أغضبت إسرائيل فتوقف الدعم.. قصة المساعدات العربية للسلطة الفلسطينية منذ نشأتها، ولماذا تشكو الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/16 الساعة 11:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/16 الساعة 14:58 بتوقيت غرينتش
لماذا تراجع الدعم العربي للسلطة الفلسطينية

منذ نشأة السلطة قبل 26 عاماً وهي تعتمد على المساعدات والمنحِ العربية والدولية، كالتزام وتلقّت حتى يومنا هذا 18 مليار دولار منحاً وقروضاً ومساعدات، لكن خلال الفترة الأخيرة انخفضت هذه المساعدات لأكثر من النصف، بعد المرور بعدد من المراحل والتغيرات خلال العقدين الماضين، نسردها في الفقرات التالية.

أتى ذلك بعد 10 أعوام من إقرار الالتزام العربي في البيان الختامي لاجتماع جامعة الدول العربية بدعم الموازنة الفلسطينية في القمة العربية المنعقدة بدولة الكويت عام 2010 بتفعيل شبكة أمان مالية بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي شهرياً، لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التي تتعرض لها القضية.

إلا أن الموقف العربي تغيّر ولم تعد الدول العربية تفي بالتزاماتها نحو السلطة الفلسطينية كما سبق، ما دفع السلطة إلى أن تنتقد موقف الدول العربية وتتهمها بالتقصير.

السلطة غاضبة

شن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وزير الشؤون الاجتماعية، أحمد مجدلاني، هجوماً على الدول العربية بسبب رفض الاستجابة لطلب السلطة الفلسطينية بتفعيل شبكة الأمان المالية، ووصف موقف الدول العربية بأنه اتساق خطير مع الضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي تمارس على السلطة لإجبارها على القبول بصفقة القرن.

مجدلاني، المقرب من رئيس السلطة محمود عباس، يحمل إشارة عن مدى غضبها من موقف الدول العربية المتجاهل للأزمة المالية التي تعانيها، التي جاءت نتيجة تراجع إيراداتها الشهرية بسبب رفضها استلام عائدات الضرائب (المقاصة) من إسرائيل منذ آذار/مارس.

ما انعكس بشكل سلبي على قدرة الحكومة على تأمين رواتب موظفيها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إضافة لتزايد الضغوط التي تواجه الحكومة جراء ارتفاع معدلات الإصابة اليومية بفيروس كورونا في الضفة الغربية منذ ما يزيد عن الشهر.

تزامن هجوم السلطة الفلسطينية على الدول العربية مع ما كشفته صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن السعودية والإمارات ومصر والأردن أعطوا موافقة ضمنية للمسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين بتطبيق خطة الضم على أجزاء من الضفة الغربية، وهو ما اعتبرته السلطة تنصلاً واضحاً من الدول العربية تجاه الفلسطينيين، وتركهم وحدهم في هذه المواجهة.

محطات من تاريخ المساعدات 

منذ نشأة السلطة في 1994 وهي تتلقّى المساعدات والمنح من دول عربية وأجنبية، وخلال هذه الفترة تلقت السلطة قرابة 18 مليار دولار.

تاريخياً يمكن تقسيم مراحل الدعم المالي للسلطة الفلسطينية إلى ثلاث فترات: الأولى بدأت مع تشكيل السلطة الفلسطينية للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول عام 1993 كإحدى نتائج اتفاق أوسلو، وكبداية لممارسة الحكم الذاتي، ثم بدأت في ممارسة مهامها الرسمية مطلع عام 1994.

ومنذ عام 1994 حتى عام 2000 مع اندلاع انتفاضة الأقصى لم تكن المساهمات العربية بالقدر الذي تنتظره السلطة الوليدة، إذ لم تكن هناك مقارنة بما قدمته بقية دول العالم، فقد وصلت قيمة ما تلتقه السلطة من مساعدات عربية قرابة 300 مليون دولار مقارنة بـ3.4 مليار دولار آتية من الدول الغربية، فضلاً عن أن الحضور السياسي للدول العربية كان هامشياً وغير مؤثر في هذه الفترة.

الفترة الثانية امتد بين عام 2000 حتى عام 2014، حينما توقفت مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وتميزت هذه الفترة بظهور متغيرات سياسية تمثلت بحضور سياسي ومالي قوي للدول العربية.

كان أبرزها إطلاق الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة السلام التي تبنتها الدول العربية كأساس لمشروع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، واستمر الحضور السياسي والمالي العربي قوياً حتى توقف مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ووصلت قيمة ما تلقته السلطة الفلسطينية من الدول العربية خلال هذه الفترة إلى 4 مليارات دولار.

ومع دخول العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل مرحلة القطيعة عام 2014 حتى اليوم، تميزت هذه الفترة بسعي السلطة للانضمام إلى نادي المنظمات الدولية، فتراجع الدعم الدولي والعربي للسلطة الفلسطينية بشكل ملحوظ، إذ سجلت هذه الفترة أدنى مستويات الدعم الخارجي العربي منذ نشوء السلطة الفلسطينية.

محمد دحلان مثل ورقة ضغط على السلطة لفترة طويلة

الدعم المشروط بعودة دحلان

أوقفت السعودية تمويلها للسلطة خلال 2016 ولمدة 9 أشهر بعد خلافات بينها وبين الرئيس محمود عباس لرغبتها في عودة القيادي المفصول محمد دحلان إلى حركة فتح، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية، وتكررت الضغوط مرة أخرى عام 2018 حينما أوقفت السعودية تمويلها للموازنة الفلسطينية لمدة 3 أشهر بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية طلب السعودية القبول بالرؤية الأمريكية للسلام. 

إجمالاً تتصدر السعودية قائمة الدول العربية كأكثر المانحين للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها حتى عام 2019، بقيمة 3.2 مليار دولار، تليها الإمارات بقيمة 937 مليون دولار، والجزائر بقيمة 800 مليون دولار، والكويت 485 مليون دولار، وقطر 225 مليون دولار، العراق 108 ملايين دولار.

شبكة الأمان.. متى وكيف؟

تعود جذور شبكة الأمان المالية العربية إلى 2010 حين طالبت السلطة بعقد اجتماع طارئ للدول العربية بعد قرار إسرائيل احتجاز إيرادات المقاصة نتيجة توجهها للمصالحة مع حماس، وأقرت قمة الكويت بتعهد الدول العربية بتوفير 100 مليون دولار كوديعة تمنح للسلطة كضمان لعدم انهيارها في حال احتجزت إسرائيل أموال المقاصة.

كان التزام الدول العربية محدوداً وضيقاً في تطبيق ما أقرّته قمة الكويت، حيث طالبتها السلطة بتوفير شبكة الأمان في ثلاث مناسبات، أولها في 2015 حينما احتجزت إسرائيل أموال المقاصة في ديسمبر 2014، رداً على قرار السلطة وقف مفاوضات التسوية مع إسرائيل، وكانت نسبة الالتزام بتفعيل شبكة الأمان 70%، ولمدة شهر واحد فقط.

وفي عامي 2019-2020، طالبت السلطة الدول العربية في قمة تونس بتفعيل شبكة الأمان بعد إقرار إسرائيل في 2019 لقانون يقضي باقتطاع مبلغ 138 مليون دولار من عائدات الضرائب تدفعها السلطة كرواتب لأسر الشهداء والأسرى، ولم تجد السلطة التزاماً بتطبيق هذه المطالب.

حاول "عربي بوست" الوصول لبيانات الموازنة العامة للنصف الأول من هذا العام للتعرف على حجم الدعم العربي لموازنة السلطة، إلا أن تفعيل وزارة المالية لموازنة الطوارئ أخفى البيانات المالية من على موقعها الإلكتروني.

ميزانية السلطة كم قدرها؟

لكن المحلل الاقتصادي محمد خبيصة قال لـ"عربي بوست" إن "ما وصل السلطة من الدول العربية في إطار دعم الموازنة منذ بداية 2020 هو 30 مليون دولار من السعودية، و6 ملايين دولار من قطر، حيث تتصدر السعودية قائمة الدول العربية بدعم موازنة السلطة خلال السنوات الخمس الأخيرة بمتوسط 65 مليون دولار سنويا، تليها الجزائر 27 مليون دولار وقطر بـ20 مليون دولار ومصر بـ1.5 مليون دولار".

وأكد أن "نفقات السلطة الشهرية تقدر بـ1.2 مليار شيكل (350 مليون دولار)، وفي ظل تبعات أزمة كورونا، وما خلفته من خسائر اقتصادية أثرت على تحصيل الإيرادات الداخلية فإن تفعيل الدول العربية لشبكة الأمان قد لا يكون كافياً أمام السلطة للإيفاء بمتطلباتها، وسيظل عجز الموازنة متجاوزاً لقيمة 600 مليون شيكل شهرياً (170 مليون دولار)".

يأتي إصرار السلطة على ضرورة التزام الدول العربية بما تعهدت به بتوفير شبكة الأمان المالية في ظل ما تعانيه من أزمات متراكمة، منها اشتداد أزمة وباء كورونا في الضفة الغربية في ظل تسجيل المئات من الإصابات اليومية، وما رافق ذلك من تأثر القطاعات الاقتصادية والتجارية جراء سياسة الإغلاق التي فرضتها السلطات الفلسطينية لوقف انتشار الوباء.

هذه الأزمة الوبائية تتزامن مع أزمة مالية تعاني منها السلطة جراء تراجع إيراداتها الشهرية بسبب الأزمة السياسية بينها وبين إسرائيل الناجمة عن قرار السلطة برفض استلام أموال المقاصة منذ آذار/مارس الماضي.

تعتبر المقاصة عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجبيها الحكومة الإسرائيلية نيابة عن السلطة على واردات الأخيرة من إسرائيل والخارج عبر المنافذ الاسرائيلية، مقابل عمولة 3%، ويبلغ معدلها نحو 700 مليون شيكل شهرياً، تقتطع منها إسرائيل 200 مليون شيكل ثمناً لخدمات يستوردها الجانب الفلسطيني من إسرائيل، خصوصاً الكهرباء، وتشكل عائدات المقاصة حوالي 60% من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية.

ترامب في"القمة العربية الإسلامية الأمريكية" في الرياض 2017/ رويترز

الموافقة الأمريكية أولاً

نائل موسى، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح بالضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست" إن "المعادلة السياسية باتت واضحة المعالم وهي أن شبكة الأمان العربية لن يتم تفعيلها إلا إذا حصلت الدول العربية على الموافقة الأمريكية بتوصية إسرائيلية، لذلك في حال بقي الفلسطينيون رافضين للمخطط الأمريكي الرامي إلى تمرير صفقة القرن، وضم أجزاء من الضفة، سيبقى العرب متجاهلين لطلب السلطة تفعيل شبكة الأمان".

وأضاف أن "الدول العربية قد لا تكون ملامة في عدم تفعيل شبكة الأمان المالية؛ لأن السلطة الفلسطينية هي من كبلت نفسها باتفاق باريس الذي وضع أموال الفلسطينيين (المقاصة) رهينة للموقف السياسي الإسرائيلي".

عبدالإله الأتيرة، عضو المجلس المركزي ومستشار رئيس الحكومة الفلسطينية، قال لـ"عربي بوست" إن "السلطة طالبت في خطاب رسمي للأمانة العامة للجامعة العربية والدول العربية بشكل مباشر للإيفاء بالتزاماتها المالية لدعم موازنتها، ولم نتلق رداً بهذا الخصوص، ونعتبر هذا الموقف انعكاساً لرغبة سياسية من الدول العربية بتشجيع إسرائيل على تطبيق صفقة القرن".

وأضاف أن "الدول العربية ترى أن دعمها المالي للسلطة يمكن استثماره عبر مواقف سياسية لابتزازها، وجرّها لمربع المواجهة المباشرة مع الإسرائيليين والأمريكان من جهة، ومواجهة الشارع الفلسطيني من جهة أخرى الذي سينفجر في وجه الحكومة في حال لم تستطع توفير متطلبات المواطنين المعيشية، وهذا أمر نرفضه، ولن نسمح بحدوثه".

تحميل المزيد