منذ أيام، يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ودبلوماسيون غربيون مباحثاتهم مع أطراف محلية وإقليمية، ضمن جهود دولية رامية إلى إقناع طرفي النزاع (الحكومة اليمنية والحوثيين) بترك السلاح والعودة إلى طاولة المفاوضات.
التحركات الدبلوماسية المكثفة تأتي أيضاً لاحتواء التوتر والتصعيد العسكري الكبير الذي يشهده اليمن منذ أسابيع، والذي تصاعد بالتزامن مع جولة غريفيث، وسط اتهامات متبادلة من قِبل الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، بشأن المسؤول عن هذا التصعيد.
إذ أعلن التحالف العربي، الخميس 3 يوليو/تموز 2020، تنفيذ عملية وصفها بـ"النوعية" ضد أهداف عسكرية بمحافظات يمنية عدة تقع تحت سلطة الحوثيين، أبرزها العاصمة صنعاء، رداً على إطلاق الجماعة صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة على مدن سعودية عدة، خلال الأيام الماضية.
هجمات التحالف رد عليها المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع، في اليوم نفسه، فتوعد باستهداف جماعته لـ"مؤسسات عسكرية وسيادية" في السعودية، وهو ما نفذه الحوثيون بالفعل، الجمعة، إذ أعلنت استهدافها عبر طيران مسيّر "بدقة عالية"، مطاراً وقاعدة جوية جنوب غربي السعودية.
ويعيش اليمن للعام السادس على التوالي حرباً بين القوات الموالية للحكومة ومسلحي الحوثي المتهمين بتلقِّي دعم إيراني، والمسيطرين على محافظات عدة بينها صنعاء، منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وما زاد الأزمة سعيُ المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً إلى الانفصال عن شمالي اليمن، وعدم تنفيذه لاتفاق الرياض الموقّع مع الحكومة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
تحركات دبلوماسية
والإثنين، وصل غريفيث العاصمة السعودية الرياض، وبحث أزمة اليمن مع الرئيس عبدربه منصور هادي، ورئيس مجلس الوزراء معين عبدالملك، إضافة إلى رئيس مجلس النواب سلطان البركاني وممثلين عن أحزاب يمنية.
كما التقى غريفيث بمسؤولين من دول جوار اليمن، فعقد مباحثات مع وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي تدعم بلاده الحكومة اليمنية ضد الحوثي منذ سنوات، وبحث مع وزير الخارجية يوسف بن علوي مستجدات الأزمة.
وفي مجمل اللقاءات، شدد غريفيث على ضرورة الحل السياسي للأزمة، وأن اليمن بحاجة إلى السلام أكثر من أي وقت مضى، مطالباً بضرورة العمل على وقف إطلاق النار.
جولة غريفيث تتضمن لقاء رئيس وفد الحوثيين المفاوض محمد عبدالسلام، في العاصمة العمانية مسقط، إضافة إلى زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، بالعاصمة اليمنية صنعاء، للتباحث حول الملفات الشائكة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، دعت الأمم المتحدة أطراف النزاع في اليمن إلى وقف إطلاق نار شامل، واستئناف عاجل للعملية السياسية، دون استجابة لدعوتها حتى الآن.
وتتزامن تحركات المبعوث الأممي مع لقاءات دبلوماسية أخرى أجراها سفيرا أمريكا وبريطانيا إلى اليمن، كريستوفر هنزل، ومايكل براون، اللذان بحثا مع مسؤولين يمنيين في الرياض سبل العمل على إنجاح الحل السياسي ووقف إطلاق النار.
الاستجابة للمبعوث
وأمام التصعيد اللافت بين الطرفين خلال الأسابيع الماضية، يبدو هناك صعوبة كبيرة في إقناع الأطراف اليمنية بالعودة إلى طاولة المفاوضات، من قِبل المبعوث الأممي الذي لم تستجِب له الأطراف بخفض التصعيد، ولو أثناء فترة قيامه بهذه الجولة من المباحثات.
وأكثر الصعوبات التي تواجه طريق المبعوث الأممي هي التباينات الكبيرة في وجهات النظر لدى طرفَي الأزمة، فكل طرف لديه قناعته الخاصة التي يظن أنها المخرج الوحيد لحل الصراع، ويرى أن تقديم أي تنازلات يعد ضعفاً وعجزاً سياسياً وعسكرياً.
فمن جهتها، تشترط جماعة الحوثي ضرورة وقف ما تسميه "العدوان والحصار" في إشارة إلى عمليات التحالف العربي، قبل الدخول في أي جولة مفاوضات أممية.
كما تشدد على رفضها الكامل للمرجعيات التي تطالب الحكومة الشرعية بأن تستند عليها أي مفاوضات مقبلة، وهي "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي خصوصاً القرار رقم 2216 (ينص في أهم بنوده على انسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها وترك السلاح)".
بدورها، تؤكد الحكومة اليمنية (مقرها السعودية) أنها مستعدة للذهاب في جولة جديدة من المفاوضات، إذا ما تم الالتزام بتلك المرجعيات، محملة الحوثيين مسؤولية عرقلة التوصل إلى السلام، وأنهم لا يرغبون في تحقيق الحل للأزمة.
جدوى القرارات الأممية
ووسط الاتهامات المتبادلة بين الحكومة اليمنية المدعومة سعودياً، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، لم تستطع الأمم المتحدة ومجلس الأمن إحراز أي تقدم سياسي حقيقي في الأزمة اليمنية، خلال السنوات الماضية، رغم إصدار العديد من القرارات المتعلقة بتطبيق الحل السياسي، وفرض عقوبات، ومطالبة الحوثيين بسحب قواتهم، وحظر توريد الأسلحة إليهم.
ولم يستطِع غريفيث إلا أن يجمع الأطراف اليمنية في مشاورات بالعاصمة السويدية ستوكهولم، في ديسمبر/كانون الأول 2018، اتفقت خلاله الحكومة الشرعية والحوثيون على حل ملفات عدة، بينها أزمة مدينة الحديدة، وتبادل الأسرى بين الطرفين، والوضع الإنساني في مدينة تعز (جنوب غرب) المحاصرة من الحوثيين
وحتى اليوم، لم يتم إحراز أي تقدم فعلي في تطبيق اتفاق ستوكهولم، وسط اتهامات متبادلة من قِبل طرفي النزاع بشأن عرقلة التنفيذ، ما يجعل المهام الدبلوماسية الأممية تواجه الكثير من العقبات.
"الاتفاق الوحيد"
ووسط هذه الخلافات الكبيرة والتباينات المتواصلة والاتهامات المتبادلة بين الحوثيين من جهة والحكومة اليمنية من جهة أخرى، فإن الطرفين اتفقوا على انتقاد المبعوث الأممي، وبات كل طرف يتهم غريفيث بأنه يتجاهل تصرفات الطرف الآخر، وأنه لم ينقل الحقيقة في اليمن كما هي، ما جعل مسألة الثقة بين طرفي النزاع والمسؤول الدولي "مهزوزة".
فمن جهة الحكومة، قال وزير الإدارة المحلية عبدالرقيب فتح، عبر تويتر، في 30 يونيو/حزيران الماضي: "إن هناك مشكلة رئيسية تتركز حول المبعوث الأممي، وإن غريفيث يقدم في إحاطاته معلومات لمجلس الأمن الدولي لا تعكس ما تقوم به الميليشيات الحوثية على الأرض".
وقبل ذلك بيوم، اتهم رئيس الحكومة اليمنية، خلال لقائه السفير البريطاني باليمن، الأمم المتحدة بأنها "تتغاضى" عن تصرفات الحوثيين، وأن "غريفيث غض الطرف عن نهب الحوثيين إيرادات محافظة الحديدة (غرب)"، حسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية.
في المقابل، سبق أن صرح أكثر من قيادي حوثي بأن الأمم المتحدة ومبعوثها تتماهى مع التحالف العربي، كما اتهمت الجماعة الأمم المتحدة في 30 مارس/آذار الماضي بالتغطية على جرائم ما سمّته "العدوان"، في إشارة إلى التحالف العربي.
وبينَ طرفَي النزاع يحاول غريفيث تبرئة ساحته، وبدلاً من الوصول إلى حل للحرب المستمرة منذ 2014، التي خلَّفت "أزمة إنسانية حادة هي الأسوأ في العالم" وفقاً للأمم المتحدة، يحاول المبعوث الأممي إقناع طرفيها بأنه يعمل بشكل محايد في اليمن، وأنه وفريقه يواصلون العمل الدؤوب وبتفانٍ كبير من أجل التوصل لحل للأزمة الصعبة التي تعيشها البلاد.