هل نحن أمام حالة تصاعد لجائحة كورونا، أم أننا قد نشهد تراجعاً قريباً لها؟
فهناك شعور بالتفاؤل يسود العديد من مناطق العالم، ولكنه قد يكون شعوراً زائفاً أو مبالغاً فيه أو أنه حدوده يجب أن تكون محلية في أفضل الأحوال.
فمع رفع القيود والحظر المفروض حول العالم، أصبح الشعور بوقع جائحة فيروس كورونا المستجد ضعيفاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
عاد مئات الملايين من الطلبة إلى المدارس، وبدأت المطاعم والمقاهي وغيرها من الأماكن تفتح أبوابها مجدداً في العديد من الدول.
وفي أجزاء من أوروبا، أبدى الباحثون عن لقاح جديد قلقهم من إمكانية عدم وجود عدد كافٍ من المرضى لاختبار اللقاحات.
ولكن هذه الجائحة التاريخية لم تنتهِ بعد؛ بل يبدو أنها موجة تصاعد لجائحة كورونا.
إذ سجّل يوم الأحد، 7 يونيو/حزيران، 136,000 إصابة جديدة، في أعلى زيادة شهدها يوم واحد منذ بدء الجائحة.
وهناك أكثر من 7 ملايين حالة إصابة مؤكدة حتى الآن، مع عدم وجود أي مؤشرات واضحة على تراجع معدلات الإصابة، ومواصلة إطلاق خبراء الصحة العالميين الإنذارات المتكررة.
وقال الدكتور مايك رايان، المدير التنفيذي بمنظمة الصحة العالمية: "لا يمكننا اعتبار الجائحة انتهت بأي طريقة. إذا نظرنا إلى الأعداد خلال الأسابيع الماضية، سوف نرى استمرار تصاعد حدة الجائحة. لا تزال الأعداد تتزايد في العديد من المناطق في العالم".
هذه هي البؤرة الجديدة للجائحة وشكوك بشأن وفاة أول رئيس دولة جراء كورونا
وأصبحت أمريكا اللاتينية بؤرة جديدة للوباء، ووفقاً لإحصائيات صحيفة Financial Times، فقد شهدت قارة أمريكا الجنوبية نصف حصيلة الوفيات العالمية حتى الآن.
وتتضح حدة المشكلة بشكل أكبر في البرازيل، مع إصرار الحكومة المركزية على اتباع أسلوب عدم التدخل حتى مع ارتفاع عدد الحالات إلى 750.000 إصابة، لتحتل المركز الثاني في عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة. ولكن شهدت دول أخرى في أمريكا الجنوبية معدلات عالية من الإصابة، مثل بيرو، برغم اتخاذ خطوات مبكرة لمكافحة انتشار الفيروس.
وارتفع عدد الإصابات في جنوب آسيا، وحثَّ مسؤولو منظمة الصحة العالمية دولة باكستان على تطبيق حظر شامل بعد إعلان المسؤولين ارتفاع عدد الإصابات الجديدة إلى مستوى قياسي خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية.
وتواجه الهند موجة جديدة من العدوى؛ وقال مسؤول كبير في العاصمة دلهي يوم الأربعاء، 10 يونيو/حزيران، إنه من المتوقع ارتفاع عدد الحالات إلى أكثر من 500,000 حالة بنهاية الشهر المقبل. بينما شهد نفس اليوم أكبر حصيلة يومية في عدد الإصابات في إندونيسيا لليوم الثاني على التوالي، بتسجيل 1,241 حالة جديدة.
وفي إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، هناك أكثر من 200,000 حالة إصابة حتى الآن وسط تكهنات بأن بيير نكورونزيزا، رئيس بوروندي، الذي توفي يوم الثلاثاء، 9 يونيو/حزيران، هو أول رئيس دولة في العالم يموت بسبب عدوى كوفيد-19، برغم إعلان المسؤولين في بوروندي أن الوفاة بسبب أزمة قلبية.
بعض الدول التي تعرضت لأضرار هائلة في بداية الجائحة يبدو أنها تخسر ما اكتسبته من انخفاض معدلات الإصابات.
موجة جديدة في هذه الدول
ففي إيران والولايات المتحدة، الدولتين المرتبطتين بخصومة سياسية كبيرة، يتفق الخبراء فيهما على الخوف من موجة ثانية من الوباء؛ إذ ارتفعت أعداد الإصابات الجديدة في إيران بعدما خففت الحكومة من قيود الحظر المفروضة.
ويُعزي بعض المسؤولين الإيرانيين هذا الارتفاع إلى التوسع في إجراء الاختبارات، مما يثير التساؤلات بشأن الحجم الحقيقي لتفشي المرض في الموجة الأولى. وقالت سمية سواميناثن، رئيسة علماء منظمة الصحة العالمية، لشبكة CNBC الإخبارية: "لا نعلم إن كانت هذه موجة ثانية، أم ذروة ثانية، أم استمرار للموجة الأولى في بعض البلدان".
بينما تشهد الولايات المتحدة ارتفاع أعداد الإصابات منذ عطلة "يوم الذكرى"، عندما اجتمع العديد من الأشخاص في العديد من المناطق. وعلى صعيد آخر، تثير المظاهرات الأخيرة ضد العنصرية، التي اندلعت في العديد من الولايات إثر مقتل جورج فلويد، مخاوف جديدة من زيادة انتشار العدوى على مستوى البلاد.
بعض الدول اقتربت من القضاء على الفيروس، ولكنها ليست مأمن
إذا أمعنّا النظر، يمكننا رؤية بعض اللمحات عمّا سيبدو عليه الحال عند التغلب على الوباء؛ أعلنت نيوزيلندا أنها خالية من فيروس كورونا هذا الأسبوع؛ وتقترب تايوان من تحقيق هذا الإنجاز أيضاً. بينما بعض الدول الأصغر، مثل جزيرة ساموا في المحيط الهادئ، نجحت في تجنب تسجيل إصابة واحدة.
ولكن حتى يتراجع الوباء في جميع مناطق العالم، تظل تلك الانتصارات هشة للغاية. لقد رأينا هذا العام مدى سهولة تنقل الفيروس من دولة لأخرى، وبمجرد دخوله دولة جديدة ينتشر على نحو هائل. حتى الدول التي تخلصت من تهديد الفيروس، تظل التأثيرات والتداعيات الاقتصادية قائمة.
والاقتصاد العالمي يسجل أكبر انخفاض منذ ما يقرب من قرن
توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يكون هناك انخفاض 6% في الإنتاجية الاقتصادية العالمية هذا العام، والذي يعد من بين أسوأ الانخفاضات منذ قرن تقريباً.
وقالت المنظمة إنه إذا كان هناك موجة ثانية من انتشار العدوى، سوف يزداد الانخفاض سوءاً ليصل إلى 7.6%، وارتفاع نسبة البطالة إلى 10% في الدول المتقدمة عام 2020، مع تحسن الطفيف العام المقبل.
ولكن هناك بعض الأسباب التي تدعونا للتفاؤل، فقد نشرت جامعتا كامبريدج وغرينيتش البريطانيتان نتائج دراسة تفيد بأن انتشار ارتداء الكمامات قد يساعد على منع حدوث موجة ثانية مدمرة على غرار الموجة الأولى من انتشار الوباء. كما بدأت تجارب اللقاحات، ويأمل العديد أن تسفر الجداول الزمنية الطموحة والمتسارعة لعملية تطوير اللقاحات عن نتائج بحلول نهاية العام الحالي.
ولكن لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه، ولا يوجد سبب يدعونا للشعور بالانتصار في الوقت الحالي. قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، يوم الأربعاء: "لقد هزَمَنا هذا الفيروس المجهري، وجعلنا نشعر بمدى ضآلتنا".