رأى خبراء أن الاحتجاجات التي تصاعدت في شوارع أوروبا ضد العنصرية بعد مقتل الأمريكي جورج فلويد، لا تعني حدوث تغير سريع في الأفكار، كما أنها لن تفضي إلى تغيير في مواقف القادة الأوروبيين الذين يبنون سياساتهم استناداً إلى خطابات يمينية متطرفة.
ووفق الخبراء، فإنه رغم تصاعد وتيرة التظاهرات الاحتجاجية ضد العنصرية في عدد من البلدان الأوروبية، إلا أن قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا لن يغيروا خطاباتهم اليمينية المتطرفة.
وأدى مقتل الأمريكي الأسود فلويد (46 عاماً) في 25 مايو/أيار الماضي، على يد ضابط شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس شمالي الولايات المتحدة إلى موجة من التظاهرات المناهضة للعنصرية في أنحاء العالم.
مصطفى نائل القان، أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة "حاجي بيرم ولي" في أنقرة، قال إنه رغم انتشار فيروس كورونا، خرج آلاف الأوروبيين إلى الشوارع بعد مقتل فلويد، احتجاجاً على تصاعد العنصرية في بلدانهم.
ورغم ذلك، فإن "القادة الأوروبيين اتهموا الولايات المتحدة بالمسؤولية عن الاحتجاجات التي شهدتها بلدانهم"، معتبرين وفق حديث "القان" للأناضول، أن العنصرية "تتركز بالولايات المتحدة بشكل خاص وتمارس من قبل البيض ضد السود".
العنصرية ضد الكل
وأكمل: "ومع ذلك، فإننا نعلم ونرى أن هناك خطاباً عنصرياً جاداً في أوروبا، يستهدف المسلمين والأجانب والسود واليهود.. أعتقد أن أوروبا تخطئ قليلاً، إنهم يحاولون إعطاء صورة كما لو كانوا يقفون بجانب السود في الولايات المتحدة، رغم أن بلدانهم تعاني من مشاكل عنصرية مختلفة أبرزها كراهية الأجانب والإسلاموفوبيا".
وأردف أستاذ العلاقات الدولية: "في السويد مثلاً، ترى بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة أنه لكي تكون سويدياً، يجب أن تكون أبيض، ولا يمكن أن يكون شخص من أصول صومالية (على سبيل المثال) سويدياً أبداً".
ووفق المتحدث: "رغم أنه يُنظر إلى هذا الخطاب على أنه عنصري في دول مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، إلا أن هناك خطاباً سياسياً عنصرياً للغاية في الدول الإسكندنافية، وفي الدنمارك أيضاً، هناك حزب يميني متطرف يروج للاشتراكية الوطنية، هذا الحزب يبني سياساته على كراهية الأجانب ويعتبرهم تهديداً على العرق الأبيض".
وأشار "القان" أن انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2019، شهدت تقدماً للأحزاب اليمينية المتطرفة والعنصرية، حيث فازت تلك الأحزاب بأغلبية الأصوات في 20 من أصل 28 دولة عضواً.
ورأى أستاذ العلاقات الدولية، أن "الاحتجاجات ضد العنصرية في الولايات المتحدة وأوروبا لم تؤثر في تغيير مواقف السياسيين الذين مارسوا سياسات يمينية متطرفة، فيما تشهد القارة العجوز استمراراً في معاداة الإسلام وانتشاراً للعنصرية وكراهية الأجانب منذ فترة طويلة".
وتواجه أوروبا مشاكل كبيرة، بحسب "القان" لعل أبرزها، "تنامي الدعم الشعبي للأحزاب اليمينة المتطرفة، ففي بعض البلدان، يصل هذا المعدل إلى 20%، ويبدو من المرجح أن الخطابات العنصرية وكراهية الأجانب واليمين المتطرف ستزداد في الفترة المقبلة".
نوع جديد من العنصرية
من جانبه، قال عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة "باشكنت" التركية، سزكين مرجان، إن "الجميع يتمتع بحقوق متساوية (قانوناً) منذ إعلان الاستقلال الأمريكي عام 1776، ولكن الأشخاص الذين تم قبولهم في الولايات المتحدة على مر السنين لم يتمكنوا من الحصول على المساواة فعلياً على أرض الواقع".
وفي حديثه للأناضول، ذكر أنه "بعد الأحداث التي أعقبت مقتل فلويد في الولايات المتحدة، وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حجم التعليقات العنصرية في بلادها بالمذهل للغاية".
وأكد المتحدث أنه "لا تزال العنصرية، التي تمتلك جذوراً ترجع لعقود أو قرون في البلدان الأوروبية، موجودة في العالم الحديث، ما يظهر حجم هذه المشكلة، على الرغم من محاولة منع ذلك عبر اللوائح القانونية، إلا أنه من الصعب جداً تغيير هذا النمط من التفكير في العقول، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن العنصرية لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية.
ووفق مرجان، فإن "أوروبا، ورغم أنها تشهد تراجعاً في حجم العنصرية الكلاسيكية، التي تعتمد على تمييز البشر وفق الخصائص الجسدية، إلا أنها تشهد اليوم نوعاً جديداً من العنصرية المبنية على الاختلافات الدينية والثقافية والتفضيلات الفردية بين البشر".
ورأى أن "الخطابات السياسية أو البرامج الحزبية التي تتبنى هذا النوع من الاختلافات، تساهم في إنتاج هذا النوع الجديد من العنصرية، لاسيما وأن السياسة الأوروبية اليوم ترزح تحت وطأة تأثير الشعبوية".
تلك الشعبوية، بحسب مرجان، "تعمل على تخويف المجتمع من خلال التركيز على الخسائر المختلفة مثل الخسائر المادية والوظائف والحالة الثقافية واللغوية، والآن الصحة بسبب انتشار وباء كورونا، وربط هذه الخسائر بالأجانب".
وتابع: "وتبرز فنلندا والسويد وألمانيا والدنمارك وتشيكيا وهولندا والنمسا وفرنسا وسلوفاكيا وسويسرا وبلغاريا والمجر وإيطاليا واليونان كدول فازت فيها أحزاب اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات بنسب تتراوح بين 3 و 30% في عام 2010".
وذكر مرجان أن التظاهرات المناهضة للعنصرية التي بدأت في الولايات المتحدة وانتشرت إلى أوروبا لن تكون كافية لتغيير خطاب السياسيين اليمينيين الذين بنوا نهجهم السياسي على السياسات اليمينية المتطرفة والشعبوية.
وأشار مرجان إلى أن المشاكل التي أوجدتها العولمة، وظروف الأزمة الاقتصادية، والجوانب المدمرة للتكامل الأوروبي تساهم في تزايد قوة أقصى اليمين داخل البلدان الأوروبية.
قضية الهجرة تخيف الدول الأوروبية
بدوره، قال نائب رئيس جمعية أبحاث الاتحاد الأوروبي، جان بايدرول، إن العنصرية ليست موجودة في الولايات المتحدة وحسب، بل إن أوروبا كانت تستغل إفريقيا عبر التاريخ.
وأشار بايدرول أنه في السنوات الأخيرة، وخاصة مع تدهور الاقتصاد، ظهرت في البلدان الأوروبية خطابات عنصرية وشعبوية، بهدف تنظيم تيار اليمين المتطرف والضغط على الحكومات لاتباع سياسات محابية لليمين.
وفي حديثه للأناضول أوضح أنه "من الطبيعي أن تتسبب الأزمات والانكماشات التي تشهدها اقتصادات ما بعد كورونا، في موجة هجرة جديدة حول العالم، وهذا ما تخشى منه الحكومات في بلدان الاتحاد الأوروبي".
وأضاف بايدرول أن الخطاب اليميني المتطرف في أوروبا لن يتغير بسهولة، وأن الاحتجاجات التي بدأت في الولايات المتحدة جراء عنف الشرطة سرعان ما امتدت إلى بلدان القارة الأوروبية.
وقال: "لا أعتقد أن هذه الاحتجاجات ستقتصر على الولايات المتحدة وأوروبا، بل ستنتشر في آسيا أيضاً. نأمل في الواقع أن تتحول هذه التظاهرات الاحتجاجية إلى وسيلة ضغط على الأحزاب اليمينية، من شأنها دفعهم نحو تطوير سياسات وخطابات أقل تطرفاً وتتماشى مع مطالب المتظاهرين".