لم تشارك مقاتلات "ميغ-29 فولكروم" وقاذفات "سوخوي سو-24" الـ14 التي أرسلتها روسيا إلى ليبيا في مايو/أيار الماضي، في القتال في الحرب الليبية حتى حدود اللحظة، لكن أثير بالفعل تساؤلات حول من تحديداً سيقود هذه الطائرات الحربية. ويمكن أن تسلط الإجابة الدقيقة الضوء على طبيعة نشر هذه الطائرات والغرض من ذلك.
وفي مايو/أيار، حلّقت هذه الطائرات من روسيا وهبطت في قاعدة حمدان الجوية شرقي إيران. وبعدها حلقت إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في غربي سوريا، حيث أظهرت صور واضحة على الشبكات الاجتماعية أنها لم تحمل أية علامات. ثم رافقتها مقاتلات القوات الجوية الروسية إلى قاعدة الجفرة في ليبيا التي يسيطر عليها قوات خليفة حفتر.
انتشار روسي سري؟
تقول مجلة Forbes الأمريكية، يُذكرنا نشر هذه الطائرات بالانتشار العسكري الروسي السري في سوريا قبل أن تبدأ موسكو في المشاركة العلنية في الحرب الأهلية في ذلك البلد إلى جانب بشار الأسد في أواخر سبتمبر/أيلول 2015.
ومع ذلك، في تلك الحالة، أوضحت روسيا سريعاً أنها تتدخل تدخلاً مباشراً ورسمياً، وتشارك في النزاع. لكن للوقت الحاضر، تبدو قضية ليبيا مختلفة تماماً.
فلو أرادت روسيا ردع حكومة الوفاق الوطني عن إحراز المزيد من التقدم ضد قوات حفتر التي تدعمها موسكو، لكانت تحلت بصراحة أكبر في ما يخص نشر مقاتلاتها هناك، مثلما فعلت في سوريا. إذ سترسل طائرات "ميغ-29″ و"سو-24" الروسية رسالة واضحة لا لبس فيها بأنَّ أي هجوم عليها سيترتب عليه غضب موسكو وانتقامها.
من يحلّق بهذه الطائرات؟
تنفي موسكو رسمياً نقل هذه الطائرات الحربية إلى ليبيا، حتى أنها ادعت ذات مرة ادعاءً غير مقنع أنَّ الطائرات الحربية التي ظهرت في قاعدة الجفرة في مايو/أيار هي طائرات مُسترجَعة من سلاح الجو الليبي القديم.
ورداً على هذه التصريحات، قال المتحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" العقيد كريس كارنس مصححاً إنَّ "ليبيا لم تمتلك قط طائرات ميغ-29 أو سو-24 ضمن أسطولها؛ لذا أي شخص يقول إنهم أصلحوا طائراتهم القديمة، لا يقدم حقائق".
ولا يزال من غير الواضح من على وجه التحديد يُحلِّقون بهذه الطائرات. فمن المستبعد أن يكون طياروها أعضاءً في قوات حفتر، خاصة بالنظر إلى الوقت الذي سيستغرقه تدريبهم تدريباً كاملاً. وإذا كانوا طيارين روساً، فمن غير المحتمل أن يطيروا بصفتهم الرسمية، خاصة إذا بقيت هذه الطائرات بدون شارات تميزها.
ويتكهن البعض بأنَّ طياري هذه الطائرات ينتمون لشركات الخدمات العسكرية الخاصة الروسية، أو ربما يكونوا طيارين سابقين في سلاح الجو الروسي واستأجرتهم شركة فاغنر.
لماذا يجب معرفة من يقود هذه الطائرات؟
من جانبه، قال برادفورد غيرنغ، مدير العمليات في أفريكوم: "هناك قلق من أنَّ هذه الطائرات الروسية يحلق بها مرتزقة عديمي الخبرة من الشركات العسكرية الخاصة الذين لن يلتزموا بالقانون الدولي؛ أي أنهم ليسوا ملزمين بالقوانين التقليدية للصراع المسلح".
ويعني هذا أيضاً أنه إذا أسقطت قوات حكومة الوفاق الوطني أياً من هذه الطائرات الحربية أو دمرتها في هجوم على الجفرة، فإنَّ روسيا قد لا تنتقم انتقاماً مباشراً، بل ستلتزم بالمسار الرسمي بأنه لا دخل لها بالأمر. وسيكون ذلك مشابهاً للطريقة التي عملت بها مجموعة شركات فاغنر في الماضي في أماكن مثل سوريا وأوكرانيا، وكذلك ليبيا نفسها.
ومثلما لفتت صحيفة The New York Times: "غالباً ما يوظف الكرملين فاغنر لتحقيق أهداف لا يرغب المسؤولون في توريط الحكومة فيها".
فعلى سبيل المثال، خلال حرب الاستنزاف المصرية (1967 و1970) ضد إسرائيل، ساعد طيارون سوفييت مصر سراً بطائرات "ميغ-21 ميكويان غوريفيتش" تحمل شارة مصر.
وفي عملية "ريمون 20" في 30 يوليو/تموز 1970، نصبت مقاتلات إسرائيلية كميناً مكّنها من إسقاط 4 طائرات "ميغ 21" سوفييتية، وقتل جميع الطيارين، من دون التعرض لخسائر. من جانبها، سعت موسكو، على الأرجح بسبب الإحراج وبالنظر إلى الطبيعة السرية لمشاركتها في ذلك الصراع، إلى إبقاء الحادث طي الكتمان.
يمكن أن يُثبِت نشر الطائرات الروسية في ليبيا اليوم أنه يشبه العملية السوفييتية السرية في مصر والأنشطة الغامضة الأخيرة لمجموعة فاغنر. ونتيجة لذلك، من غير المُتوَقع من موسكو أن تتحمل المسؤولية أو تحظى بالفضل عن أي طائرات حربية متمركزة في ليبيا في المستقبل القريب.