أصبح النفط هو المركز الجديد للصراع في ليبيا بعد هزيمة قوات حفتر في معركة طرابلس، فكيف يتم توزيع إيرادات النفط الليبي؟ ولماذا يريد حفتر إيداع الأموال في بنوك دول أخرى؟
وأعلنت ميليشيا حفتر، السبت، 3 شروط لإنهاء "الإغلاق النفطي"، أولها "فتح حساب خاص بإحدى الدول تودع به عوائد النفط مع آلية واضحة للتوزيع العادل لهذه العوائد، على كافة الشعب الليبي بكل مدن وأقاليم ليبيا وبضمانات دولية".
الشرط الثاني، بحسب بيان متلفز، هو "وضع آلية شفافة، وبضمانات دولية، لإنفاق عوائد النفط تضمن ألا تذهب هذه العوائد لتمويل" ما وصفته الميليشيا بـ"الإرهاب والمرتزقة".
أما الشرط الثالث فهو "ضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، لمعرفة كيف وأين أنفقت عوائد النفط طيلة السنوات الماضية".
كيف يتم توزيع إيرادات النفط الليبي؟
ورغم سيطرة القائد العسكري، خليفة حفتر، على معظم حقول ومنشآت النفط في ليبيا، بما فيها حوض سرت الذي يمثل نحو ثلثي الإنتاج الليبي من النفط، فإن بيع النفط هو اختصاص أصيل للمؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، بموجب عدد من التشريعات المحلية والقرارات الدولية.
وتتولى المؤسسة الوطنية للنفط تسويقه وتتدفق الأموال عبر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس. ويوزع البنك المركزي أجور موظفي الدولة، والتي تشكل أكثر من نصف الإنفاق العام، في أنحاء البلاد.
منذ 12 سبتمبر/أيلول 2016، تمكنت قوات حفتر من السيطرة على كامل الحوض النفطي (4 موانئ)، وطرد إبراهيم جضران، رئيس حرس المنشآت النفطية (فرع الوسطى) من المنطقة، ولكنه لم يتمكن من تصدير النفط الليبي بشكل شرعي.
وبلغت الإيرادات النفطية الليبية خلال عام 2019، 22.495 مليار دولار، حسبما قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.
وتتم عمليات بيع النفط الليبي وفق ترتيبات تشرف عليها الأمم المتحدة.
وتعد جميع حقول وموانئ ومنشآت النفط في ليبيا تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس مقر حكومة الوفاق، وتشرف على عمليات الإنتاج والصيانة والخدمات والتصدير في قطاع النفط والغاز في ليبيا، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2362.
وتتحكم حكومة الوفاق في طرابلس، المعترف بها دولياً، بعائدات النفط بعد تصدير الشحنات النفطية بإشراف المؤسسة الوطنية للنفط وإيداع عائدات المبيعات الشهرية في حساب مصرف ليبيا الخارجي ثم مصرف ليبيا المركزي بطرابلس وتوزيعها على الميزانية العامة للدولة.
حكومة الوفاق تمول ميليشيات حفتر
واللافت أنه رغم استمرار المعارك بين الحكومتين، فإن حكومة طرابلس لم تتوقف عن إرسال قسم من عائدات النفط إلى حكومة طبرق، التي تستخدمه بدورها لدفع رواتب أفراد الجيش الليبي الوطني، بقيادة حفتر، الذي كان يحاصر العاصمة طرابلس، وبينما كان أفراد ميليشيات حفتر يتقاضون رواتبهم من حكومة الوفاق التي يحاربونها وحاصروها لأكثر من عام في طرابلس، فإنهم في المقابل، يقولون إن إيرادات النفط تُستخدم لدعم مجموعات مسلحة ذات نفوذ داخل طرابلس.
بعبارة أخرى، فإن حكومة طرابلس ظلت تمول الجيش الذي يحاصرها.
وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2019، طالب رئيس مجلس الوزراء الليبي في طبرق، عبد الله الثني، بنصيب أكبر من عائدات النفط، التي تبلغ حالياً نحو ملياري دولار شهرياً.
وتملك ليبيا أضخم احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا وهي مورد مهم للخام الخفيف منخفض الكبريت.
وإيرادات بيع النفط هي المصدر الوحيد الذي يعتد به لدخل ليبيا من الدولارات، إذ درت 22.5 مليار دولار في 2019 لبلد لا يزيد عدد سكانه على ستة ملايين نسمة.
النفط يجب أن يكون أولوية للشرق!
معظم منشآت النفط الليبية تقع في مناطق تسيطر عليها قوات موالية للقائد العسكري خليفة حفتر، الذي وسع تدريجياً نطاق نفوذه على مدى الأعوام الستة الأخيرة بمساعدة حلفاء أجانب، من بينهم الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا.
وتقع أكبر موانئ تصدير النفط فيما يمكن تسميته الجزء الشرقي من وسط البلاد، بمنطقة الهلال النفطي، التي تضم أربعة موانئ نفطية: السدرة، ورأس لانوف، والبريقة، والزويتينة.
ويمتد الهلال النفطي على طول 350 كلم بين مدينتي سرت (450 كلم شرق طرابلس) وبنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وغرب ليبيا هو أكبر الأقاليم من حيث عدد السكان، بينما يمثل الشرق أقل من ربع سكان البلاد حيث يبلغ عدد سكان إقليم برقة 1٬613٬749 بنسبة 23.9 % من إجمالي عدد سكان البالغ نحو 6.7 مليون.
ويتم توزيع أموال النفط عبر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس على كل أنحاء البلاد بما فيها الشرق، حيث ظل الأخير يوزع عائدات النفط على شرق وغرب البلاد للإنفاق على أجور الموظفين العموميين والخدمات العامة.
ويقوم المصرف المركزي بتغطية الإنفاق على أبواب الميزانية وفقاً للترتيبات المالية المعتمدة ولكافة القطاعات والمناطق من دون إستثناء، حسبما تؤكد بيانات البنك المركزي، وتحت رقابة الأمم المتحدة.
لكن مجموعات في شرق ليبيا تزعم منذ فترة طويلة أنها تنال أقل من نصيبها العادل، وهو ما ينفيه البنك المركزي.
وهناك اتجاهات في شرق ليبيا تدعو إلى الفيدرالية، وهو من شأنه تحديد وحدة البلاد.
وطالبت قبائل من المنطقة الشرقية بالحصول على حصة أكبر من عائدات البترول، لاستضافتها المؤسسة الوطنية للنفط قبل عام 1970، وقيادتها النشاط الثوري ضد نظام القذافي، واحتوائها على العدد الأكبر من الآبار.
وأصبحت العديد من القوى المؤيدة لحفتر والقوى القبلية تركز على إثارة النعرات المناطقية، في الشرق، متناسية أن الوضع بعد الثورة أصبح أكثر إنصافاً لهذه المنطقة، ومتجاهلة أن الأكثر تضرراً من حفتر هم سكان مدينة بني غازي أكبر مدن الشرق.
وقد ظهر إنصاف الشرق إن لم يكن تفضيله في النظام الذي اعتمد في الانتخابات التي أسفرت عن انتخاب مجلس النواب الحالي الذي تسيطر عليه قوى قبلية من شرق ليبيا.
كما يتم التركيز على طرح أن النفط موجود في الشرق، علماً أن هذا غير دقيق فالنفط موجود في الجزء الشرقي من وسط البلاد وهي منطقة بينية منها جزء محسوب على الشرق وجزء محسوب على الغرب مثل سرت، ولكن مجمل الوسط هو بمثابة برزخ بين الشرق والغرب، والقوى القبلية المسيطرة عليه لا يهمها كثيراً الشرق أو الغرب وهي تميل للأقوى مع محاولة تعزيز سيطرتها على أموال النفط.
الأهم أن محاولة إعلاء النعرة الشرقية قد تؤدي بعد ذلك إلى إثارة النعرة الانفصالية في الوسط بدوره لكي يستفرد المسيطرون عليه بإيرادات النفط .
وتسعى القوى الغربية مثل الولايات المتحدة لحماية المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي في طرابلس، بينما تحثهما على مزيد من الشفافية بشأن إيرادات النفط.
وقد أجهضت تلك القوى محاولات من الشرق لبيع النفط على نحو مستقل عن طرابلس، واستصدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي بغية ذلك. لكن رد الفعل الغربي على الحصار اتسم بالتردد، نتيجة لانقسامات داخلية. وبعد عدة أيام من بدء الإغلاقات، عبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن القلق، ودعت إلى السماح لمؤسسة النفط باستئناف العمليات.
حفتر ينهب أموال الشعب الليبي
ويعتمد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في تمويل قواته إضافة إلى الأموال التي تأتيه من حكومة الوفاق، على مزيج من سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا، وودائع من بنوك المنطقة الشرقية بليبيا، مراكماً بذلك ديوناً على الدولة الليبية قاربت الـ50 مليار دينار ليبي، أي (أكثر من 35 مليار دولار) خارج النظام المصرفي الرسمي بطرابلس، إضافة إلى بعض العمليات المشبوهة كتصدير الخردة وبيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وتجارة البشر، ناهيك عن الدعم المالي واللوجستي المقدم من دول إقليمية ودولية كفرنسا وروسيا والإمارات ومصر والأردن، وفق التقارير التي نشرتها منظمات ومؤسسات دولية، وعلى رأسها تقارير هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
ووصل الأمر إلى الاختلاس من المخصصات التي توجهها حكومة الوفاق لأرباب الأسر في شرق ليبيا للتعامل مع الظروف التي تعاني منها البلاد، وذلك بهدف التغطية على الخسائر التي سببها حفتر لأحد المصارف.
فقد ذكر مصدر "مسؤول" بمصرف التجارة والتنمية بشرقي ليبيا أنه تم حجز 100 دولار من مخصصات أرباب الأسر (كل أسرة تنال 500 دولار) لاستخدامها لدعم رصيد مصرف التجارة والتنمية المنخفض لدى المصرف المركزي بطرابلس إلى 130 مليون دينار ليبي، بعد أن كان برصيد 250 مليون دينار نتيجة تمويله للواء المتقاعد خليفة حفتر.
ومؤخراً خاصة بعد هجوم حفتر على طرابلس، يبدو أن حكومة الوفاق قررت التحرك بفاعلية لوقف استنزاف الجنرال المتقاعد لموارد البلاد، خاصة أن التمويل كان بمثابة شريان الحياة بالنسبة لهجومه على العاصمة.
وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق الوطني (فتحي باشا أغا) سبق أن قال لـ"عربي بوست"، إن الوزارة اتخذت جملة من الإجراءات كانت بالتعاون مع الإدارة الأمريكية في المجال الأمني وتدريب العناصر الأمنية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة تهريب الهجرة غير الشرعية، حيث قامت الوزارة بمكافحة تهريب الخردة وبيعها، وذلك بما ينص عليه القانون الليبي، وأيضاً مكافحة بيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط المعترف بها في طرابلس، ومكافحة تهريب الهجرة غير الشرعية.
وقال إن هذه الإجراءات تحد من تمويل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تشكل أكثر من 60% من مصادر تمويله، مؤكداً أن وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني نجحت في عديد من الأمور التي من شأنها تجفيف منابع تمويل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ولجأ البنك المركزي الموازي التابع لحفتر إلى طبع العملة الليبية في روسيا، حيث تحدثت مصادر صحفية عالمية عن حصول 10.8 مليار دينار ليبي على موافقة جمركية روسية خلال أعوام 2016، و2017 ، و2018.
من جانبه، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج إن المجلس الرئاسي يعتبر أن عملية طباعة النقود التي يقوم بها مصرف ليبيا المركزي الموازي بمدينة البيضاء شرقي ليبيا خارج الإطار الذي رسمه القانون، تقليد للنقود الوطنية المتداولة في البلاد ويعاقب عليه القوانين المنصوص عليها في الدولة الليبية.
وذكّر مصدر تابع لمصرف ليبيا المركزي طرابلس بأن المصرف فرض عقوبات على مصرفي التجارة والتنمية والوحدة، بعد منحهما مهلة للكشف عن حساباتهما، حيث إن أرصدة مصرف التجارة والتنمية بمصرف ليبيا المركزي طرابلس انخفضت إلى 130 مليون دينار ليبي من واقع 250 مليون دينار، موضحاً أن مصرف التجارة والتنمية شهد عدة تعثرات نتيجة لوجود إدارته بالمنطقة الشرقية.
أوضحت مصادر صحفية متخصصة في الشأن الاقتصادي الليبي أن رئيس مصرف التجارة والتنمية جمال عبدالمالك بادر منذ بداية الحرب التي يشنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس بتخصيص مئات الملايين من الدنانير لصالح قوات حفتر، بالإضافة إلى اختلاس أموال شركات الاتصالات.
كما يبدو أن عملية نهب موارد الدولة الليبية شملت شركات الاتصالات الحكومية.
وفي بيان رسمي لها طالبت الشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات القابضة والمالكة لشركة ليبيانا للاتصالات والتقنية، رئيس حكومة الوفاق ومحافظ مصرف ليبيا المركزي بالتدخل لحماية أموال الشركة في المنطقة الشرقية، بعد أن تمت ملاحظة حركة مصرفية غير سليمة بحساب الشركة بمصرف الوحدة في بنغازي.
وبحسب المصادر، فإنه قد تم سحب ما لا يقل عن 112 مليون دينار ليبي من حسابات شركة ليبيانا بمصرفي التجارة والتنمية ومصرف الوحدة بالمنطقة الشرقية، لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعدها قامت شركة ليبيانا بسحب أموالها وإقفال حساباتها بهذه المصارف، ورفضت فتح وكالة لها إلى الآن بالمنطقة الشرقية.
ويرى مراقبون أن نتائج تحركات حكومة الوفاق في المجال المالي كان لها تأثير على المعركة.
إذ يواجه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر مشاكل في تمويل حملته العسكرية، في ظل شح الموارد المالية، خاصة بعد أن قامت حكومة الوفاق الوطني بخطوات لتجفيف منابع تمويل قوات حفتر.
يبدو أن أكثر ما يثير غضب حفتر هو أن حكومة الوفاق تحاول إنهاء الوضع الشاذ الذي يجعلها تمول الميليشيات التي تحاول إسقاطها إضافة إلى عمليات النهب لأموال الشعب الليبي التي تمارسها حكومة حفتر.
ومن شأن إعادة ضبط المالية الليبية إضعاف تمويل الجنرال في وقت يبدو أن مموليه قد سئموا إعطاءه الأموال دون أن يحقق نتيجة عسكرية تُذكَر.
ومن شأن إخراج أموال النفط الليبي من العملية الخاضعة لرقابة الأمم المتحدة ووضعها في بنوك دول أخرى أن يزيد فرصة حفتر عبر مساعدة داعميه الإقليميين والدوليين في الوصول لأموال الشعب الليبي دون رقيب.