قائمة السياسيين الجمهوريين الذين ينفضون من حول الرئيس دونالد ترامب تتسع يوماً بعد يوم، لكن ساكن البيت الأبيض يهرب للأمام ويلجأ لعتاة اليمين المتطرف لمواجهة الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد ولو أدى ذلك لاقتتال داخلي، فما القصة؟
كولين باول سيصوت لبايدن
شهدت الأيام القليلة الماضية تحولات بارزة داخل صفوف الحزب الجمهوري، فقد تعرض ترامب لانتقادات علنية عنيفة من وزير دفاعه السابق ورئيس موظفي البيت الأبيض السابق والمدير السابق لأجهزة الاستخبارات، وانضم أمس الأحد واحد من الشخصيات المؤثرة داخل الحزب وهو كولين باول وزير الخارجية الأسبق في إدارة جورج بوش الابن، الذي كان قد انتقد ترامب أيضاً بشكل علني.
هذه التشققات داخل جدران حزب ترامب، قبل أقل من خمسة أشهر فقط من يوم التصويت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني لاختيار إما الرئيس الحالي أو منافسه الديمقراطي جو بايدن لرئاسة أمريكا، تعكس الموقف الصعب الذي يواجهه ساكن البيت الأبيض الحالي في ظل تكالب ثلاث كوارث من العيار الثقيل على رئاسته؛ وباء كورونا والكساد الاقتصادي واحتجاجات جورج فلويد.
الملاحظة في انتقادات باول بخلاف عنفها – قال عن ترامب إنه (الرئيس) "يكذب طوال الوقت" – إلا أن الأهم فيما يخص الانتخابات هو إعلان وزير الخارجية الأسبق الجمهوري أنه سيصوت لصالح المنافس الديمقراطي بايدن، وهو تحول خطير في الواقع لأن الرئيس الأسبق بوش الابن – مثلاً – نفى ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أمس الأحد من أنه سيصوت لصالح بايدن، رغم انتقاداته العلنية العنيفة ضد ترامب بسبب تعامله مع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 12 يوماً على خلفية مقتل فلويد أثناء القبض عليه من جانب رجال شرطة.
استطلاعات الرأي تضع بايدن في المقدمة
لكن ربما يكون الخطر الأكبر الذي يواجهه ترامب فعلاً هو تزامن الأزمات الثلاث (كورونا والاقتصاد واحتجاجات فلويد) وفي توقيت سيئ للغاية – قبل أقل من خمسة أشهر على الانتخابات – وهذا ما أظهره استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس الأسبوع الماضي، وأعلنت نتائجه أمس الأحد 7 يونيو/حزيران، حيث أصبح الجمهوريون أكثر تشاؤماً بشأن المسار الذي تسلكه الولايات المتحدة من أي وقت مضى منذ أن تولى ترامب الرئاسة.
وأظهر الاستطلاع أن 46% فقط من الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم جمهوريين يقولون إن البلاد تسير في الطريق السليم، وهذه هي أول مرة ينخفض فيها هذا الرقم لهذه الدرجة منذ أغسطس/آب 2017، عندما أدى تجمع نظمه متطرفون يؤمنون بتفوق الجنس الأبيض في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا إلى اشتباكات عنيفة مع محتجين مناوئين لهم.
وحتى أوائل مارس/آذار الماضي، قبل أن يتسبب فيروس كورونا في قرارات العزل العام على نطاق واسع في مختلف أنحاء البلاد، كان نحو 70% من الجمهوريين يقولون إنهم متفائلون بشأن مسار البلاد، ولا تزال شعبية ترامب عند مستوى 40% إذ لا تزال أغلبية كبيرة من الجمهوريين تستحسن أداءه بصفة عامة، وقال 37% من الجمهوريين إن البلاد تسير في طريق خطأ وقال 17% منهم إنهم سيصوتون لصالح بايدن إذا أجريت الانتخابات الآن، في حين لا يزال 63% يعتزمون التصويت لصالح ترامب.
كايل كونديك المحلل المتخصص في الانتخابات بجامعة فرجينيا علق لرويترز بالقول "ربما يجب أن يسبب ذلك قلقاً للرئيس رغم أن من المعقول أن نقول إنه لا يزال يتمتع بتأييد قوي بين الجمهوريين".
الرئيس يلجأ لليمين المتطرف
التشققات داخل الحزب الجمهوري واستطلاعات الرأي التي تضع بايدن في المقدمة لا تعني أن ترامب لا يملك فرصه كاملة في الفوز بفترة رئاسية ثانية، ولا يمكن الجزم أبداً قبل ظهور النتيجة وتلك هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة، لعدد من الأسباب أهمها على الإطلاق هو متانة القاعدة الانتخابية لترامب وتماسكها وهذه القاعدة تتمثل في اليمين المتطرف.
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً حول تجييش زعماء اليمين ونشطائه لتلك القواعد بغرض مواجهة احتجاجات فلويد في الشارع، ويبدو أن هذا أحد أسلحة ترامب المفضلة وهو لا يتورع عن استخدامه، حتى وإن شملت بعض تلك الدعوات تحريضاً صريحاً على العنف، فالرئيس يرى الاحتجاجات "إرهاباً محلياً من اليسار المتطرف" وما زال يريد أن يتصدى الجيش لهؤلاء المحتجين، لكن في ظل الرفض المتزايد للجوء للجيش، يصبح أنصاره من اليمين بديلاً جاهزاً.
أحد أبرز الأمثلة على هذا التوجه هو السيناتور الجمهوري توم كوتون – الذي يقال إنه يسعى للترشح للرئاسة في 2024 – فقد غرد على تويتر قائلاً: "لو أن الشرطة المحلية تحتاج للدعم (لمواجهة الاحتجاجات) دعونا نرى مدى قوة إرهابيي أنتيفا عندما يجدون أنفسهم في مواجهة الكتيبة 101 المحمولة جواً (إشارة للكتيبة التي خدم فيها كوتون)".
وفي تغريدة لاحقة، قال كوتون: "ولو دعت الضرورة، توجد أيضاً الكتيبة 10 أو الكتيبة 82 المحمولة جواً أو كتيبة الفرسان الأولى أو كتيبة المشاة الثالثة – كل ما تتطلبه استعادة النظام. لا تقبضوا على أي من الفوضويين ومثيري الشغب ومن يسلبون بل اقتلوهم"، وقام ترامب بإعادة نشر تغريدة كوتون وكتب عليها "صح 100%. شكراً يا توم".
لكن كوتون ليس الوحيد بالطبع، فهناك أيضاً مات غايتز نائب في الكونغرس عن فلوريدا، غرد قائلاً: "الآن بما أننا نرى أن أنتيفا عبارة عن إرهابيين، هل يمكننا أن نطاردهم ونقتلهم كما نفعل مع الإرهابيين في الشرق الأوسط؟"، وقام تويتر بحجب التغريدة لأنها "تشجع على العنف".
قاعدة ترامب الانتخابية تزداد تماسكاً
الواقع أن شعبية ترامب بين قاعدته الانتخابية لم تتأثر تقريباً بكل الأحداث العاصفة التي شهدتها رئاسته حتى الآن، ومع الأزمات الثلاث التي تدور رحاها حالياً، من الواضح أن ترامب يجني ثمار ولائه لتلك القاعدة اليمينية الجمهورية وهم يردون له الجميل، وعندما يأتي هذا التقييم في تقرير لشبكة CNN التي تقف ضد ترامب على طول الخط، يكون لذلك دلالة أقوى.
صحيح أن تقرير CNN جاء تحت عنوان "ترامب يتمتع بشعبية تاريخية بين قاعدته، وهذه مشكلته"، إلا أن الأرقام المجردة داخل التقرير تظهر تمتع ترامب بنسب دعم بين قاعدته اليمينية لم يتمتع بها أي رئيس جمهوري آخر منذ عام 2000 على الأقل.
فعلى الرغم من أن بايدن يتقدم بشكل واضح على ترامب في استطلاعات الرأي، إلا أن الواضح أيضاً أن ترامب قد أرضى قاعدته الانتخابية تماماً منذ وصوله للبيت الأبيض، وانعكس ذلك في عدم وجود منافس جمهوري حقيقي للرئيس الذي ما زال يحظى بدعم 95% من الجمهوريين، وهو ما لم يحظ به أي مرشح جمهوري منذ عشرين عاماً، حيث لم يتخط أي مرشح جمهوري عتبة 91% على الإطلاق، والمتوسط هو 84%.
وهناك نقطة أخرى تصب في صالح ترامب وهي تتعلق بالاقتصاد، فقد أظهرت بيانات الجمعة 5 يونيو/حزيران الجاري أن عدد الوظائف زاد أكثر من 2.5 مليون وظيفة الشهر الماضي في ذروة الجائحة، ووصف ترامب تلك المكاسب بأنها "أعظم انتعاشة في التاريخ الأمريكي".
وقالت إيرين بيرين المتحدثة باسم حملة ترامب الانتخابية في بيان "الاستطلاعات معروفة بأنها تكون على خطأ. تفصلنا خمسة أشهر عن الانتخابات وأي استطلاع الآن لا يعد مؤشراً واضحاً على نتائج الانتخابات. كان مستطلعو الآراء على خطأ كبير في 2016 ويسيئون تقدير حماس الناخبين للرئيس ترامب في كل مرة".