القصة الكاملة لاحتجاجات إثيوبيا.. “الأورومو” يثورون ضد ابنهم آبي أحمد وهو يعتبرها عرقلة لسد النهضة

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/01 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/01 الساعة 14:22 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لآبي أحمد / عربي بوست

فجأة أصبحت إثيوبيا وما يحدث فيها محط اهتمام ومتابعة من المصريين لأسباب تتعلق بسد النهضة والنقطة الحرجة التي وصلت إليها الأمور بين الدولتين، فهل الاحتجاجات التي تلت مقتل مغنّ شهير وأدت لمقتل وإصابة العشرات لها علاقة بملف السد؟ الإجابة باختصار "نعم بالطبع"! القصة الكاملة في هذا التقرير.

مَن هو المغني القتيل، ولماذا قُتل، ومَن قتله؟

هاشالو هونديسا هو مغنّ إثيوبي شاب ينتمي لقومية الأورومو ويطلق عليه "فنان الثورة"، في إشارة إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي اندلعت في إثيوبيا ضد الائتلاف الحاكم واضطرت رئيس الوزراء السابق ديسالين للاستقالة وتم تعيين رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد رئيساً للائتلاف وبالتالي رئيساً للوزارة، وآبي أحمد ينتمي أيضاً لنفس القومية، ليصبح أول رئيس وزراء لإثيوبيا ينتمي للأورومو منذ الإطاحة بالديكتاتور هيلا ماريام قبل نحو ثلاثة عقود.

هونديسا إذن كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت بآبي أحمد لسدة الحكم في إثيوبيا قبل ثلاث سنوات، حيث تشكلت الخلفية السياسية للمغني الإثيوبي بوصفه منتمياً لقومية الأورومو ولعبت كلمات أغانيه دوراً رئيسياً في خروج المحتجين لإسقاط رئيس الوزراء السابق.

ومساء أمس الثلاثاء 30 يونيو/حزيران، وصف آبي أحمد مقتل هونديسا بأنه "عمل شرير"، مضيفاً: "إنها فعلة ارتكبها واستلهمها أعداء في الداخل والخارج لزعزعة سلامنا ومنعنا من تحقيق الأمور التي بدأناها"، وذلك في خطاب عبر التليفزيون الرسمي.

المغني تم قتله بالرصاص مساء أول أمس الإثنين، وقال مفوض شرطة مدينة أديس أبابا جيتو أرجاو لوسائل الإعلام الرسمية إن الشرطة اعتقلت بعض المشتبه بهم، لكنه لم يقدم مزيداً من التفاصيل، وقالت الشرطة إنه جرى التخطيط للقتل جيداً على ما يبدو.

هونديسا وجه انتقادات لاذعة لآبي أحمد قبل أيام من مقتله

وفي الأسبوع الماضي، كان هونديسا قد وجّه انتقادات عنيفة لآبي أحمد وحكومته وذلك في مقابلة مع شبكة إعلامية مملوكة لمحمد جوهر، وهو أيضا ناشط سياسي ينتمي لنفس القومية وهي الأورومو وكان أيضاً من قيادات الاحتجاجات التي أدت لوصول آبي أحمد لسدة الحكم (شأنه شأن فنان الثورة)، لكن جوهر أصبح في العام الماضي أبرز المعارضين لرئيس الوزراء ولمّح إلى أنه ربما يترشح ضده في الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها في مايو/أيار الماضي، لكن أجّلها آبي أحمد مبرراً قراره بجائحة كورونا.

ما قصة قومية الأورومو إذن؟

المغني القتيل هونديسا وجوهر محمد المعارض الأبرز لآبي أحمد – الذي تم اعتقاله مساء أمس الثلاثاء – ينتمون جميعاً لقومية واحدة وهي الأورومو، وكان جوهر هو من قاد الثورة التي جعلت آبي أحمد رئيساً للوزراء، فما السبب في هذا الانقلاب في العلاقة بين الثلاثة ليقتل أحدهم ويعتقل الثاني؟

– الإجابة عن هذا السؤال تستدعي استحضاراً للمكونات القومية والعرقية التي تتشكل منها إثيوبيا فنجدها كالتالي:

– قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان.

– قومية الأمهرية وتمثل 27% من السكان.

– القومية الصومالية وتمثل 6.2% من السكان.

– القومية التيجرية وتمثل 6.1% من السكان.

– قومية السيداما وتمثل 4% من السكان.

– قومية الجوراج وتمثل 2.5% من السكان.

وتعود جذور الموجة الحالية من الاحتجاجات في إثيوبيا إلى أواخر عام 2015، حيث اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام موجة احتجاجات في إقليم أوروميا (جنوب البلاد) سقط خلالها أكثر من 400 قتيل، بحسب هيومان رايتس ووتش، وذلك بسبب التهميش الذي تتعرض له العرقية الأكبر في البلاد من جانب الائتلاف الحكومي.

قتلى وجرحى في احتجاجات بأديس أبابا بسبب مقتل مغنٍ شهير – مواقع التواصل

تلك الموجة من الاحتجاجات كانت خلفيتها اجتماعية واقتصادية وثقافية؛ فإقليم أوروميا – شأنه شأن غالبية أقاليم إثيوبيا – لا يحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به العاصمة أديس أبابا من حيث فرص التنمية والاستثمارات من جانب الحكومة المركزية التي كان رئيس وزرائها ديسالين في ذلك الوقت.

وكان السبب المباشر لاندلاع الاحتجاجات هو الإعلان عن خطط توسعة الحدود الإدارية لأديس أبابا العاصمة لتقتطع أجزاء من إقليم أوروميا والأقاليم المجاورة، ووصلت المظاهرات ذروتها في أغسطس/آب 2016.

وسرعان ما انضمت القومية الأمهرية للاحتجاجات أيضاً، حيث إن تلك القومية، التي كانت تحظى بمكانة كبيرة وتمثل النخبة في إثيوبيا واللغة الأمهرية بمثابة اللغة الرسمية، أصبحت تعاني هي الأخرى من التهميش لصالح أقلية التيجري التي تسيطر على الائتلاف الحاكم.

وصول آبي أحمد لرئاسة الوزراء

الاحتجاجات المناهضة للائتلاف الحاكم (ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية) ظلت تشتعل ثم تهدأ تحت وطأة القمع من جانب الحكومة التي فرضت الطوارئ لمدة 10 أشهر في أواخر عام 2016، وفي النهاية أعلن رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين استقالته في فبراير/شباط 2018.

واختار الائتلاف آبي أحمد رئيساً له مما جعله رئيساً للوزراء بشكل تلقائي، وبذلك أصبح آبي أحمد أول رئيس وزراء ينتمي لقومية الأورومو، وحظي في بداية توليه المنصب بشعبية كبيرة وساد التفاؤل أنحاء البلاد، حيث عوّل كثير من الإثيوبيين على أن يقود رئيس الوزراء الجديد البلاد إلى مستقبل أفضل ويرسي قواعد حكم ديمقراطي، وأطلقوا عليه لقب "المنقذ"، فالرجل يتمتع بمؤهلات سياسية وعسكرية وأكاديمية تجعله قادراً على تحقيق توازن في بلد متعدد الأعراق والقوميات.

احتجاجات إثيوبيا ضد آبي أحمد / رويترز

آبي أحمد حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أديس أبابا ويحمل درجة الماجستير من الولايات المتحدة وبريطانيا، وعمل سابقاً وزيراً في الحكومة وكان له دور أساسي في تأسيس وكالة الاستخبارات في البلاد، ووقتها كتب الناشط محمد أديمو، من أوروميا على تويتر: "انتخاب الدكتور آبي مهم لأسباب عديدة، إنه الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الائتلاف الحاكم من الحل والتلاشي".

لماذا انقلب آبي أحمد على جوهر؟

حصل آبي أحمد العام الماضي على جائزة نوبل للسلام بسبب قدرته على إنهاء "الصراعات العرقية" في بلاده والتوصل لسلام مع إريتريا، إضافة لتبني نهضة اقتصادية جعلت إثيوبيا من أبرز الاقتصادات الناشئة في إفريقيا، محققاً معدلات تنمية أشادت بها المؤسسات الدولية.

جوهر محمد / رويترز

لكن حتى تتضح الصورة أكثر بشأن الانقلاب العنيف من جانب قيادات القومية الأورومية وأبرزهم بالطبع السياسي الشاب جوهر محمد (34 عاماً) على آبي أحمد بتلك الصورة، نعود إلى تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي بعنوان "الاحتجاجات ضد رئيس وزراء إثيوبيا الحاصل على نوبل تؤدي لسقوط قتلى".

تلك الموجة من الاحتجاجات سقط فيها أكثر 67 قتيلاً ومئات المصابين، بعد أن فتحت قوات الأمن النار على محتجين من الأورومو ينددون بسياسات آبي أحمد – في نسخة كربونية من الاحتجاجات ضد الائتلاف الحاكم أطاحت بديسالين وأتت بآبي أحمد – وكان جوهر محمد أبرز الداعين لها أيضاً.

جوهر اتهم آبي أحمد بالتصرف كـ"ديكتاتور"، ولمّح للمرة الأولى إلى أنه يفكر في ترشيح نفسه في الانتخابات لإنقاذ إثيوبيا من "العودة للماضي والحكم الاستبدادي"، مضيفاً: "إنه (آبي أحمد) يستخدم العلامات المبكرة للديكتاتورية ومنها محاولة ترويع الناس حتى أقرب حلفائه الذين ساعدوه على الوصول للسلطة لكنهم لا يتفقون مع بعض سياساته ومواقفه وأيديولوجياته التي يدعو لها. التخويف والترويع بداية للحكم السلطوي الاستبدادي".

وكان السبب المباشر لتلك الموجة من الاحتجاجات محاولة قوات الأمن التابعة للحكومة اعتقال جوهر، حين صرح على فيسبوك يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول بأن عنصر الحرس الشخصي الذي خصصته السلطات لحمايته قد تلقى الأوامر بالانسحاب، وهو ما أدى لخروج أنصاره إلى الشوارع للتنديد بممارسات آبي أحمد المتهم بالتحضير لاعتداء ضد خصمه، واندلعت المواجهات بين أنصار جوهر والشرطة في البداية بأديس أبابا قبل أن تنتشر في منطقة أوروميا، فأحرقت الإطارات المطاطية ونصبت الحواجز وقطعت الطرقات في عدة مدن، وخلفت المواجهات حصيلة ثقيلة بلغت بحسب الشرطة 67 قتيلاً. 

ما علاقة سد النهضة بتلك التوترات العرقية إذن؟

الإجابة هنا تتعلق بشكل مباشر بآبي أحمد، حيث إنه ومنذ تسلمه مهام منصبه يستخدم ملف سد النهضة كنقطة فخر قومي يتجمع حولها الإثيوبيون على اختلاف قومياتهم وأعراقهم، ويوجه الاتهامات المبطنة أحياناً والمباشرة أحياناً أخرى لمنتقديه ومعارضيه على أنهم "أعداء للوطن"، وفي ظل كون جوهر محمد التهديد الأبرز لرئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة المقرر لها الآن أغسطس/آب المقبل، يبدو أن سهام آبي أحمد موجهة نحو ابن قوميته الذي وضعه على كرسي الوزارة في المقام الأول.

سد النهضة

ففي اليوم التالي لمقتل 67 في الاحتجاجات في أوروميا، ندد آبي أحمد بما سماها "محاولة إثارة أزمة عرقية ودينية" مضيفاً أن "الأزمة التي نعيشها اليوم قد تتعمق إذا لم يتحد الإثيوبيون"، وذلك أمام البرلمان الإيوبي، وفي نفس الجلسات المخصصة لمناقشة الاحتجاجات والقتلى، لم يفوّت آبي أحمد الفرصة وقال إن بلاده مستعدة "لحشد الملايين دفاعاً عن السد" إذا ما دخلت مصر الحرب.

ذلك التصريح أثار دهشة المسؤولين المصريين وقتها، وتراجع عنه آبي أحمد عندما التقى الرئيس المصري في موسكو، قائلاً إن تصريحاته تم اجتزاؤها من سياقها، لكن الحقيقة هي أن آبي أحمد يوظف ملف سد النهضة سياسياً ليضمن توحّد الإثيوبيين خلفه والنجاح في الانتخابات المقبلة، التي يتهمه جوهر بمحاولة تأجيلها مرة أخرى خوفاً من الهزيمة.

وأمس الثلاثاء، قال آبي أحمد نصاً عن مقتل المغني هونديسا: "إنها فعلة ارتكبها واستلهمها أعداء في الداخل والخارج لزعزعة سلامنا ومنعنا من تحقيق الأمور التي بدأناها"، والعبارة لا تحتاج للتفسير؛ فالإشارة هنا لسد النهضة وأعداء الداخل على رأسهم جوهر – المعتقل الآن – وأعداء الخارج مصر وربما السودان.

أما جوهر فقد قال عبر صفحته على فيسبوك عن مقتل هونديسا: "إنهم لم يقتلوا هاشالو فحسب. لكنهم أطلقوا الرصاص على قلب أمة الأورومو مرة أخرى. يمكنكم قتلنا جميعاً.. لكنكم لن توقفونا، أبداً".

تحميل المزيد