هل يتخلى الجمهوريون عن ترامب لتجنب هزيمة في انتخابات الكونغرس بعدما تراجعت شعبيته بشكل غير مسبوق؟ تبدو الإجابة معقدة.
تقرير لديفيد سميث مدير مكتب صحيفة The Guardian البريطانية، عرض للوضع داخل الحزب الجمهوري مع اقتراب الانتخابات الرئاسية بشكل يخشى معه الجمهوريون أن يدفعوا ثمن تدهور شعبية الرئيس، ولكن أيضاً يخشون أن ينظر لهم كخونة الحزب.
130 ألف أمريكي قتلهم فيروس كورونا
كان أنصار ترامب من اللاتينيين يجلسون حول طاولة الحكومة، وأغدقوا عليه بالمديح وقالوا متعهِّدين: "سنعيد بناء أمريكا معك، وسنجعل أمريكا عظيمة مجدداً". بدا لوهلة أنَّ الرئيس الأمريكي لا يزال سيد مصيره.
لكن حين سأله الصحفيون، أجاب ترامب مرة واحدة فقط، واكتفى. وصاح موظف بالبيت الأبيض في وسائل الإعلام المجتمعة: "دعونا نذهب! دعونا نذهب! لقد انتهينا". كانت تلك إشارة على كيف أنَّ الرئيس صار أقل تسامحاً مع وسائل الإعلام غير الصديقة له مقارنةً بالفترة التي كان يظن فيها أنَّه يحقق نجاحاً.
إنَّ ترامب في مشكلة. إذ قتل فيروس كوورنا أكثر من 130 ألف أمريكي، وخسر عشرات الملايين وظائفهم، وهناك تغيُّر ثقافي كبير في ما يتعلق بالعدالة العرقية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنَّه أسوأ الرؤساء الذين لا يزالون على رأس منصبهم قبل الانتخابات وضعاً منذ سحق المرشح رونالد ريغان الرئيس الأسبق جيمي كارتر عام 1980، وهو ما يترك الحزب الجمهوري في موضعٍ ما بين القلق والهلع بشأن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سواء المتعلقة بالبيت الأبيض أو الكونغرس.
قال جو والش، عضو الكونغرس السابق عن ولاية إلينوي: "يبدو الحال شبيهاً ربما بما كان عليه الأمر على متن سفينة تايتانيك. إذ يعرف أولئك الجمهوريون الخائفون في مجلسي الشيوخ والنواب أنَّ ترامب سيُسحَق في (انتخابات) نوفمبر/تشرين الثاني، لكنَّهم مربوطون به وسيسقطون معه ولا خيار لديهم، وأعتقد أنَّهم يدركون ذلك".
وهذه الاستعارة المتعلقة بالسفينة الغارقة تتكرر مراراً بين الجمهوريين الذين تحاورهم صحيفة The Guardian البريطانية ووسائل الإعلام الأخرى.
الرئيس فشل في عقد تجمعات لحملته الانتخابات، وبايدن تفوق عليه من قبوه
ويشير استطلاع رأي مشترك أجرته صحيفة The Guardian وشركة Opinium Research لاستطلاعات الرأي في أواخر يونيو/حزيران الماضي إلى تفوق جو بايدن على ترامب بنسبة 52% مقابل 40%. وتتفق العديد من استطلاعات الرأي الأخرى على تفوق المرشح الديمقراطي بنسبة 10% أو يزيد، والأهم أنَّها تضعه في المقدمة في ست ولايات حاسمة.
ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شبكة ABC News الأمريكية بالتعاون مع مؤسسة Ipsos لاستطلاعات الرأي، يرفض شخصان من بين كل ثلاثة أشخاص الآن الطريقة التي تعامل بها ترامب مع الجائحة، وتراجعت نسبة القبول بطريقة تعامل ترامب مع الجائحة بين الجمهوريين من 90% في منتصف يونيو/حزيران إلى 78% حالياً.
لا شيء يسير على ما يرام مع الرئيس. إذ مثَّل تجمعٌ للحملة الانتخابية للرئيس في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما الشهر الماضي يونيو/حزيران فشلاً بعد بقاء آلاف المقاعد شاغرة. وتأجَّل تجمع انتخابي آخر كان مُقرَّراً عقده في مدينة بورتسموث بولاية نيو هامبشاير مساء أمس السبت 11 يوليو/تموز بسبب الطقس. وتفوق بايدن، من قبو منزله، على ترامب في جمع التبرعات في الشهرين الماضيين.
كتبت آمي والتر، المحررة الوطنية لموقع Cook Political Report الأمريكي: "تبدو هذه الانتخابات مثل تسونامي ديمقراطي أكثر منها مجرد موجة زرقاء.. ويتضح أيضاً من حديثي مع المخططين الاستراتيجيين من كلا الجانبين الأسبوع الماضي أنَّ ترامب يجُرُّ مرشحي الكونغرس الجمهوريين معه".
وبالفعل، يدرك الجمهوريون أنَّهم قد يخسرون كل شيء، وأنَّ الرئاسة ومجلس الشيوخ قد يتبعان مجلس النواب، الذي تنازلوا عنه في 2018. ويُعَد مجلس الشيوخ بالغ الأهمية. وإذا ما استطاع الجمهوريون الاحتفاظ بأغلبيتهم فيه، سيكونون قادرين على عرقلة أجزاء كبيرة من أجندة الديمقراطيين، تماماً مثلما فعلوا طوال معظم رئاسة أوباما.
ويتخلَّف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون سوزان كولينز عن ولاية ماين، وجوني إرنست عن ولاية أيوا، وكوري غاردنر عن ولاية كولورادو، ومارثا ماكسالي عن ولاية نورث كارولينا، كلهم في استطلاعات الرأي.
وحتى الموالون الرئيسيون لترامب، السيناتور ميتش ماكونيل والسيناتور ليندسي غراهام، يواجهان تحديات قوية من المنافسين الديمقراطيين الذين يجمعون تبرعات ضخمة من ولايتي كنتاكي وساوث كارولينا على التوالي.
وقال جو والش، الذي فشل في تحدي ترامب في سباق الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة 2020: "يمكنني أن أقول لكم من المحادثات العلنية والسرية التي أجريتُها أنَّهم كلهم مرعوبون، كل سيناتور جمهوري مشارك في الانتخابات. أقصد أن تنسوا أمر كولورادو، لقد حُسِم أمرها. وحُسِم أمر أريزونا. وأعتقد أنَّه حُسِم أمر ماين.
وحُسِم أمر جوني إرنست تقريباً في أيوا. وكل سباق انتخابي ستكون المنافسة فيه شديدة. ولدى الديمقراطي دوغ جونز فرصة صغيرة لكن حقيقية للفوز في ألاباما. وليندسي غراهام في مشكلة حقيقية، وكلهم يعلمون ذلك".
حتى عالم الأعمال تراجعت ثقته
يمثل هذا تحولاً مذهلاً في غضون أقل من عام بعدما فقد عالما السياسة والأعمال الثقة في ترامب. ووجد استطلاع رأي أجرته شركة Citigroup للخدمات المالية والمصرفية الأمريكية لـ140 من مديري الصناديق في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنَّ 70% توقعوا أن يفوز ترامب بإعادة انتخابه لولاية جديدة، لكن في الأسبوع الماضي، قال 62% منهم إنَّهم يتوقعون فوز بايدن.
ويُعَد تحول معاقل كانت منيعة في السابق للجمهوريين، مثل أريزونا وأيوا وساوث كارولينا، إلى ساحات للتنافس مقياساً على مدى التغيُّر.
هل يتخلى الجمهوريون عن ترامب؟
هل سيتبرّأ الجمهوريون أخيراً من ترامب في محاولة لإنقاذ أنفسهم؟ رفضت السيناتور سوزان كولينز الإفصاح عمّن ستصوت له في نوفمبر/تشرين الثاني، وقالت لصحيفة The New York Times الأمريكية إنَّها لن تكون ضد بايدن، وهو زميل سابق لها في مجلس الشيوخ، في الحملة الانتخابية.
وتُعَد كولينز من بين عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أعلنوا أنَّهم لن يحضروا المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الشهر المقبل لإعادة تسمية ترامب مرشحاً للحزب في مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا.
تجادل إيلاين كامارك، وهي زميلة أولى في دراسات الحكم بمركز أبحاث معهد بروكنغز في واشنطن، بأنَّ التصدعات في الحزب الجمهوري ستكبر مع كل تراجع في استطلاعات الرأي.
وتقول: "سيبدأ (الجمهوريون) في تمييز أنفسهم عن الرئيس الذي لا يحظى بشعبية. وسيبدؤون في القول: (أنا أعمل مع الديمقراطيين)، أو (لا أتفق مع كل ما يقوله الرئيس). وسيبدؤون بإرسال إشارات إلى جمهور الناخبين بأنَّهم مختلفون".
قاعدة الجمهوريين تحضر مفاجأة.. لا يحبون الرئيس ولكن هناك ما يجمعهم معه
غير أنه لا يزال هناك 3 أشهر حتى يوم الانتخابات. وتبقى قاعدة ترامب الانتخابية متحمسة. وتجادل حملته الانتخابية بأنَّه سجَّل رقماً قياسياً في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري هذه السنة بحصوله على أكبر عدد من الأصوات لرئيسٍ لا يزال في منصبه قبيل الانتخابات على الإطلاق. وكان قد تحدى متشائمي الحزب في انتخابات 2016.
وأجرى تيم ميلر، مدير الاتصالات السابق لجيب بوش والمتحدث السابق باسم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، مؤخراً مقابلات مع 9 من مستشاري الحملات الانتخابية لمرشحين جمهوريين لمجلس الشيوخ لصالح مجلة Rolling Stone الأمريكية. ومع أنَّ المستشارين الذين لم تُحدَّد هوياتهم عبَّروا عن آراء من قبيل أنَّ "كل دليلة من الدلائل تشير إلى هزيمة حاسمة في الخريف"، فإنَّ الدعم لترامب، بحسب ما كتبه ميلر، يظل "راسخاً".
وكتب: "قد لا يحبون الرئيس كلهم، لكنَّ معظمهم يشاطرونه بغضه لأعدائه في اليسار ووسائل الإعلام والمارقين الجمهوريين من أنصار حملة (Never Trump – لن نصوت لترامب أبداً) بشغفٍ يُوجِد تحالفاً مع الرئيس، إن لم يكن أواصر قرب معه".
ورداً على مقال مجلة Rolling Stone، رأت تارا سيتماير، وهي مديرة اتصالات جمهورية سابقة في الكونغرس، أنَّ المختلفين مع ترامب لن يقفزوا من السفينة، وقالت: "قد يغرقون مع السفينة لأنَّهم يشعرون أنَّ المخلصين للحزب متمسكون جداً بترامب بحيث ستكون فرصتهم (المختلفين مع ترامب) منعدمة إذا ما انفصلوا بأنفسهم عن الحزب. هذه هي المعادلة".
ولا يبدو، حتى الآن، أنَّ ماكونيل من المرجح أن ينأى بنفسه سياسياً عن ترامب في محاولة أخيرة للبقاء في مجلس الشيوخ. وأضافت سيتماير: "استمر الزواج القسري بين الحزب الجمهوري وترامب، وسيكون من المستحيل عملياً على قادة الحزب في هذه المرحلة رفض (ترامب) صراحةً".