تتكرر الهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة سواء من اليمن أو من العراق كما ذهب البعض، مصادر أكدت لـ"عربي بوست" أن القصف الأخير الذي تعرضت له العاصمة الرياض جاء من الأراضي العراقية، رغم من إعلان جماعة أنصار الله "الحوثيين" مسؤوليتها.
وأعلنت الجماعة في بيان بُث على التلفزيون، أنّهم استخدموا في الهجوم صواريخ باليستية ومجنحة (كروز) من نوع "القدس، ذو الفقار"، بالإضافة إلى طائرات مسيّرة من نوع "صماد 3″، وتوعّد المتحدث بتنفيذ عمليات أشد ضد أهداف سعودية حتى يتم رفع الحصار عن اليمن، حسب قوله.
كما أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، العميد يحيى سريع، مسؤولية الجماعة عن العملية، مؤكداً أنّهم استهدفوا وزارة الدفاع السعودية ومقر الاستخبارات العسكرية وقاعدة الملك سلمان الجوية بالرياض، وكذلك مواقع عسكرية في جازان ونجران جنوب المملكة، ضمن عملية "توازن الردع الرابعة".
وفي الوقت الذي يشدد فيه الحوثيون على أنّ الهجمات الصاروخية على الرياض انطلقت من صنعاء وصعدة ونجران وجازان، فإن مصدراً مسؤولاً في "حزب الله" العراقي- رفض الكشف عن اسمه- قال لـ"عربي بوست"، إن الهجمات الأخيرة بالصواريخ انطلقت من الأراضي العراقية، وتحديداً من مدينة السماوة التي تقع جنوب العراق وتبعد عن العاصمة السعودية 1050 كم، والتي تعدّ الأقرب إلى العاصمة السعودية من المدن اليمنية، حيث تبلغ المسافة بين الرياض وصنعاء 1320 كم و1150 كم عن صعدة، معقل الحوثيين.
الهجمات من العراق
وما يعزز هذه الرؤية هو تأكيدات سابقة من قِبل المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، في الهجوم الذي استهدف معملين تابعين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرق البلاد، والذي يعد "أكبر عملية في العمق السعودي للطيران المسيّر"، وقد تمّ عبر تنسيق مباشر بين الحوثيين "أنصار الله" وقوة "حزب الله" العراقي، في أول استهداف حقيقي للأمن القومي السعودي من الأراضي العراقية.
حيث كشفت المصادر المقربة من "قوة حزب الله العراقي" والتي رفضت الكشف عن اسمها، أن طائرات مسيَّرة من طراز "رقيب"، التي يصنعها "حزب الله" العراقي، انطلقت من صحراء السماوة التي تقع إلى الغرب من مدينة البصرة في الجنوب العراقي.
وباتت مناطق الجنوب العراقي معقلاً للميليشيات والجماعات المسلحة الإيرانية، بعد أن تحولت المحافظة إلى مقاطعة تديرها هذه الميليشيات التي تتلقى توجيهاتها من إيران مباشرة.
وأضافت المصادر أيضاً، أن الطائرات المسيرة حملت رؤوساً متفجرة استهدفت بها مواقع عسكرية سعودية بارزة وحساسة، منها وزارة الدفاع السعودية ومقر الاستخبارات العسكرية وقاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض.
تلك الرواية كانت قد عززتها أيضاً مصادر أمريكية مطلعة، أكدت أن الهجوم الذي استهدف معملين كبيرين تابعين لشركة "أرامكو" في السعودية وتبنَّته جماعة الحوثيين اليمنية، نُفذ انطلاقاً من العراق، مشيرة إلى أن القصف نفذته طائرات مسيرة لم تقلع من اليمن، بل من العراق.
وهذا ما كان قد أشار إليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، معلِّقاً على هجمات أرامكو قبل عدة أشهر، وبدوره أبلغ رئيسَ الوزراء آنذاك، عادل عبدالمهدي، أن معلومات استخباراتية أمريكية تؤكد أن الهجمات على منشآت نفط سعودية لم تنطلق من العراق.
أبو مهدي المهندس
وفي سياق متصل يذهب المحلل السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقرّب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في حديث خاص لـ"عربي بوست"، إلى تأكيد فرضية أن الهجمات الأخيرة على السعودية قد انطلقت من العراق وليس اليمن.
وأشار قنبر إلى أنه كان من أوائل المعلنين عن أن الهجمات على أرامكو كانت من العراق، بموجب معلومات من استخبارات القوة الجوية الأمريكية بطلب من أبو مهدي المهندس، الذي استغل إغلاق المجال الجوي المؤقت لتأمين سفريات المسؤولين، ثم أمر بإطلاق الهجوم على أرامكو من العراق.
ويلفت إلى أن الميليشيات العراقية التابعة لطهران تملك تقنيات تستوردها من إيران، منوهاً إلى أن إيران ترسل صواريخ طويلة المدى ومتوسطة المدى إلى العراق، وأن الغاية من دعمها بـ"متوسطة المدى" هو الهجوم على السعودية ودول الخيلج، أما "طويلة المدى" فالغرض منها مهاجمة إسرائيل، وتم إثبات وتأكيد ذلك من أكثر من مصدر استخباراتي، على حد قوله.
ويؤكد قنبر أنه أرسل تحذيرات متكررة إلى الجانب السعودي، حيث يشكل العراق خطورة كبيرة على أمن السعودية أكثر من اليمن والحوثيين، لأن العراق أصبح المركز الرئيسي لانطلاق التسليح الإيراني ضد الدول الأخرى.
ويشير إلى أن إيران ترى السعودية الهدف الأول والرئيسي جنباً إلى جنب مع إسرائيل، والسبب هو أنها تريد أن تنشر فكر الثورة وتصدير فكرة نظام "ولاية الفقيه" إلى السعودية والحجاز ومكة والمكرمة.
ويضيف أن إيران حريصة على تفكيك السعودية، ومن أولويات مشروعها الأيديولوجي عزل وتفكيك المنطقة الشرقية بالسعودية وجعلها دولة "شيعية" والهيمنة عليها كما حصل في العراق ولبنان واليمن.
ويرى قنبر أن الهجمات الإيرانية ضد السعودية لن تتوقف، مشيراً إلى أن وعود الحكومة العراقية بوقف هذه الهجمات من أراضيها لن تكفي، وأن رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، رغم نواياه الحسنة لن يستطيع السيطرة على هذه العمليات المنطلقة من العراق، لأنه لم يهاجم هذه الميليشيات ولم يعمل على تفكيكها.
ويشدد على أن العراق جزء من جسر بري تنقل إيران من خلاله الأسلحة إلى العراق وسوريا ولبنان عبر العراق بواسطة ميليشياتها، وتنقل إيران أعلى تقنياتها التكنولوجية التي تأتيها من كوريا الشمالية والصين وروسيا لضرب السعودية.
ويشير قنبر إلى أن النظام الإيراني يلجأ إلى الأراضي العراقية لضرب واستهداف السعودية؛ ليُبعد نفسه عن حرب مباشرة، والعمل على نقل المعركة من طهران إلى بغداد، وجعل الشعب العراقي والميليشيات التابعة له حطباً لنارهم بالمنطقة على حساب حماية أنفسهم في إيران.
نفي إيراني
من جهة أخرى تنفي الرواية الإيرانية هذه الفرضية، فالمحلل السياسي الإيراني قيس قريشي قال في حديث خاص لـ"عربي بوست"، إن فرضية أن تكون الهجمات الأخيرة على مواقع سعودية عسكرية حساسة قد نُفذت وانطلقت من الأراضي العراقية، أمر غير وارد.
وأشار إلى أن الترسانة والقدرات "الحوثية" ضخمة وكبيرة وقادرة على الوصول إلى أهداف حساسة سعودية وبدقة كبيرة.
ويشير قريشي إلى أن ترسانة وتقنيات جماعة "أنصار الله" هي نفسها امتداد لقدرات الجيش اليمني أيام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، معتبراً أن النظام اليمني السابق قد ترك وراءه أكثر من 3000 صاروخ روسي، والتي وقعت بدورها في يد "الحوثيين".
ويضيف أن جماعة الحوثي قامت باستغلالها وتطويرها من الناحية التكنولوجية والتقنية، وعمدت إلى تطويرها وتحسينها؛ لتكون قادرة على الوصول إلى أهدافها بشكل أكثر دقة عما كانت عليه في السابق.
ويؤكد قريشي أن الجانب الإيراني قام بمساعدة "الحوثيين" على تطوير الجوانب التقنية والفنية والتكنولوجية في الأسلحة القديمة التي استولوا عليها من الجيش اليمني، وعمدوا إلى تطويرها وتحسينها وصيانتها؛ لتكون فاعليتها وقدراتها أكبر وأفضل بكثير، خاصة قبل التدخل السعودي العسكري في اليمن أو العمليات العسكرية ضد الحوثيين التي انطلقت في مارس/آذار 2015.