حين استجابت جُسنة بيغوم لرنين هاتفها الساعة الواحدة صباحاً، وجدت متصلة تبكي والدها الذي فقدته للتو جرّاء إصابته بفيروس كورونا، وبدا لسان حال جُسنة يقول لماذا يعاني مسلمو بريطانيا من كورونا أكثر من غيرهم؟
وأصبحت جُسنة، السيدة ذات الأصل البنغالي، التي تعيش في المملكة المتحدة، معتادة على هذا الوضع الجديد، رغم أنها ليست مستشارة نفسية أو طبيبة أو شيخة. ولكنها مغسّلة موتى على الطريقة الإسلامية.
بعد تفشي كوفيد-19، حُرم آلاف العائلات هذه الشعائر الدينية المقدسة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وينهال على جسنة (45 سنة) سيل من المكالمات الهاتفية من أشخاص مكلومين، وحذرت من أن تأثير الفيروس يزيد من تفاقم الخسائر النفسية في مجتمع ألحقت به الجائحة ضرراً بالغاً.
لماذا يعاني مسلمو بريطانيا من كورونا أكثر من غيرهم؟
العجز عن تأدية الشعائر الدينية يُفاقم الألم
قالت المتطوعة المسلمة لصحيفة The Guardian: "لا يقتصر الأمر على أن هذه العائلات فقدت شخصاً فحسب، بل وشعرت أنها لا يمكنها التغلب على أحزانها، لأنها لا يمكنها اتباع الشعائر الدينية الصحيحة لدفن موتاها".
وأضافت: "لم نتمكن من غسل الجثث على الإطلاق، حتى إنَّ الموتى يُدفنون بالملابس التي دخلوا بها إلى المستشفى. جاءوا إلينا في حقيبة سوداء، وتُركوا في الحقيبة نفسها دون فتحها. ودفنت مئات الجثث على هذا النحو".
ومن المعروف أن الجنازة في الإسلام لها شعائر معينة، إذ يسبق الدفن بعض الشعائر البسيطة، تشمل الغسل وتكفين الجسد ثم الصلاة. وما لم تكن ظروف الوفاة غير اعتيادية فغالباً ما يتولى غسل الجثة أفراد عائلة المُتَوفَّى، ومتطوع في المسجد مثل جسنة لمساعدتهم.
كبار السن مصدومون من عدم تنفيذ الشعائر
تقول جسنة، وهي من أصل بنغالي، إن العجز عن تنفيذ شعائر الدفن الصحيحة بسبب كوفيد-19 أدى في نهاية المطاف إلى أن يأخذ كبار السن في المجتمع الجائحة على محمل الجد.
وتقول: "لم يدرك الناس في مجتمعنا خطورة ما يحدث إلا متأخراً، ولكن حالما بدأوا يلاحظون عجزهم عن أداء الشعائر الصحيحة، بدأ الشيوخ يشعرون بالذعر، واستوعبوا حقيقة ما يحدث. لقد أيقظ هذا الكثيرين".
وساعدت جسنة، التي تدير أيضاً جمعية خيرية للعنف المنزلي في شرق لندن، في غسل جثث بعض الضحايا المسلمين لحريق برج غرينفيل قبل ثلاث سنوات، وقالت إن هذه الشعائر جزء أساسي من وداع المتوفى.
تقول: "وأنا أساعد الناس في غسل الموتى أراهم يتحدثون عن أحبائهم ويروُون قصصاً قصيرة عنهم، ويستغرقون في الذكريات واللحظات التي تذكرهم بهم. أشعر أنني أتعرف على هذا المتوفى أيضاً لأنني أكون محاطة بمن يحبونه".
وتضيف قائلة: "ذكرني هذا الوقت بحادث غرينفيل، وهذا الرعب الهائل الذي استولى على المجتمع. يوجد العديد من أوجه التشابه بين الحدثين رغم أنهما مختلفان للغاية، إذ يسود شعور هائل بالحزن على من قضى نحبه خلال كوفيد-19".
وتصف جسنة عملية غسل الموتى، وتقول إنها مشابهة لما يحدث مع حديثي الولادة. إذ يغسل الشعر بالشامبو وتنظف الأظافر وينظف الجسم بالكامل قبل لفه في كفن، وهو عبارة عن خمس قطع من القماش القطني الأبيض للمرأة وثلاث للرجل.
وتقول: "وهي طريقة تمنح الأسرة شعوراً بالارتياح، وتمكنهم من قضاء هذه اللحظات الأخيرة مع موتاها، لكن فيروس كورونا حرم العديد من العائلات من ذلك. ولم يعد بإمكانهم توديع أحبائهم".
إنهم جزء من معاناة عامة للأقليات؟
هذا وقد أظهر تحليل أجراه مكتب الإحصاءات الوطنية للوفيات المرتبطة بفيروس كورونا في إنجلترا وويلز، حسب العرق، أن الأشخاص من أصول إفريقية وآسيوية والأقليات العرقية (BAME) معرضون بشكل أكبر لخطر الوفاة بسبب الفيروس.
وفي الوقت نفسه، وجد تقرير نشرته هيئة الصحة العامة في إنجلترا، الشهر الماضي، أن معدل الوفاة بين الأشخاص من أصول بنغالية يبلغ ضعف معدل الوفاة بين نظرائهم البيض.
وتوجد مجموعات أخرى من أصول إفريقية وآسيوية وأقليات عرقية عرضة لخطر وفاة أعلى، بنسبة تتراوح بين 10% و50%.
يعملون في مهن مهمة، ويتعرضون للتمييز
يشار إلى أن انعدام المساواة في تلبية الحاجات الصحية للأشخاص من أصول بنغالية كانت عاملاً في ارتفاع عدد الوفيات.
ومن العوامل الأخرى العدد الكبير من العاملين من أصول إفريقية وآسيوية، والأقليات العرقية في المهن المهمة، والحواجز اللغوية، وحقيقة أن العديد من هؤلاء الأشخاص يعيشون في أسر متعددة الأجيال.
وأضافت جسنة، التي توفت والدة زوجها مؤخراً جراء إصابتها بفيروس كورونا: "الصدمة ستدوم طويلاً. أخبرني بعض الناس أنهم تصيبهم نوبات القلق، لأن أقاربهم لم يدفنوا وفقاً للشعائر الإسلامية، ويشعرون بالذنب".
وتقول: "رغم أنهم ليس بأيديهم ما يمكنهم فعله، أَشعَر هذا المرض الناس بالعجز التام، وسيكون لذلك تأثير سيدوم طويلاً".