفط الحالية، ويُخفَى صراع القوى الحالي في طيات تصريحات ودية لوسائل الإعلام، لكنْ هناك خطر قائم وواضح من أنَّ موسكو والرياض تتجهان نحو صدام جديد. وفي الوقت الحاضر، لا يوجد خطر وشيك على اندلاع صدام جديد، لكن الرياض سئمت من تحمُّل العبء الأكبر من تخفيضات الإنتاج، في الوقت الذي تكافح فيه من أجل إبقاء اقتصادها متماسكاً على قيد الحياة والحفاظ على العقد الاجتماعي في مكانه.

منشأة تابعة لشركة أرامكو النفطية في السعودية – رويترز

وأظهرت وسائل الإعلام الدولية عدم وجود تحليل نقدي للتطورات الحاسمة الكامنة داخل أوبك+، ويُعد التخفيف الحالي للقيود على الإنتاج علامة شاملة على الاعتقاد بأنَّ الاقتصاد العالمي سيتعافى في الأشهر المقبلة، ويستند هذا الاعتقاد على أساسيات مهتزة إلى حد ما؛ إذ بدأت الموجة الثانية من جائحة "كوفيد-19" تُظهِر وجهها القبيح في عدة أماكن. ومع ذلك، قررت منظمة أوبك وروسيا وحلفاؤها تغيير استراتيجيتها الناجحة نجاحاً معقولاً بحلول الأول من أغسطس/آب، وحتى الآن، خُفِّض إنتاج النفط بمقدار 9.6 مليون برميل يومياً، في حين أنَّ الهدف الجديد لشهر أغسطس/آب هو 7.7 مليون برميل يومياً.

الحل الوسط هش وغير مستقر

ومن أجل عدم المخاطرة باندلاع أزمة داخلية أخرى أو حرب أسعار النفط وحرب سوق مباشرة بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس بوتين، طُرِح حل وسط يقوم على أسس هشة، إذ أقل ما يمكن أن يقال، إنَّ أساسيات الطلب على النفط ضعيفة. لكن تُروَج لرواية الانتعاش الاقتصادي العالمي حالياً لدعم تخفيف تخفيضات الإنتاج.

وتفيد التوقعات الحالية بأنَّ أسواق النفط تعاني من عجز؛ مما سيؤدي إلى سحب النفط الخام في المخازن، وفي عام 2021، تتطلع أوبك إلى زيادة إنتاجها الإجمالي بمقدار 6 ملايين برميل في اليوم، ويتمثل الدافع وراء ذلك في الحاجة إلى عائدات أعلى، وليس استقرار السوق، وما غذى شعور التفاؤل داخل مجموعة أوبك+ هي التوقعات بشأن انتعاش على شكل حرف V (الذي يعني حدوث ارتفاع وتحسن سريع بعد بلوغ ذروة الركود الاقتصادي)، وأنباء إيجابية عن صعود المؤشرات الاقتصادية في الصين، وإنهاء عمليات الإغلاق الرئيسية في أوروبا.

ومع ذلك، لا يزال الانتعاش الاقتصادي الحقيقي هشاً، وحتى أوبك ذكرت، في تقريرها الخاص، أنها تخشى أنَّ أسواق النفط لا تزال غير متوازنة، خاصة إذا قوَّضت الموجة الثانية من "كوفيد-19" الانتعاش الاقتصادي.

تراجع أسعار النفط يهدد ميزانيات دول الخليج/رويترز

 إنَّ قرار أوبك بتخفيف القيود على الإنتاج أو زيادة الإنتاج هو قرار أحادي الجانب، وتكمن المشكلة الحقيقية في أنه بمجرد زيادة عضو واحد من أوبك الإنتاج، فمن المرجح أن يحذو الآخرون حذوه، ثم هناك خطر عودة النفط الصخري في الولايات المتحدة، فأسعار النفط الحالية مرتفعة بما يكفي؛ مما لا يستدعي الحاجة لإعادة الإنتاج إلى الحجم الذي كان عليه قبل انهيار أسعار النفط، وستؤدي زيادة الإنتاج من قِبل أوبك+ إلى وفرة كبيرة في المعروض، بحيث لن تشعر الدول الأخرى المنتجة للنفط بأنها مضطرة إلى الاستمرار في اقتطاعات النفط، وستشعر بدلاً من ذلك بالحاجة إلى الحفاظ على حصتها في السوق.

مرة أخرى، يبدو أنَّ نجاح أوبك+ يعمي أعين المستشارين، ويمكن بسهولة أن يتحول التوازن الهش للغاية في الوقت الحاضر بين العرض والطلب إلى تخمة، وبعد أشهر من تصدُّر أزمة تخزين النفط العناوين الإخبارية، يبدو أنَّ الدول تتخلى عن التفكير المنطقي الآن، إذ لا تزال المخزونات العالمية من النفط، التي جمعتها خلال الفترة الماضية، مكدسة بالفعل وتحتاج إلى الانخفاض لتحقيق مزيد من الاستقرار في السوق.

هناك إذن خطر واضح متمثل في حدوث نموذج تعافٍ اقتصادي على شكل W؛ فنهج أوبك+ الحالي ليس مستداماً، وليس هناك مجال للمرونة، وطالما بقيت مخزونات النفط مرتفعة والطلب ضعيفاً، فلن تشهد الأسواق انتعاشاً كاملاً، لذا يجب أن تجد موسكو والرياض حلاً طويل الأمد إذا أرادتا رؤية انتعاش حقيقي في أسواق النفط، وما لم يحدث ذلك، فإنَّ انفصال محتمل بين السعودية وروسيا يلوح في الأفق.

تحميل المزيد