مع اقتراب الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ مشروع ضم أجزاء من الضفة إليه مطلع يوليو/تموز القادم، قد يمنحه غطاء تشريعياً بفرض السيادة على 30% من مساحة الضفة الغربية، وضمن ذلك غور الأردن، تتابع الأخيرة بقلق، التأثيرات السياسية التي قد يخلفها إقدام إسرائيل على هذه الخطوة؛ لما لها من تداعيات على الاستقرار السياسي والأمني للمملكة.
الأردن الذي عبّر عن قلقه من أن هذه الخطوة قد تؤثر على العلاقات مع حكومة الاحتلال، أعلن عاهله الملك عبدالله الثاني، لصحيفة دير شبيغل الألمانية، أن خطوة الضم الإسرائيلية قد تؤدي لصِدام كبير مع الأردن، دون توضيح لتفاصيل هذا الصدام.
التهديد الأردني لم يقتصر على ما تحدّث به الملك، بل جاء أيضًا على لسان رئيس الوزراء عمر الرزاز، الذي أكد أن إقرار قانون الضم سيضع الأردن أمام فرصة لإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل بكل أبعادها، مستدركاً أن المملكة لن تتسرع في اتخاذ أي إجراء.
من جهته قال محمد عرسان، الصحفي والكاتب الأردني، لــ"عربي بوست": "إن ما يُتداول في أروقة صناع القرار بالأردن حول الصِّدام مع إسرائيل، لن يتعدى خطوات رد الفعل، وقد يشمل استدعاء السفير الأردني من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي من عمّان، وتعليق بعض التعاون الأمني مع إسرائيل دون المساس بجوهر اتفاقية وادي عربة".
علاقات وثيقة وتعاون
وترتبط إسرائيل بعلاقات متعددة المستويات مع الأردن، تعود جذورها لعام 1994، حينما وقّعا اتفاق السلام المعروف بوادي عربة، وشمل الاتفاق نقاطاً تتعلق بترسيم الحدود البرية والبحرية بخليج العقبة، واحترام الاستقلال السياسي والسيادة لكل دولة، وتنسيق التعاون الأمني والاستخباراتي لحفظ الأمن، إضافة لتحديد حصص الطرفين من المياه في نهري الأردن واليرموك، كما شمل الاتفاق إزالة القيود المفروضة قبل توقيع الاتفاق، والمتعلقة بتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي بين الطرفين.
وخلال ذلك شهدت العلاقات الأردنية-الإسرائيلية مراحل من التوتر والرخاء، فعلى الصعيد الاقتصادي عززت إسرائيل من علاقاتها الاقتصادية مع الأردن بمجال الطاقة، كان آخرها توقيعهما في 2016 اتفاقاً يقضي بتوريد إسرائيل احتياجات الأردن من الغاز الطبيعي، بـ85 مليار متر مربع مكعب لمدة 15عاماً.
قوبل هذا الاتفاق بمعارضة سياسية وشعبية في حينه، لكن المملكة لم تتحرك لوقفه أو الانسحاب منه، بالنظر إلى مكاسبه الاقتصادية، فمن جهة منحت إسرائيل امتيازات للأردن لتصدير الغاز بأسعار تفضيلية، وهي أقل من سعر السوق الدولي، وهو ما سمح بتوفير 300 مليون دولار سنوياً، وباتت المملكة مكبَّلة بشروط الاتفاق التي حددتها إسرائيل، بدفع شرط جزائي بقيمة 1.5 مليار دولار، إن قرر أحدهما الانسحاب، أو تعليق الاتفاق.
لم تكن العلاقات الاقتصادية الباب الوحيد لانتقاد سياسة المملكة بعلاقاتها مع إسرائيل، حيث كان ملف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في المسجد الأقصى، وما أثير حوله من تسريبات تتعلق بجهود إسرائيلية وسعودية مشتركة لنزع الوصاية الأردنية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ليكون مسوغاً أمام تنامي الضغوط على المملكة لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل.
صحيح أن المملكة قد تتخذ خطوات مدروسة للرد على مشروع الضم الذي تعتزم إسرائيل تطبيقه، ولكن بالنظر إلى التجارب التاريخية والتهديدات التي كان يطلقها الملك والمسؤولون الأردنيون تجاه إسرائيل، فإن سقف التوقعات هذه المرة قد لا يكون كبيراً، وقد لا يتعدى التصريحات الصحفية التي تدين خطوة الضم، وتحذّر من تداعياته على مستقبل عملية السلام.
الأردن موطن بديل
فقد أكد الكاتب والباحث السياسي الأردني، شاكر الجوهري، لـ"عربي بوست"، أن الأردن يدرك أنه يقف وحيداً بمعركة المواجهة مع إسرائيل، لذلك فإن تهديد الملك بالصِدام مع إسرائيل قد يأخذ أشكالاً ومستويات متعددة، أولها المصادقة على إجراءات سياسية قد تتمثل بتنسيق الجهود على المستوى الإقليمي والدولي عبر جامعة الدول العربية ومجلس الأمن لإدانتها وتحذيرها من تداعيات تبنّيها خطوات أحادية الجانب، قد تؤثر على مستقبل المنطقة".
وأضاف أن "الأردن لا يخفي قلقه من أنَّ تنامي وتصاعد التهديدات الإسرائيلية بسنّ قانون الضم قد يتزامنان مع تحرك عسكري إسرائيلي بالضفة الغربية، يؤدي إلى عمليات نزوح جماعية إلى الأردن، مما سيؤثر على التركيبة الديموغرافية في المملكة، التي تخشى أن تكون تمهيداً إسرائيلياً لإجبار الأردن على أن يكون وطناً بديلاً للفلسطينيين المُهجَّرين".
على الجانب الآخر، بات يتشكل في إسرائيل توجُّه يحذّر من التداعيات السياسية التي قد يخلفها إقرار الكنيست مشروع الضم، لا سيما تأثر العلاقات بين المملكة وإسرائيل، حيث أشار أفرايم هاليفي، الرئيس السابق للموساد، إلى أن عملية الضم ستؤدي إلى تدهور كبير في العلاقات الثنائية مع الأردن، خصوصاً في ظل وجود كبير للفلسطينيين المقيمين فيه، وقد يشكلون ورقة ضاغطة على الملك لتصعيد الأمور.
اتفاقية وادي عربة
حسن عبدو، الكاتب والمحلل السياسي من غزة، قال لـ"عربي بوست"، إن "الأردن يدرك أنَّ تجاهل الرد على الضم سيعرّضه لضغوط من الشارع والنقابات والتيارات الإسلامية المعارضة، والتقديرات تشير إلى أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي، وقد تقود حراكاً سياسياً وقضائياً ضد إسرائيل إن ضمت هي غور الأردن، لأنه يعد نسفاً لأحد مبادئ اتفاق وادي عربة للسلام، ولم يعد اتفاقاً قائماً، والأردن ليس مطالَباً بالالتزام به".
وأضاف: "قد يكون الأردن مجبَراً على اتخاذ رد فعل إن تمت المصادقة على قانون الضم مطلع يوليو/تموز، وقد يأخذ الرد مستويات كسحب السفراء، وتعليق مؤقت لاتفاق تصدير الغاز، وإغلاق الحدود، ووقف التعاون الأمني والاستخباراتي".
اللافت أنه في ذروة التوتر الأردني-الإسرائيلي على خلفية مشروع الضم، أعلن القضاء الأردني مطلع يونيو/حزيران الجاري، بدء محاكمة 5 مواطنين أردنيين اعتقلتهم المخابرات الأردنية في فبراير/شباط، بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، مما قد يعتبر تلويحاً أردنياً بورقة التعاون الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، كردٍّ على إقدامها على مشروع الضم.
التعاون الأمني
يوسف الشرقاوي، اللواء والخبير العسكري من الضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست": "إن ملف التعاون الأمني والاستخباراتي بين الأردن وإسرائيل لن يتأثر بالأحداث السياسية، فالأردن يدرك أن تخفيض التعاون الأمني مع إسرائيل قد يفتح الباب أمام تنامي دور الجماعات المسلحة داخل أراضيه، وهو لا يريد أن يكون نقطة لانطلاق نشاطات مسلحة في محيطه الإقليمي، ليحافظ على صورته أمام العالم، ولا يمكن مواجهة هذا التحدي من دون تنسيق عالي المستوى مع إسرائيل".
فيما عاد الكاتب الصحفي محمد عرسان، ليؤكد أن "الإعلان عن اعتقال الخلية، وبدء محاكمتها، لا يتعدى كونه إجراءً روتينياً، ولا يحمل رسائل سياسية أردنية موجهة ضد إسرائيل".