منذ سجلت الليرة السورية انهيارها الأكبر مقابل الدولار خلال الأيام الماضية، ووصولها إلى سعر 2500 مقابل الدولار الواحد، زادت معاناة السوريين في تأمين قوت يومهم بصورة ملحوظة، ما قد يؤدي لموجة غضب شعبية جراء تدهور الاقتصاد.
فالمعاناة لم تقف عند حدود التعامل بسعر الصرف، بل امتدت إلى أهم ما يمس حياة الناس، وهو الدواء، فالحاج عارف الذي بلغ عامه الستين هو وزوجته ـ مدينة حلب ـ لم يعلما أنهما سيستيقظان يوماً ليجدا أدوية القلب والشرايين والضغط التي يعانون منها، قد ارتفعت أسعارها بنسبة 500%، الأمر الذي يفوق قدراتهم المادية بكثير، لاسيما وأن معاش الرجل المسن لا يتجاوز 40 دولاراً.
وفي لقائه مع "عربي بوست" قال الحاج عارف إنه لم يتوقع هذا الغلاء الفاحش والمفاجىء لأسعار الأدوية وخاصة الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة والخطيرة كأمراض القلب، مؤكداً أن ذلك يشكل خطراً بالغاً على صحته و صحة المرضى الذين لا يملكون ثمنه في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي الذي تشهده سوريا أمام تدهور قيمة الليرة السورية والاقتصاد السوري بشكل عام .
وكشف لـ"عربي بوست" أن عبوة دواء القلب التي يشتريها هو وزوجته بحوالي 2200 ليرة، قفز سعرها خلال اليومين الماضيين إلى نحو 8000 ليرة سورية، في الوقت الذي تعاني العملة السورية فيه انهياراً حاداً بأسعارها أمام العملات الأجنبية وباتت أسعار الأدوية مرتبطة بأسعار الدولار، فضلاً عن تحكم بعض الصيدليات بالدواء بغية الحصول على ربح أكبر.
من جهة أخرى أكد أبو نبيل الذي يعمل في القطاع الطبي في العاصمة دمشق، أنه بالفعل تشهد مستودعات الأدوية والصيدليات غلاءً كبيراً في أسعار الأدوية وتحديداً أدوية الغدة والسكري والضغط والالتهابات وأدوية الأطفال، وكثير من أنواع الأدوية باتت مفقودة في الصيدليات بسبب توقف المعامل مؤخراً عن إنتاجها لأسباب تتعلق بالسياسة الراهنة وأخرى اقتصادية، وخاصة المعامل التي تتبع لوزارتي الدفاع والصحة كمعمل تاميكو والديماس وأوبري التي تنتج أدوية السيتامول وأدوية السكري والضغط والسيرومات بمختلف أصنافها، لعدم توفر المواد الأولية لصناعتها بعد توقف استيرادها من الصين وإيران.
مشيراً إلى تراجع أهم الشركات المصنعة للأدوية عن الإنتاج بالكميات القادرة على سد حاجة الأسواق، ومنها شركة السعد للأدوية التي تعمل في مجال المضادات الجرثومية وأدوية الجهاز التنفسي وصناعة أدوية القلب والأوعية الدموية والسكري وأمراض المسالك البولية، والأمراض الجلدية، والتخدير الموضعي.
كما كشف عن أن هناك أكثر من 9 معامل في كل من دمشق وحلب توقفت عن إنتاج الأدوية مؤخراً وسط أنباء عن مغادرة أصحابها البلاد؛ خوفاً من أن تطالهم العقوبات الأمريكية مع اقتراب موعد تطبيق قانون "قيصر" الذي يفرض عقوبات على كل من يتعامل مع مؤسسات النظام وانعكاسات نتائجه على الاقتصاد السوري بشكل عام.
توقف تهريب الأدوية من لبنان
مرهف الحسين، صيدلي في منطقة حمص بوسط سوريا قال لـ"عربي بوست" إن القطاع الصحي والشركات المصنعة للأدوية هي أيضاً تضررت بفعل الحرب الدائرة في البلاد، حيث توقف منذ عام 2011 وحتى الآن أكثر من 20 معملاً عن إنتاج الأدوية؛ ما تسبب بفقدان شراب الأطفال "البروفين" و"البنادول إكسترا" وغيرها الكثير من الأدوية أمام عجز قدرة حكومة النظام عن سد حاجة السوق للأدوية، ما دفع كثيرين لجلب الأدوية عبر طرق تهريب خاضعة لسيطرة قوات النظام من لبنان.
وأن الأحداث الأخيرة التي تشهدها لبنان بالإضافة إلى انصياعه للقرارات الدولية بمعاقبة النظام وحصاره شددت مؤخراً رقابتها الأمنية والعسكرية على طول الحدود مع سوريا جعلت الأدوية بالسوق تنخفض كمياتها، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعارها في الأسواق السورية.
وختم الحسين قائلاً: "لاشك أن سوريا مقبلة على كارثة حقيقية.. قد تختفي في الأسواق السورية كل السلع وحتى والدواء منها، في ظل عجز حكومة النظام عن توفير الحلول المناسبة لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تنال من المواطن بالدرجة الأولى".
قانون قيصر
يقول الناشط المدني في حلب أحمد نور الدين لـ"عربي بوست": يزداد الوضع تعقيداً وصعوبة على الصعيد الاقتصادي والمعيشي السوري كلما اقتربنا من تطبيق الإدارة الأمريكية لقانون قيصر الذي يفرض عقوبات شديدة على النظام ومؤسساته، وتمثل ذلك بدايةً بانهيار العملة السورية أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق ووصل سعر الدولار الأمريكي في اليومين الماضيين إلى 3000 ليرة سورية، ما أدى إلى التأثير على الأسواق السورية وارتفاع أسعار جنوني طال معظم السلع وأهمها الغذائية والدواء.
ولفت إلى أن هذا الوضع يثير مخاوف السوريين من عجز النظام عن التصدي لهذا القانون، بعد فشله بالتصدي لأزمات وعقوبات دولية سابقة أرهقت السوريين وحولت أكثر من 80% من سكان سوريا إلى فقراء.
ولفت الناشط المدني إلى أن الأسواق السورية اليوم مغلقة تماماً بسبب ارتفاع أسعار السلع نحو 20 ضعفاً، عما كانت عليه سابقاً من جهة ومن جهة ثانية توقف البيع والشراء من قبل المواطنين، ما دفع عدداً كبيراً من الأسر إلى اتباع حياة التقشف والاقتصاد بالطعام والشراب وحتى الأدوية.
وقال: "هناك من قام بتجفيف الخبز وتخزينه استعداداً لمجاعة محتملة بسبب العقوبات الدولية وقانون قيصر المفروضة على النظام، ومنهم من أعد حديقة منزلية صغيرة داخل منزله قام بزراعة بعض الخضراوات للاستفادة منها، كما أن هناك مخاوف كبيرة لدى المزارعين من عدم تمكن مؤسسات النظام تسليمهم أثمان القمح والشعير الذي تم تصديره عبر مؤسسات النظام والتي تقدر بمليارات الليرات السورية، وحتماً إن حصل ذلك سيشكل كارثة حقيقية لدى المواطن السوري وسنكون أمام مجاعة حقيقية رهيبة".
وأشار إلى أن هذه المعطيات لابد أن يكون لها نتائجها الميدانية السلبية على النظام، بدأت مؤشراتها في بعض المحافظات السورية "السويداء ودرعا وريف دمشق" بخروج مظاهرات ضد النظام احتجاجاً على الواقع المعيشي المتردي، مرجحاً أن تشهد كل المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام مظاهرات، حالة التذمر لدى المواطنين هي الحالة السائدة، فضلاً عن ثقتهم بأن النظام لم يعد بمقدوره مواجهتهم، بعد فشله الذريع بمقاومة الأزمات الاقتصادية.