أيهما تختار دول الخليج التحالف مع الصين أم أمريكا؟، يزداد هذا السؤال إلحاحاً مع تزايد نذر الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين التي زادتها جائحة كورونا اشتعالاً.
ولكن تأتي هذه الحرب في وقت سيئ بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي حمل لها هذا الأسبوع مزيداً من الأخبار الاقتصادية السيئة.
فقد راجع صندوق النقد الدولي توقعاته للانكماش الاقتصادي هذا العام، نتيجة لجائحة كوفيد-19 وتراجع أسعار النفط.
يتوقع صندوق النقد الآن انكماشاً بنسبة 7.6% في إجمالي الناتج المحلي، وهو مؤشر رئيسي على الإنتاج الاقتصادي، لدول مجلس التعاون الخليجي في 2020، بالمقارنة بتوقع البنك في أبريل/نيسان الانكماش بنسبة 3%، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
يأتي هذا التراجع في توقعات البنك إلى استشرافٍ بأن الاقتصاد السعودي سينكمش بواقع 6.8%، أي ثلاثة أضعاف تقدير البنك في أبريل/نيسان بواقع 2.3%.
وهذا التراجع في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي يحد من آفاق وخطط تلك الدول، ويؤطر السباق المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة.
أيهما تختار دول الخليج التحالف مع الصين أم أمريكا؟
وقد قال رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي، الشهر الماضي، إن "روسيا لا تملك المواد الاقتصادية لتدخل منطقة الخليج بالطريقة التي دخلت بها الصين"، وأن الولايات المتحدة عليها "مواجهة" الإنجازات الاقتصادية الصينية في المنطقة.
وفي تقرير حول التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين في الخليج، كتبت كارين يونغ، الباحثة المقيمة بمعهد American Enterprise والكاتبة بموقع المونيتور، أنه لا يوجد خيارٌ بين واشنطن وبكين في دول الخليج العربي الساعية إلى شركاء عالميين في التجارة والاستثمارات.
وإن كان هذا "الخيار" مطروحاً، فهذا لأن الولايات المتحدة سمحت للصين بالتفوق عليها في الجهود الدبلوماسية المعلنة.
الصين حولت الأمر إلى منافسة على التمويل
وكتب يونغ: "بالتركيز على استثمارات الدولة ونشرها على نطاقٍ واسع، فقد جعلت الصين تقييم دور الولايات المتحدة في المنطقة يرتكز على تمويل الدولة بين الطرفين. لكن ما تقدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة هو نظامٌ يسمح لهم بالولوج إلى رأس المال الدولي ومؤسسات تكافئ الحوكمة وحكم القانون وخلق الوظائف المحلية، ولا تقدم نظاماً لإثراء أجهزة الدولة أو عقوداً تدعم أرصدة البنوك المركزية، أو مشروعات غير منتظمة لا تؤدي إلى نمو أو وظائف على المستوى المحلي إلا نادراً".
وبهذا، فإن الولايات المتحدة لا تخسر، ولا يفترض بها أن تخسر، السباق على النفوذ الاقتصادي في المنطقة. فالأعمال التجارية مع الصين لها نطاقها المختلف.
وتشرح يونغ: "إن أسباب التواجد الصيني في تعاقدات الخليج والاستثمار في البنية التحتية ومشروعات الطاقة في الخليج بسيط. إن مصدري النفط الخليجي يريدون الحفاظ على علاقة خدمة عملاء جيدة بالصين، والاستثمارات بين الطرفين يمكن أن تتجنب عروض السندات والإفصاح عن الاستثمارات للجهات الدولية، الخاضعة لتدقيق الرأي العام، وفي بعض الأحيان هذه الصفقات أسرع في عقدها. إن الصين شريكٌ جيد في بعض الاستثمارات والقروض التي ليس لها جدوى اقتصادية مع غيرها، وهي تمثل ميزانية عمومية بديلة لدى الطرفين".
وتضيف يونغ إن "الولايات المتحدة لم تدرك كيف أن وجودها في الشرق الأوسط يعمل بالشراكة مع حلفائها، وكيف أن الاستثمارات غير الحكومية والتجارة والأفكار تعمل بالتوازي وتمثل بديلاً للصين. لذا فإن الاختيار بين الصين والولايات المتحدة غير منطقي، وهو مجرد خسارة للفرص المتاحة".
عمان تتجنب نزاعات الخليج
يتوقع صندوق النقد الدولي تراجعاً بنسبة 2.8% هذا العام بالنسبة لسلطنة عمان. وما يزيد المشكلة حدة هو الدين العام الذي تتحمله عمان، والذي يبلغ 85% من إجمالي الناتج المحلي قبل جائحة كوفيد-19 وأزمات أسعار النفط.
وقد قلصت مسقط هذا العام من العمالة الوافدة لديها تقليصاً ضخماً، وأحالت إلى التقاعد عدداً كبيراً من الموظفين بالخدمات المدنية لتقليل النفقات العامة. ولجأ جهاز الاستثمار العماني إلى تجميع والسيطرة على أصول قيمتها 17.7 مليار دولار من صناديق الثروة السيادية الخاصة بالسلطنة، وفقاً لسباستيان كاستيلير.
وهذا التقليص أدى إلى أول موازنة عمانية بفائض منذ أعوام، لكنها ما زالت البداية. وستظل مسقط على الأرجح تطلب المساعدات المالية من جيرانها في الخليج، لكن صناديق هؤلاء الجيران فارغة بسبب التراجع الاقتصادي في المنطقة كما ذكرنا.
كما أن السياسات الإقليمية تعمق الأمر. وتقلق عمان من أن طلب إنقاذ من الإمارات والسعودية، من ناحية، أو قطر، من الناحية الأخرى، فإن ذلك يمكن أن يجذبها إلى الشقاق الحالي داخل مجلس التعاون الخليجي، وهذا أمرٌ تجنبته عمان بنجاح حتى الآن وحافظت على موقفٍ مستقل ومحايد في سياستها الخارجية.
وهي لا تريد اللجوء للصين التي هي أصلاً مديونة لها
لكن طلب المساعدة من داخل المنطقة سيجنب عمان الاعتماد على الصين، وهي مدينة للصين بديونٍ ثقيلة.
ربما تكون الدولة الأفضل لدعم عمان هي الكويت، التي تتبنى موقفاً محايداً في الشؤون الخليجية مثل عمان. ففي العام الماضي، استثمرت عمان ملياري دولار في مشروع مصفاة الدقم.
"إلا أن الكويت، التي أثرت عليها جائحة فيروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة بعد نصف عقدٍ من العجز في الموازنات المتتالية، تذهب التقديرات إلى أنها ستكون الدولة الخليجية الوحيدة التي يزيد عجز الموازنة بها عن 30% من إجمالي الناتج المحلي، وفقاً للتقديرات. ويمكن أن تلعب قطر دوراً محورياً، فهي البلد الخليجي الوحيد الذي تذهب التوقعات إلى أن موازنته ستشهد فائضاً هذا العام رغم الكساد العالمي".
هل ستعود العمالة الوافدة إلى مجلس التعاون الخليجي؟
وقد أجبر تقليص الموازنات والتراجع الاقتصادي دول مجلس التعاون الخليجي على أن تقلل من اعتمادها على العمالة الوافدة. وكتبت سابينا صديقي إن "الكثير من العمالة الوافدة منخفضة الدخل خسروا وظائفهم وعادوا إلى بلادهم، مع وجود فرصة ضئيلة لأن يحصلوا على وظيفة في وطنهم الأم".
وتلاحظ سابينا أن التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على خطط "الرؤية" والمشروعات الكبرى، في السعودية والإمارات وغيرهما، ونسبة كبيرة من العمالة المدربة وغير المدربة المطلوبة لتنفيذ هذه المشروعات تأتي من خارج البلاد.
لكن تباطؤ هذه المشروعات أو إلغاءها نتيجة للتراجع الاقتصادي يعني أن العمالة المهاجرة لن يجدوا وظائف ليعودوا إليها.
ويتباين تأثر التراجع الاقتصادي وفي الوظائف بين دول المنطقة. فالإمارات، وبالأخص دبي، تعتمد على السياحة، في حين أن الكويت لا تعتمد عليها، وتركز بدلاً من ذلك على تقليص أعداد العمالة الوافدة.
وفي أنحاء الخليج، "يستمر الطلب على الوافدين من ذوي المهارات العالية في التزايد، لأن استبدال المواطنين المحليين بهم سيتطلب أعواماً طوال من الاستثمار في التعليم والمهارات والتدريب المهني. وفي ذلك الحين، سيقل الطلب على العمالة غير المدربة بسبب التوجه إلى التأميم".