كيف يحاول أكراد سوريا استغلال قانون قيصر لبيع النفط مباشرة بالأسواق الدولية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/09 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/09 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/رويترز

يحاول أكراد سوريا استغلال الأزمة  الناتجة عن العقوبات التي فرضها قانون قيصر الأمريكي على النظام السوري للحصول على حق بيع نفط البلاد الذي يسيطرون على أغلبيته في الأسواق الدولية.

وفي هذا الإطار، قال رئيس وكالة أنباء كردية سورية -خلال لقاء مع شخصيات أمريكية معنية بالملف- إن الولايات المتحدة يجب أن تمنح الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة تنازلاً للسماح ببيع نفطهم في السوق الدولية.

النفط هدف للأمريكيين وأكراد سوريا

وتسيطر الميليشيات المعروفة باسم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بقيادة الأكراد حالياً على أكبر حقول النفط في سوريا، والتي أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوات أمريكية لحمايتها

ولكن هذه القوات ذات القيادة الكردية غير قادرة على بيع النفط بطريقة قانونية، ومن ثم فهي مضطرة إلى التعامل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي تتهمه الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد شعبه، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

وجاءت التصريحات الكردية من رئيس مركز معلومات "روجافا" الكردي، توماس مكلور، والتي قال فيها إن القوات الكردية التي تتولى إدارة بعض المناطق في شمال سوريا طلبت مراراً من الحكومة الأمريكية إعفاءاتٍ من العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على سوريا، والتي تعوق صادرات النفط السورية.

وقال مكلور محتجاً، في لقاء عُقد عبر الفيديو واستضافه "مجلس الشؤون العالمية في لوس أنجلوس"، يوم الثلاثاء 7 يوليو/تموز، "كيف يمكن للإدارة هنا في شمال شرق البلاد توفير الخبز وتوفير المأوى لقاطنيها؟ يمكنها ذلك بواسطة النفط، ولكي تحمي الإدارة هنا شعبها من الموت جوعاً، فإن عليها بيع النفط للنظام".

القوات الأمريكية تحمي النفط/رويترز

يذكر أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فُرضت منذ عام 2011 تحظر القيام باستثمارات في سوريا، كما تحظر استيراد المنتجات النفطية السورية. ومع أن العقوبات تشمل استثناءً لمجموعات المعارضة الأقدم، التي لم يعد لها وجود في الغالب، فإنها لا تشمل قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر حالياً على شمال شرق سوريا.

وتتعامل هذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة مع وسطاء ومهربين، كثير منهم على صلة بنظام الأسد، لبيع النفط المستخرج من الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. كما أن مرافق النفط المؤقتة ذات الصيانة السيئة التي تعتمد عليها تلك المناطق تتسبب في خلق أزمة بيئية في مختلف المناطق على طول طرق التهريب.

ويُحاجج مكلور بأن الإعفاء من العقوبات سيسمح للأكراد بالتعامل مع أسواق الطاقة الدولية، وهو ما يساعد في "الحفاظ على هذه المناطق خارج سيطرة نظام الأسد"، و"تقليل الترابط بين هذين الاقتصادين".

وسبق أن قال السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام في خضم الجدل الذي أثير العام الماضي، أكتوبر/تشرين الأول 2019، حول انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة "أعتقد أننا على وشك الإقدام على مشروع مشترك بيننا وبين قوات سوريا الديمقراطية، لتحديث حقول النفط وضمان أنها هي التي تحصل على الإيرادات وليس إيران أو نظام بشار الأسد، وهدفنا الأساسي من كل هذا هو حماية إسرائيل".

وقال غراهام آنذاك إن التعامل مع حقول النفط في سوريا قد يدرّ عوائد للمنطقة ويولّد دخلاً يمكن من خلاله دفع تكاليف التزام الولايات المتحدة في سوريا.

يسيطرون على نحو ثلث سوريا والأغلبية العربية تنظر إليهم كاحتلال

أتاح القضاء على تنظيم داعش ككيانٍ جغرافي في مارس/آذار 2019، لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تُشكّل مظلة للمقاتلين الأكراد والعرب يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي المقرب من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً، السيطرة على نحو ثلث الأراضي السورية، حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من غير الأكراد. 

وقد تبنّت الإدارة الذاتية خطاب الحكم الذاتي القائم على "أخوة الشعوب"، وفي الوقت نفسه أبدت رفضها التخلّي عن أي سلطة فعلية في مجال صناعة القرار، وتسليمها إلى الجماعات الكردية أو إلى القيادة السياسية والعسكرية الاسمية للمشاركين العرب في الإدارة الذاتية و"قسد".

وينظر أغلب السكان المحليين إلى وجود "قسد" في المنطقة على أنه احتلال أجنبي، حسبما ورد في تقرير لمركز Carnegie.

ويقول السكان المحلّيون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة "قسد"، إن تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولّد مشاعر استياء لدى العرب المثقّفين والمتمرّسين، الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بإدارة مناطقهم.

الأكراد يهمينون على قوات سوريا الديمقراطية/رويترز

ويدير الحزب أوضاع هذه المنطقة الشاسعة، والتي تضم أعداداً كبيرة من العرب السنة، ومجموعات إثنية أخرى عبر استخدام أحزاب تحمل كواجهات سياسية من هذه القوميات والطوائف، مثل "الهيئة الوطنية العربية"، و"حزب الاتحاد السرياني"، وتنظيمات كُردية وعربية وسريانية أخرى. 

ولقد حاول الحزب احتكار الشأن العام عبر هذه التحالفات صورياً، من خلال إلزامهم بالسير على نهج اخترعه، سمّاه "نهج الأمة الديمقراطية".

وسبق أن انتقد تقريراً صادراً عن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، نهاية مارس/آذار الماضي، أفاد بإقصاء المكوّن العربي عن مفاصل اتخاذ القرارات، داخل المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لـ"المجلس".

ويقول الصحفي الكردي السوري، فاروق حاجي مصطفى، مؤسس مركز براتشاف للإعلام والحرية في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا: إن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتمتع بشعبية فعلية لأنه كان يتصدى لمشاكل السكان الأكراد. فأعضاؤه براغماتيون ومنظمون على عكس الأحزاب الكردية الأخرى التي فشلت في مواجهة تلك المشاكل".

ولكنه استدرك قائلاً "الحزب بات حزباً شمولياً، ورافضاً لمظاهر معارضة حكمه، وتعامل بعنف ضد البعض في مجتمعه".

على الجانب الآخر، فإن الوضع الاقتصادي في المناطق داخل وخارج سيطرة الأسد يتفاقم سوءاً، في ظل تشديد قانون العقوبات الأمريكي المعروف باسم "قانون قيصر" من قبضة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد.

ويزعم مكلور أن الأجور الشهرية قد انخفضت بما يعادل 9 دولارات، لتصل إلى ما يعادل 20 دولاراً، بفعل الانهيار الحاد لليرة السورية أمام الدولار، والارتفاع الهائل في معدلات التضخم.

يوضح مكلور: "حتى بالنسبة لنا، من الصعب شراء الخضراوات، أما جيراننا من الأكراد والعرب فالأمر أصعب. والسؤال هو ما إذا كان الأمر يستحق أن يعاني كل الشعب السوري من أجله".

واللاجئون مكدسون في مناطق المعارضة دون موارد

وتعاني مناطق المعارضة السورية المدعومة من تركيا من أوضاع أكثر سوءاً، فمناطقهم ليست غنية بالنفط، كما أنها أقل في المساحة، ومكدسة بأعداد هائلة من اللاجئين القادمين من مناطق مختلفة.

من جهته، ردّ تشارلز ليستر، زميل أقدم ومدير برامج مكافحة الإرهاب والتطرف في "معهد الشرق الأوسط"، بأن العقوبات "قد تؤدي إلى تفاقم بعض آثار الأزمة الاقتصادية، لكنها ليست السبب الأساسي".

وقال ليستر: "العقوبات ليس لها تأثير فوري، خاصة على الاقتصاد الوطني"، متهماً الأسد بإحداث أزمة اقتصادية "ذاتية" من خلال "الوحشية" التي يمارسها و"سوء إدارة" البلاد.

ومع ذلك، فإن ليستر ومكلور اتفقا على شيء واحد؛ إذ قال كلاهما إن السياسة الأمريكية حيال النفط السوري تعكس نوعاً من "غياب الوضوح".

تحميل المزيد