لم يتطلب الأمر كثيراً من المبررات لكي يفرض الرجل الأبيض الصورة المُرضية لذاته تجاه السود، خاصة الذكور السود، ولم تكن العلاقة بينهم متكافئة ولا متناحرة، فأثناء تأسيس قواعد العبودية، كان الذكر الأسود بمثابة ملاك سهل الانقياد، مستسلم لجهله وسعيد بكل ما يقدمه له سيده الأبيض.
وباعتبار الرجل الأبيض صاحب اليد العليا، فقد عمم مفاهيم الحماقة والفوضوية وألصقها بالثقافة السوداء، حتى أصبحت مرادفاً للرجل الأسود المخلص، المطيع، الغبي، الذي يحتاج إلى من يقوده ليتحكم في قدراته الجسدية، مع ملاحظة أن الرجل الأسود كان راضياً وسعيداً بمكانته في المجتمع، حتى خلقت فكرة أن العبودية كانت أفضل حياة للسود.
في كتاب "أرواح جماعات السود"، وهو عمل أدبي لـ W. E. B. Du Bois، وبمثابة حجر الزاوية للأدب الأفروأمريكي، رصد المؤلف الأمريكي من أصل إفريقي دو بوا، كيف نظر الرجل الأبيض إلى الحرية كوسيلة لإفساد وتدمير حياة السود، قام أنصار العبودية بإنشاء صورة للسود تبرر العبودية، وتؤكد أنها أكثر العلاقات إنسانية بين الطرفين.
إعادة البناء
ورغم شعور الضمائر البيضاء الهادئة بالارتياح تجاه مفاهيم العبودية، فإن هذه الصورة لم تستمر طويلاً بعد الحرب الأهلية الأمريكية، وتزامناً مع فترة إعادة البناء (1865-1877)، بدأ السود المحررين حديثاً في الحصول على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا سيما مع تمرير الكونغرس تعديلات المواد 13,14,15 من الدستور الأمريكي، التي نصت على إلغاء العبودية بجميع صورها داخل الولايات المتحدة أو في أي مكان يخضع لولايتها القضائية (تم التصديق في ديسمبر/كانون الأول 1865)، وأن جميع الأشخاص الذين وُلدوا على الأراضي الأمريكية أو حصلوا على الجنسية بالولايات المتحدة، لهم نفس الحقوق، ولا يجوز حرمانهم من الحق في الحياة أو الحرية أو الملكية، على أن يتمتعوا بالمساواة أمام القانون (تم التصديق في ديسمبر 1868)، كما لا يجوز للولايات المتحدة ولا أي دولة أن تنتقص من حق الأمريكيين في التصويت بسبب العرق أو اللون أو حالة العبودية السابقة.
زلزلت تلك المواد الأرض من تحت أقدام الرجل الأبيض الداعم للعبودية، لا سيما حينما لوحظ النمو الصاعد للسود في مجالات الاقتصاد والتعليم والسياسة، فقد نجح السود في بناء "مدينتهم الفاضلة" ومجتمعاتهم الخاصة والتي يشار إليها بـ "Black Wall Street وهي إحدى أكثر المجتمعات الأمريكية الإفريقية ازدهاراً في مقاطعة غرينوود بولاية أوكلاهوما، إلى جانب بناء المدارس والجامعات وانتخاب أول اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين السود في حيرام ريفيلز وبلانش بروس.
الخطر الأسود
تحدى هذا النمو في القوة للسود التفوق لدى الرجل الأبيض، وخلق حالة من الخوف من سيطرة السود، فقد كان البيض الأثرياء يخشون من السلطة السياسية التي اكتسبها السود من خلال التصويت، بينما أصيب البيض الفقراء بحالة من الذعر من منافسة السود لهم في سوق العمل، وتزامناً مع قوانين "جيم كرو" للفصل العنصري، التي عززها حكم المحكمة العليا التاريخي "منفصل لكن متساوٍ" (1896) والذي منح شرعية دستورية لقوانين الفصل العنصري، في القضية المعروفة باسم بليسي ضد فيرغسون، التي بدأت أحداثها في عام 1892، حين رفض راكب القطار الأمريكي الإفريقي هومر بليسي الجلوس في سيارة السود، وأصر على مقعده في سيارة البيض.
ومن ثم بات تطبيق قوانين الفصل العنصري أساسية في ولايات الجنوب، وانعكس ذلك على التمييز التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، باعتبار أن ذلك هو الأفضل للجميع، وشمل الفصل الأماكن العامة والمواصلات والمدارس، هنا تحول السود من خدم مطيعين إلى وحوش قاسية.
"الزنجي السيئ أفظع مخلوق"
بدأ الإعلام الأمريكي في تصوير السود بأنهم وحوش أسطورية محبة للعنف والسلوكيات العدوانية ضد البيض، حتى وصف السود بأنهم أكثر وحشية من الحيوانات وهم يستحقون الموت بلا شك.
في عام 1893، كتب تشارلز هـ سميث واصفاً السود "إن الزنجي السيئ أفظع مخلوق على وجه الأرض"، لكن هناك مرحلة أخرى من الصراع باتت المرأة البيضاء طرفاً بها، حين أصبح الاتهام الأكثر شيوعاً هو اغتصاب امرأة بيضاء من قبل رجل أسود، كانت هذه التهمة كافية لقتل المئات وتشريد الآلاف من السود، حتى ولو من دون دليل.
في عام ١٩٢١، شهدت مقاطعة غرينوود بأوكلاهوما واحدة من أبرز الحوادث ضد السود، إذ ذكرت صحيفة تولسا تريبيون أن الأسود ديك رولاند، حاول اغتصاب امرأة بيضاء "سارة بيغ"، ثار البيض دفاعاً عنها، دون انتظار انتهاء إجراءات التحقيق، حتى أنهم أشعلوا النيران في ٣٥ مبنى "بالمقاطعة المثالية للسود"، وأسفرت تلك الأعمال الغوغائية عن مقتل ٣٠٠ شخص وإصابة ٨٠٠ وتشريد ٩٠٠٠ مواطن أسود، لم يعرف حينها الدافع الحقيقي للبيض وراء تخريب مجتمع أسود أنيق، تفوق فيه الأطفال السود بالمدارس، إذ عاشوا في أحياء نموذجية منظمة لأسر من الأثرياء المتعلمين الناجحين في تجارتهم وأعمالهم.
لم تذكر الصحف المحلية أن الغيرة من نجاح السود كانت محرضاً دفيناً، أشعله تأجيج الكتاب حينها للثورة ضد السود، إذ أعاد الرجل الأبيض اقتباس أفكار قديمة لعدد من الكتاب والروائيين، الذين زعموا أن فترة إعادة الإعمار (1867-1877) أضرت بمصالح السود، إذ حرمتهم من "العبودية التي تكبح ميولهم الحيوانية الإجرامية". حتى أن الروائي توماس نيلسون بيغ كان يتأسف على زمن "الظلام الداكن القديم" بالمقارنة بزمن السود المولودون بعد العبودية، الذين وصفهم بالكسالى الضعفاء غير المهذبين والمخادعين وعديمي الأخلاق.
الخداع الأبيض
لم تكن قضية سام هوس Sam Hose، سوى نموذج لتعامل البيض مع السود باعتبارهم وحوشاً تستحق القتل والتمثيل بجثثهم إذا لم يطيعوا الأوامر، فقد تعرض سام إلى تهديد بالسلاح من قبل صاحب العمل، فقام سام بقتله في محاولة للدفاع عن النفس، لكن الصحف المحلية وصفت سام بأنه "وحش في صورة بشرية" قتل رب العمل بدم بارد واغتصب زوجته بوحشية.
كانت تلك هي مبررات الصحافة لإعدام الوحش سام من خلال قطع أذنيه وأصابعه وأعضائه التناسلية وجلد وجهه، وإشعال النار في جسده وانتزاع قلبه وكبده وتهشيم عظامه وتوزيع أجزاء جسده المقطعة إلى أجزاء صغيرة في صورة هدايا تذكارية.
إرث الخوف
"كان ضخماً"، هيئة مايكل براون كانت كافية لاتهامه بالشغب، رغم أنه لم يحاكم ولم يتهم في أي قضية سابقة، لكن اتهامه بسرقة علبة سيجار من أحد المتاجر في عام 2014 -أثناء فترة رئاسة باراك أوباما- كانت كافية لإطلاق الضابط الأبيض دارن ويلسون ٦ رصاصات على الشاب ذي الـ١٨ عاماً، اخترقت اثنتان منها رأسه، وقد ثبت بالتحقيقات أنه تم قتله بعد إطلاق النار عليه عن بُعد، على الرغم من شهادة الشهود بأنه رفع يديه معلناً استسلامه.
الحادث الذي وقع في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، تسبب في نشوب احتجاجات واسعة في عدة مدن أمريكية كبرى امتدت لعدة شهور، لكن المثير أن الضابط ويلسون لم توجه له أية اتهامات فيدرالية، كما رفض المحلفون في المحكمة إدانة ويلسون بالقتل.