لطالما انتُقِدت إدارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تمييزها ضد مسلمي الهند الذين يُقدّر عددهم بنحو 200 مليون مسلم. إذ تتصاعد التوتّرات بين هذه الأقلية الضخمة وبين القوميين الهندوس الذين يدعمون حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الخاص بمودي خلال السنوات الأخيرة، مما أسفر عن قوانين مجحفة ومضايقات خطيرة وعنف جماعي مميت في الهند. والآن انتقل العداء خارج حدود الهند. فبفضل الشبكات الاجتماعية وهنود الشتات المخلصين؛ أصبح عداء أنصار اليمين الهندي ضد المسلمين عداءً عالمياً. فضلاً عن أنّ الانتشار العالمي للتحيّزات المحلية يزيد المضاعفات الدبلوماسية على حلفاء الهند، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
اليمين المتطرف الهندي في الخليج العربي
تجلّى ذلك بوضوح في منطقة الخليج التي تستضيف ملايين المغتربين الهنود. إذ صاغ مودي علاقاته مع أنظمة الخليج بكل حرص، لكنّها تحت التهديد الآن بسبب حالات ترويج المغتربين الهنود -مفرطي القومية- للخطاب المعادي للإسلام على الإنترنت. ورغم أنّ غالبية تلك الرسائل تستهدف السكان المسلمين على أرض الوطن؛ لكنّها أخذت طابع منشورات الشبكات الاجتماعية التي تحُط من قدر النبي محمد عليه الصلاة والسلام ودين الإسلام عموماً.
وأدى الوضع إلى تعرّض مودي لانتقادات نادرة من جانب النخب الخليجية. ففي أبريل/نيسان، انتقدت حكومة الكويت وأحد أفراد العائلة الملكية في الشارقة بالإمارات انتشار منشورات الشبكات الاجتماعية المعادية للإسلام على نطاقٍ واسع في الهند، والتي تتهم مسلمي البلاد بتعمُّد نشر فيروس كورونا والمشاركة في "جهاد الكورونا".
واستجاب مودي سريعاً بتغريدة قال فيها إنّ الفيروس "لا يُفرّق بين عرقٍ أو دين"، رغم أنّ خطاب حكومته يقول خلاف ذلك. وبعد شهرٍ واحد أصدرت النيابة العامة الاتحادية الإماراتية تحذيراً عاماً ضد التمييز، بعد إقالة العديد من المغتربين الهنود بسبب منشوراتهم المعادية للمسلمين على الشبكات الاجتماعية. ودفعت هذه الواقعة -وغيرها- بصحيفة Gulf News الإماراتية إلى نشر افتتاحية في مايو/أيار تدعو الهند إلى التوقّف عن "تصدير الكراهية" إلى منطقة الخليج.
تصدير العنصرية الهندية إلى الغرب أيضاً
وفي الغرب، تم تصدير نسخة أخرى من الإسلاموفوبيا الخاصة بحزب بهاراتيا جاناتا على شريكٍ مُتحمّس في أوساط اليمين المتشدد كما كشفت التطوّرات الأخيرة في كندا التي تشتهر بالتعددية الثقافية.
ففي أبريل/نيسان، صوّتت مجالس المدن في كافة أنحاء كندا على السماح ببث أذان الصلوات الإسلامية لبضع دقائق يومياً خلال شهر رمضان المبارك. وكانت الحكومة تأمل في تعزيز شعور الاندماج، بالتزامن مع إغلاق المساجد وغيرها من دور العبادة بسبب كوفيد-19. وأثار القرار رد فعلٍ عنيف، شمل مطالبات كُبرى وكراهية عبر الإنترنت، مع اقتراح اليمين المُتشدّد بأنّ "الإسلاموية" اخترقت المجتمع والسياسات الكندية.
وردّد بعض هنود الشتات في كندا تلك الأفكار، مُغرّدين حول أنّ إذاعة الأذان تُمثّل جزءاً من "حملة استراتيجية إسلاموية في كافة أنحاء العالم"، وأنّ "مكبرات الصوت الصاخبة لن تحمل السلام". لكن العديد من أولئك المغردين فقدوا وظائفهم وسط ضغوطات من جماعات مناهضة الكراهية.
حسابات وهمية تهاجم الإسلام في كندا.. ومنظمات هندوسية تصدّر العنصرية
وحظت بعض الحالات بقدرٍ كبير من الاهتمام. وخير مثالٍ هو رافي هودا، عضو مجلس إدارة مدرسة إقليمية في منطقة تورونتو، الذي غرّد قائلاً إنّ السماح بإذاعة الأذان يفتح الباب أمام "رصف طرق مخصصة لراكبي الجمال والماعز" أو فرض قوانين "تُلزِم النساء بتغطية أنفسهن من الرأس إلى القدم بخيمة". وحين انتقدت شبكة مناهضة الكراهية الكندية تغريدة هودا؛ اندلعت حربٌ عبر تويتر. إذ ظهرت عشرات الحسابات المؤيّدة للهند، مع أسماء حسابات تحوي ثمانية أرقام عادةً -وهو مؤشر على كونها حسابات وهمية- وبدأت في الدفاع عن هودا. وفجأةً تحوّل الجدل المحلي ليكتسب شخصيةً عالمية.
وهودا من جانبه هو متطوعٌ في الفرع المحلي لمنظمة هندو سوايامسيفاك سانغ التي تُمثّل المصالح الخارجية لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الهندوسية اليمينية القومية المتشددة، التي تُروّج لأيديولوجية الهندوتفا القائلة بأنّ الهند هي دولةٌ قومية هندوسية خالصة في أساسها.
ومودي نفسه هو عضوٌ قديم في راشتريا سوايامسيفاك سانغ، ويحظى غالبية وزرائه بتاريخٍ مع المنظمة. وافتتحت هندو سوايامسيفاك سانغ أول فروعها في كينيا عام 1947، ولديها الآن أكثر من 500 فرع في 39 دولة. ويُطلق على تلك الفروع اسم شاخة، فضلاً عن توفيرها الخدمات الاجتماعية، والمساعدة في تنظيم هنود الشتات عبر المحاضرات والمعسكرات وغيرها من الجلسات التنظيمية المتماشية مع نظرة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الأيديولوجية.
ويُزعم أن انتشار القومية الهندوسية اليمينية في كندا تضافر مع جهود وكالات الاستخبارات الهندية "للتأثير سراً" على الساسة الكنديين من أجل دعم مواقف الحكومة الهندية، باستخدام المعلومات المُضلِّلة والأموال، وفقاً للوثائق التي حصلت عليها شبكة Global News الكندية. ولا دليل على مدى نجاح هذا الضغط حتى الآن، ولكن من الواضح أنّ نيودلهي تبسط انتشارها العالمي في الوقت الحالي لدرجة أنّ خطاب حزب بهاراتيا جاناتا وأفعاله أدّت إلى تسييس جيلٍ جديد من المغتربين الهنود.
نيودلهي تبسط انتشار خطابها العنصري عالمياً
وقدّمت منظمة EU DisinfoLab لمحةً عن هذا الانتشار الخريف الماضي في تقرير يسرد تفاصيل شبكة من أكثر من 260 "وسيلة إعلام محلية كاذبة" مُؤيّدة للهند داخل 65 دولة، بينها دولٌ غربية. وتحمل المنظمات الإعلامية أسماء البلدات والمُدن المحلية، لكنّها غير متصلة في الواقع بالمواقع المحلية التي تزعم تمثيلها، كما تحتوي جميعها على مُحتوى مُؤيّد للهند ومعادٍ لباكستان. وجرى تسجيل جميع المواقع الإخبارية بواسطة مجموعة Srivastava Group، الشركة الهندية التي اصطحبت ساسة أوروبا اليمينيين في رحلةٍ إلى كشمير العام الماضي، حيث التقوا بمودي.
ويتجلّى هذا الانتشار كذلك في جهود المغتربين الهنود والأمريكيين من أصلٍ هندي داخل الولايات المتحدة، الذين نظّموا فعالية "مرحباً مودي!" الخريف الماضي في ولاية هيوستن بحضور 50 ألف شخص، بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره من الساسة الديمقراطيين والجمهوريين. وأدّى المتطوّعون الأمريكيون من أصلٍ هندي المهمة الصعبة وموّلوا الحدث، الذي حوّل اجتماعاً بين رؤساء الدول إلى مشهدٍ جماهيري. وكان يُفترض بالحدث تقوية علاقة مودي بترامب، إلى جانب حشد هنود الشتات في أمريكا حول حزب بهاراتيا جاناتا، وبالتالي تعزيز شعبية رئيس الوزراء على أرض الوطن.