ها هو العالم يعيد فتح أبوابه على مصاريعها مرة أخرى، وبينما اكتمل المليون الثامن من المصابين بفيروس كورونا، التحذيرات الآن ليست من موجة ثانية من التفشي الوبائي بقدر ما تتعلق بالتحذير من موجة ثانية من الإغلاق الاقتصادي على الأرجح سيكون تأثيرها أكثر قسوة، فما القصة؟
كيف نقرأ المليون الثامن؟
صباح اليوم الإثنين 15 يونيو/حزيران تخطت أعداد المصابين بوباء كورونا حول العالم 8 ملايين، كما فقد أكثر من 485 ألف شخص حياتهم، وهذان الرقمان يحملان في تفاصيلهما كثيراً من الدلالات منها الإيجابي ومنها السلبي، بحسب موقع وورلدميترز.
فبينما استغرق الفيروس أربعة أشهر تقريباً وربما أكثر، حسب توقيت ظهوره في الصين، كي يصيب مليون شخص حول العالم، استغرق الوصول للمليون الثاني أقل من أسبوعين وظلت المدة تتقلص حتى المليون الثامن الذي لم يستغرق سوى أسبوع واحد تقريباً، وهو ما يعني أن الفيروس أصبح ينتشر بسرعة كبيرة وأنه لا توجد مؤشرات على ضعفه أو تراجعه كما يشاع.
لكن الصورة ليست قاتمة وهناك مؤشرات إيجابية يمكن البناء عليها، فعدد المتعافين من الوباء يتجاوز 4 ملايين و570 ألفاً في مقابل 3 ملايين و440 ألفاً من المصابين حول العالم 98% يعانون من أعراض خفيفة ومتوسطة و2% فقط يعانون من أعراض حادة، كما أن حالات الوفاة اليومية حول العالم تراجعت بشكل ملحوظ رغم ارتفاع أعداد حالات الإصابة المسجلة رسمياً، وهذه كلها مؤشرات على أن العالم أصبح أكثر فهماً للفيروس وبالتالي أكثر قدرة على التعايش معه والتخفيف من حدة خطورته، بحسب العلماء.
لماذا الخوف من موجة إغلاق ثانية؟
نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً بعنوان "لماذا قد يكون الإغلاق الثاني بسبب فيروس كورونا أسوأ من الأول وكيف يمكن تفادي ذلك"، ألقى الضوء على السيناريو الذي لا يريده أحد ولكنه قد يصبح "حقيقة مؤلمة".
والسبب وراء هذا التخوف هو أن بعض الولايات الأمريكية قد شهدت أعداداً قياسية من حالات الإصابة المسجلة يومياً بكوفيد-19 – المرض الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا – بعد أسابيع من بدء تلك الولايات الرفع التدريجي للإغلاق الاقتصادي والاجتماعي، وقال الدكتور كريستوفر موراي مدير معهد القياسات الطبية والتقييم في جامعة واشنطن للشبكة إنه "بسبب الإجهاد الذي سببه الحجر الصحي والتداعيات الاقتصادية للإغلاق، فإن موجة ثانية من الإغلاق قد يكون لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد أكبر من الموجة الأولى".
وفي هذا السياق نجد أن التداعيات السلبية على الاقتصاد الأمريكي نتيجة للإغلاق بسبب الوباء كانت كارثية، فقد تقدم أكثر من 44 مليون أمريكي بطلب إعانة البطالة منذ منتصف مارس/آذار الماضي، لكن الحقيقة المؤكدة هي أن الوباء أبعد ما يكون عن نهايته، رغم إصابة أكثر من مليوني أمريكي به ووفاة أكثر من 117 ألفاً، ولا يزال يصاب به الآلاف يومياً ويفقد المئات حياتهم.
"لا توجد عطلة صيفية"
وقد علق الدكتور ويليام شافنر خبير الأمراض المعدية والأستاذ في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت بالقول إن "كوفيد لن يأخذ عطلة صيفية"، مضيفاً أنه "توجد أمام الفيروس فرص أكبر لنشر العدوى (مع رفع الإغلاق وعودة الحياة لطبيعتها)"، ويرى موراي أن "الاختيار الأكبر والأصعب" أمام الولايات في الأشهر القادمة هو مدى قدرتها على موجة ثانية محتملة من الإغلاق.
وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفين منوتشين أن تبعات إغلاق آخر ستكون ضخمة، مضيفاً لقناة CNBC "لا يمكننا أن نغلق الاقتصاد مرة أخرى. أعتقد أننا تعلمنا أنه لو أغلقنا الاقتصاد فإننا نتسبب في ضرر أكبر، وليس فقط بضرر اقتصادي، لكن أيضاً مشاكل طبية وكل شيء آخر سيتم إيقافه".
لكن قرار الإغلاق أو الفتح ليس بيد إدارة الرئيس دونالد ترامب، فهو متروك لحكام الولايات على حسب الوضع الوبائي في كل ولاية على حدة، وبالتالي فإنه لو تعرضت إحدى الولايات لتفش أكبر من مستوى استيعاب المستشفيات بها، لن يكون هناك حل سوى الإغلاق الثاني.
الإغلاق الثاني حدث بالفعل
سيناريو الإغلاق الثاني ليس افتراضياً في الواقع، فقد حدث بالفعل في بعض الدول ولكن على مستوى محدود، ففي هونغ كونغ وسنغافورة بدا أن هناك سيطرة على الوباء واتخذت الحكومة قراراً برفع الإغلاق، لكن أدى ذلك لارتفاع جديد في عدد الحالات فتمت إعادة الإغلاق وبإجراءات أكثر صرامة من الإغلاق الأول.
والأمر نفسه حدث في جزيرة هوكايدو اليابانية، حيث تم رفع الإغلاق مما أدى لتسارع وتيرة تفشي الوباء، مما أدى لإعادة الإغلاق بشكل كامل للسيطرة على الوباء.
كيف يمكن تجنب إغلاق ثان؟
الواقع أن هناك إجماعاً على أن المسؤولية تقع بصورة أكبر في هذه المرحلة على المواطنين أكثر منها على الحكومات، بمعنى أن مدى التزام المواطنين في كل دولة بالإرشادات الصحية المفروضة سيكون العامل الحاسم في مدى انتشار العدوى الوبائية.
وقد عبر مستشار البيت الأبيض للاقتصاد لاري كودلو عن ذلك بشكل مباشر عندما قال إنه "لابد أن يلتزم الناس بإرشادات السلامة" مضيفاً أن "التباعد الاجتماعي والكمامة في الأماكن المغلقة والأساسية مثل المتاجر وغيرها أمر أساسي".
وهناك إجماع الآن في الأوساط الطبية حول العالم على أن ارتداء الكمامة يمثل عنصراً جوهرياً في السيطرة على تفشي الوباء، لأن الملايين حول العالم حاملون للعدوى دون أن تظهر عليهم أية أعراض.