يبدو أن محاولات الروس الرامية إلى تقويض نظام GPS الأمريكي واستبداله بنظام جلوناس الروسي (GLONASS) ، قد بدأت بالفعل.
فقد اتهم حلف شمال الأطلسي (NATO) روسيا بتشويش إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) خلال مناورات الحلف العسكرية الأخيرة في النرويج قرب القطب الشمالي.
ويمكن أن يكون تطوير روسيا لنظام ملاحة بديل حاسماً لمستقبل القطب الشمالي، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
تقويض نظام GPS الأمريكي
ووفقاً للمتحدثة باسم الناتو، أوانا لونغيسكو، "فقد وجدت النرويج أن روسيا كانت مسؤولة عن تشويش إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) من شبه جزيرة كولا الروسية خلال مناورات ترايدنت جانكشر.
وأعربت فنلندا عن قلقها بشأن التشويش المحتمل في إقليم لابي".
وتقول الحكومة النرويجية إن التشويش جاء من شبه جزيرة كولا الواقعة في مقاطعة مورمانسك الروسية. يأتي ذلك في أعقاب اتهام مماثل من النرويج خلال مناورات "زاباد" العسكرية الروسية عام 2017.
تشكل هذه الاتهامات حلقة جديدة في المنافسة الطويلة الأمد بين الناتو وروسيا على القطب الشمالي.
نظام جلوناس الروسي، هل يكون البديل؟
وعلى مدى العقد الماضي، جرى إمداد عسكرة القطب الشمالي بالتغطية اللازمة لنظام GPS. لكن ما هو أقل شهرة، وليس أقل أهمية بالنسبة لمستقبل المنطقة، هو الجهد الروسي لتطوير ونشر نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الخاص بها كثقل موازن لنظام GPS المعروف باسم جلوناس.
GLONASS، أو "النظام العالمي للملاحة الساتلية"، ولد كمشروع سوفيتي في سبعينيات القرن الماضي لإنشاء نظام ملاحة فضائي قائم على الأقمار الصناعية في سياق سباق الحرب الباردة حول الفضاء المستمرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وقد قوبلت هذه الجهود ببعض النجاح التقني، وأُطلق أكثر من عشرين من أقمار GLONASS خلال العقد التالي.
وقد تنافس GLONASS مع نظيره الأمريكي GPS بحلول عام 1990، لكنه فشل في استكمال التنافس بسبب نقص التمويل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماماً نشطاً بتحديث GLONASS للوصول إلى التكافؤ مع التطورات التي نظيره نظام GPS.
وقد أدى ذلك إلى إدخال GLONASS-M الأطول أمداً، يليه GLONASS-K الذي حُسن بشكل أكبر. وفي عام 2015، تم الانتهاء من نظام GLONASS رسمياً وفقاً لمواصفات وزارة الدفاع الروسية.
صُمم نظام GLONASS ونظام GPS وفقاً لمبادئ تصميم متشابهة، وبالتالي يتمتعان بتكافؤ في الأداء في معظم حالات الاستخدام المعاصرة. وبينما يفتخر GLONASS بدقة أفضل قليلاً في الارتفاعات العالية، فإن ضعفها الحالي الرئيسي هو النقص النسبي في المحطات في مناطق معينة. فضلًا عن ذلك، فإن العيب الرئيسي في إنتاج أقمار GLONASS الصناعية هو الاعتماد المفرط على المكونات الأجنبية، وهو مصدر قلق أمني تأمل روسيا في معالجته في عام 2022 مع إصدار النسخة المنقحة GLONASS-K2.
مع توتر العلاقات بين موسكو وحلف شمال الأطلسي على مدى العقد الماضي، اكتسب GLONASS أهمية استراتيجية دفاعية هجومية جديدة لروسيا. فقد حظر الكرملين نظام GPS على الأراضي الروسية في عام 2014، مشيراً إلى "مخاوف تتعلق بالأمن القومي" نابعة من الخوف من أن أمريكا قد تخرب البنية التحتية الروسية المعتمدة على نظام GPS.
في الوقت نفسه، أنشأت روسيا بقوة شبكات GLONASS لتعزيز نفوذها في مناطق الصراع. ففي سوريا، يدعي الكرملين أنه اُستخدم بنجاح لتنسيق التفجيرات الدقيقة ضد القوات المناهضة للأسد مع تقليل الحاجة إلى تواجد الجنود الروس على الأرض.
كما يسهّل GLONASS على الجيش الروسي متابعة الإجراءات الإلكترونية المضادة (مثل التشويش) ضد الطائرات بدون طيار المعادية دون التأثير سلباً على حلفائهم في الحكومة السورية.
GLONASS وسيلة لنشر النفوذ
إن نظام GLONASS، أكثر من مجرد بديل تقني، فالبنسبة لموسكو هو بديل استراتيجي وثقل موازن ضد نظام GPS.
وفي هذا السياق، يتضح أن إنشاء محطات GLONASS هو جزء أساسي من مشروع روسيا لبناء النفوذ في القطب الشمالي.
بالنسبة لروسيا، يعد نشر تكنولوجيا الملاحة عبر الأقمار الصناعية الخاصة بها طريقة أخرى لتأمين ميزة تنافسية في منطقة القطب الشمالي التي تزداد عسكرتها بشكل متزايد.
وعلى النقيض من ذلك، ليس من المستبعد أن نستنتج أن روسيا قد ترغب في الإشارة إلى قدرتها على تقويض نظام GPS في ما تعتبره أنه في مجال مصالحها.