تتواصل في العاصمة السعودية محاولات إقناع قادة المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن والمدعوم إماراتياً بتأجيل مطالبهم إلى حين انتهاء الحرب ضد جماعة الحوثي، فهل يمكن فعلاً إصلاح التحالف الذي تقوده الرياض أم أن الخروج من المستنقع اليمني بأي صورة تحفظ ماء الوجه لولي العهد السعودي أصبح مستحيلاً؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "هل بإمكان السعودية إصلاح التحالف اليمني المُناهِض للحوثيين؟"، ألقى الضوء على المأزق السعودي المتأزم في اليمن بعد ست سنوات من الحرب التي تسببت في الكارثة الإنسانية، الأسوأ على الإطلاق.
ماذا يمكن أن تقدم الرياض للزبيدي؟
وَصَلَ عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، إلى الرياض في 19 مايو/أيار؛ لمعالجة آخر المآزق الواضحة لحكومة الرئيس المنفيّ عبد ربه منصور هادي، وقال المجلس الانتقالي الجنوبي في البداية، إن الرحلة كان من المُقرَّر أن تستغرق ثلاثة أيام. وفي 26 مايو/أيار، قال مسؤولٌ بالمجلس لموقع Al-Monitor الأمريكي، إن المحادثات وصلت إلى اليوم الثامن.
وتُعَدُّ هذه الزيارة هي الأولى للمجلس الانتقالي الجنوبي -الذي تدعمه الإمارات- منذ انهيار "اتفاق الرياض" العام الماضي، وشروع كل طرفٍ في إلقاء اللوم على الطرف الآخر. وفي وقتٍ سابق من الشهر الجاري، شنَّت القوات الحكومية هجماتٍ على مواقع المجلس الانتقالي الجنوبي خارج بلدة زنجبار في محافظة أبين اليمنية، على بُعدِ 60 كيلومتراً من العاصمة الفعلية عدن.
وجاء القتال بعدما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي استقلالاً إدارياً بجنوب اليمن في أبريل/نيسان، فيما يبدو على الأرجح تحقيقاً للشرعية المحلية وليس خطوةً للانفصال الحقيقي. لكن هذه الخطوة أدَّت إلى تجدُّد الصراع بين الحلفاء المزعومين، الأمر الذي يصرف الانتباه عن القتال المشترك ضد المتمرِّدين الحوثيين اليمنيين في الشمال.
وبينما تتطلَّع السعودية التي أنهكتها الحرب إلى مخرجٍ سلسٍ من الحرب، وتظلُّ الإمارات على الأرجح تحترم رغبات قيادة الرياض للتحالف، يتساءل المراقبون عن قدرة السعودية على إصلاح التحالف المُعطَّل مرةً أخرى.
خاض الشركاء المُفتَرَضون عدة مراتٍ من القتال خلال الحرب الأهلية الجارية، التي تدخل عامها السادس والتي وَصَفَتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
اتفاق الرياض حبر على ورق
ويؤكِّد القتال الأخير أن المظالم العميقة للمجلس الانتقالي الجنوبي لن تُعالَج بحلٍّ سريعٍ آخر في الرياض، وقالت هنا بورتر، مُحلِّلة الشؤون اليمنية بشركة DT Global، وهي شركة تنمية دولية في واشنطن: "منذ لحظة توقيع اتفاق الرياض، كان من الواضح أن تنفيذه سيمثِّل إشكاليةً".
وقالت بورتر لموقع Al-Monitor: "التفاصيل غامضة. وهذا سَمَحَ لكلِّ طرفٍ بأن يخرج من الاتفاق بأفكارٍ مختلفة تماماً عمَّا سيبدو عليه التطبيق"، فقد نصَّت الصفقة أيضاً على إجراء ترتيباتٍ أمنية في وقتٍ قصيرٍ بشكلٍ مستحيل، ولم تُحدِّد التسلسل الذي ستُنفَّذ وفقه التزاماتٌ مُعيَّنة.
وقد اتَّفَق كلا الجانبين، في نوفمبر/تشرين الثاني، على أن يتخلَّى المجلس الانتقالي الجنوبي عن أسلحته الثقيلة ويندمج في القوات الحكومية اليمنية. لكن المجلس رَفَضَ تسليم أسلحته حتى يصل إلى تسويةٍ سياسية فيما يتعلَّق بإدماجه في الحكومة. وتُصِرُّ الحكومة على أن يتخلَّى المجلس عن أسلحته أولاً.
ورغم تأكيد اتفاق نوفمبر/تشرين الثاني، مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في محادثات السلام المستقبلية بقيادة الأمم المتحدة، فقد جَعَلَ الرفض الحوثي الواضح لوقف إطلاق النار خلال جائحة فيروس كورونا المُستجَد الحرب الأوسع أبعد من خط نهايتها.
ويقول خبراء إن الوضع الحالي جَعَلَ المجلس الانتقالي الجنوبي أمام خيارين، في حال أراد تأمين مستقبله باليمن: إما أن يسيطر على جنوبي البلاد، وهو الأمر الذي فشل فيه حتى الآن، وإما أن يواصل التنافس على مقعدٍ في محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة من خلال اتفاقٍ سياسي مع منصور هادي.
مطالب الجنوبيين
وقالت إيلانا ديلوزير، الباحثة الزميلة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "لن يحل المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض، لأنه سوف يخسر فرصته في المشاركة في محادثات السلام".
وقالت ديلوزير لموقع Al-Monitor عبر الهاتف: "لهذا السبب، من المُرجَّح أنهم لن يتخلوا عن أسلحتهم حتى يُطبَّق اتفاقٌ مع هادي بإدراجهم في الحكومة". وترى ديلوزير أنه رغم قدرة السعوديين على دفع الرئيس اليمني إلى طاولة المفاوضات، فإنه ما مِن إشارةٍ على أن بإمكانهم إجباره على المساومة.
ولا يزال هادي، على الأقل علنياً، يتحدَّى إجراء مساومة، فقد استهدف الهجوم الأخير في أبين النفوذ، المحدود بالفعل، للمجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، وبالنظر إلى دوره غير الواضح في مستقبل اليمن، يقول مراقبون إن نوايا هادي ليست سهلة الفهم دائماً.
ومن بين جميع التحدِّيات، يبدو أن وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، لديه خياراتٌ أخرى أقل، فلا تستطيع المملكة السعودية الخروج من الحرب من جانبٍ واحد دون المخاطرة بمزيدٍ من التوطيد للحوثيين، مِمَّا يُحتَمَل أن يجعل المُتمرِّدين الشيعة الزيديين المرتبطين بإيران يسيطرون على دولةٍ مُسلَّحةٍ بصواريخ باليستية على الحدود الجنوبية للسعودية. وفي هذه الأثناء، سوف يستفيد الحوثيون من كلِّ يومٍ آخر من النزاع الداخلي في التحالف.
وعلاوة على ذلك، تقول ديلوزير إنه إذا استُبعِدَ المجلس الانتقالي الجنوبي من المحادثات المستقبلية بقيادة الأمم المتحدة بين حكومة هادي والحوثيين، فمن المُحتَمَل أن يعمل على إفساد إمكانية التوصُّل إلى تسويةٍ سلمية، وبصرف النظر عن نتائج الاجتماعات الجارية في الرياض، فسوف تدوم مظالم المجلس الانتقالي الجنوبي ضد حكومة هادي بصورةٍ شبه مؤكَّدة.
الحرب داخل الحرب
إن ما يُوصَف غالباً بـ"الحرب داخل الحرب" في اليمن لديه جذورٌ عميقة في الحرب الأهلية بجنوب اليمن عام 1986، إذ إن هناك كثيراً من الدماء الشخصية بين هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقد تجمَّدَت تلك الدماء حين شنَّ الرئيس الجنوبي -وزير دفاع شمال اليمن آنذاك- حرباً ضد الجنوب المستقل في 1994، ويتَّهِم المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة بالإهمال والفساد وسوء الإدارة إلى يومنا هذا.
وقالت بورتر: "من ناحية، لديك مجموعةٌ من المظالم المشروعة تماماً من جانب الجنوبيين الذين يريدون استعادة استقلال بلدهم، ومن ناحيةٍ أخرى، ليست هناك أيُّ خطةٍ واقعية لذلك، حيث ستكون الأطراف الدولية بحاجةٍ إلى قبول فكرة الانفصال، وأنا لا أرى ذلك يحدث".
قال جيرالد فايرستاين، السفير الأمريكي السابق لدى اليمن والزميل بمعهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن، إنه يعتقد أن المظالم الأعمق لجنوب اليمن لا يمكن حلُّها بصورةٍ ملائمة حتى تنتهي الحرب الأوسع مع الحوثيين.
وقال فايرستاين لموقع Al-Monitor عبر الهاتف: "تتمثَّل الأولوية في تحقيق الاستقرار للاقتصاد وعودة الجميع إلى طاولة المفاوضات". وأضاف: "سوف يستغرق هذا بعض الوقت. لابد من إنهاء الحرب الكبيرة أولاً"، وتابَع: "إلى حين ذلك، لن يكون هناك أيُّ نوعٍ من الاستقرار الاقتصادي أو إعادة البناء".
وخلص فايرستاين إلى أن "التاريخ اليمني يعجُّ بالمفاوضات والاتفاقات، التي لم يُطبَّق أيٌّ منها فعلياً، لأن الأطراف المختلفة لم تكن لديها نية الالتزام؛ ومن ثم يعيدون اختراع العجلة مرةً بعد أخرى".