بدأ القضاء التركي الجمعة 3 يوليو/تموز 2020، في محاكمة 20 متهماً سعودياً في قضية مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول عام 2018، وذلك بحضور خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز بصفة "المشتكي"، ومحاميها وشهود آخرون، فيما تغيب المتهمون الفارون العشرون الصادر بحقهم مذكرة إلقاء قبض، وعلى رأسهم المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
وأعدت النيابة العامة الجمهورية في إسطنبول لائحة اتهام من 117 صفحة ضد المتهمين الصادر بحقهم قرار توقيف في إطار مقتل خاشقجي، فيما أرجأت المحكمة الجلسة الثانية من القضية إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
ويهدد اعتبار القحطاني مستشار ولي العهد السعودي، كأبرز المطلوبين للقضاء التركي، بتوريط اسم محمد بن سلمان مجدداً في هذه الجريمة وإدانته أمام المحكمة، إذ قالت المحققة الأممية الخاصة آنييس كالامار والتي حضرت الجلسة الأولى، إنه رغم عدم الإشارة إلى دور ولي العهد السعودي في قضية خاشقجي، فإن ذلك سيتم في مرحلة ما من المحاكمة. إذ تعتقد وكالة الاستخبارات الأمريكية وحكومات غربية أن القتل كان بناء على أوامر من ولي العهد من بن سلمان، وهو ما ينفيه.
القحطاني الحرّ الطليق أبرز المطلوبين للمحكمة
تحتوي لائحة الاتهام على اسم خاشقجي بصفة "المقتول" وخطيبته خديجة جنكيز بصفة "المشتكي"، مطالبة بالحكم المؤبد بحق "أحمد بن محمد العسيري" نائب رئيس المخابرات السعودية السابق، و"سعود القحطاني" المدير السابق لمركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي السعودي والرجل الأول المقرب من محمد بن سلمان، بتهمة "التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي".
كما تطالب اللائحة بالحكم المؤبد بحق الأشخاص الـ18 الآخرين بتهمة "القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي". وتشير اللائحة إلى أن العسيري والقحطاني خططاً لعملية القتل وأمراً فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وكان اسم القحطاني قد برز مع تصاعد أزمة مقتل خاشقجي، إذ اعتبرته وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (CIA)، أحد الذين رتبوا لاغتيال خاشقجي داخل مقر القنصلية في إسطنبول، ليتسبب في إحراج كبير للأمير محمد بن سلمان دولياً، ويدفع مجلسَ الشيوخ الأمريكي إلى تأييد قرار يحمّل وليَّ العهد المسؤولية عن جريمة قتل خاشقجي.
لكن مع تصاعد الغضب الدولي من القحطاني، عُزل الرجل من منصبه كمستشار لولي العهد في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2018، ثم حاولت النيابة العامة السعودية، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تخفيف وطأة الهجمة، فقررت منع القحطاني من السفر، ووضعته قيد التحقيق بتهمة الاجتماع بالفريق المكلف إعادة خاشقجي، إلا أنها في الوقت ذاته برَّأته بشكل صريح من عملية القتل.
ولا يزال القحطاني حراً ويمارس عمله، جدل أُثير كثيراً في الفترة الأخيرة، حول مصير الرجل المثير للجدل، إلا أن مصادر غربية وعربية وسعودية على صلة بالديوان الملكي، أكدت لوكالة "رويترز" في مطلع عام 2019، أن القحطاني الذي أُقيل من منصبه لا يزال يتمتع بنفوذ ضمن الدائرة المقربة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بل يتصرف نيابة عن الديوان الملكي.
وقالت المصادر إنه لا يزال على اتصال بولي العهد، ويواصل توجيه تعليمات لمجموعة صغيرة من الصحفيين السعوديين بشأن ما ينبغي أن يكتبوه عن سياسات المملكة.
وقال أحد المصادر الأجنبية: "لا يزال حاضراً، وحراً ومَرضيّاً عنه. ولي العهد لا يزال متمسكاً به، ولا يبدو مستعداً للتضحية به"، بل إن الأمير محمد نفسه أبلغ زواراً أن القحطاني لا يزال مستشاراً، إلا أنه أبلغهم في الوقت ذاته أن بعض الصلاحيات قد سُحبت منه.
لماذا يتمسك ولي العهد بالقحطاني إلى هذا الحد؟
في تقرير لها أشارت صحيفة Newyork Times الأمريكية إلى الدور الذي أداه القحطاني في صعود الأمير الشاب، فقد كانت البداية بالإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف، ثم احتجاز العشرات من الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض، واختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وفرض الحصار على قطر، والأزمة الدبلوماسية مع كندا.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن من أهم المهام التي أُوكلت إلى القحطاني إطلاق حملة شائعات تستهدف محمد بن نايف، تزعم أن إدمانه الكوكايين كان وراء خلعه.
كما أرغم القحطاني شبكة "إم بي سي" على وقف بث المسلسلات التركية، بسبب دعم تركيا لقطر، وهو ما كلَّف الشبكة خسائر كبيرة، ثم أقنع وليَّ العهد بأن ينفق أكثر من 100 ألف دولار على إعلانات تلفزيونية أمريكية ضد قطر. وعندما احتجز ولي العهد العشرات من رجال الأعمال وعدداً من أقربائه في فندق ريتز كارلتون بذريعة مكافحة الفساد، شارك القحطاني في التحقيق، لإجبارهم على التخلي عن جزء من ثرواتهم.
ونقلت الصحيفة عن أصدقاء بعض هؤلاء المعتقلين وأقاربهم، أنهم تعرفوا على صوت القحطاني في أثناء استجوابهم وهم معصوبو الأعين، أو لمحوه في أروقة الفندق. ويُعتقد أن سبب اهتمام ولي العهد السعودي بالقحطاني هو خبرته في فهم أسرار العائلة المالكة، فيبدو أنه استغل هذه الخبرة في التخطيط لصعوده وإلغاء منافسيه من الأمراء.
ما زال القحطاني رجل محمد بن سلمان على "تويتر"
كما أن خبرة القحطاني في القرصنة منذ عام 2009 مهَّدت له الطريق لاكتساب ثقة ولي العهد في إدارة برامج التجسس على المعارضين، فعندما كان القحطاني رئيساً للمركز الإعلامي الخاص بالديوان الملكي حتى إقالته، كان مسؤولاً عن وحدة إعلامية إلكترونية مكلفة حماية صورة المملكة، وتُملي النهج الرسمي بشأن قضايا مختلفة، من النزاع مع قطر وصولاً إلى الأمن وحقوق الإنسان.
ورغم توقُّف القحطاني عن استخدام "تويتر"، وهو منصة دأب على استخدامها لمهاجمة منتقدي المملكة، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فإن نشطاء سعوديين يعيشون بالخارج لا يزالون يرون نفوذه على الإعلام السعودي وفي الهجمات التي يقولون إنهم يتعرضون لها على "تويتر"، والتي تتهمهم بعدم الولاء لولي العهد أو بعدم الوطنية، لأنهم لا يؤيدون سياساته.
وتقول الباحثة والناشطة السعودية هالة الدوسري، المقيمة بالولايات المتحدة: "لم يتغير شيء. يتبنى النهج نفسه على ما يبدو، اللغة العدوانية نفسها. بصماته لا تزال ظاهرة عليه (الإعلام السعودي)".
أحد المصادر الأمريكية التي التقت حديثاً محمد بن سلمان، قال إن "القحطاني يعمل على كثير من الملفات. وفكرة أنَّك تستطيع قطع علاقتك به تماماً أمرٌ غير واقعيّ". ويتفق معه شخصٌ سعوديٌّ مقرَّبٌ من الديوان الملكي، فقال: "ثمة أشياء كان (القحطاني) يعمل عليها وربما يتعين عليه إتمامها، أو تسليمها (لمن يخلفه)".