الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدَّد بإغلاق منصات التواصل الاجتماعي، ويقصد تويتر بالتحديد بالطبع، في ظل قيام المنصة المفضلة لساكن البيت الأبيض بتفنيد مزاعمه، والسؤال هو هل يستطيع ترامب فعلاً تنفيذ تهديده دستورياً أو قانونياً أو حتى سياسياً؟
ماذا قال ترامب؟
اليوم الخميس 28 مايو/أيار قال مسؤولون بالبيت الأبيض إن ترامب سيوقع أمراً تنفيذياً يتعلق بشركات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن هدَّد بإغلاق مواقع إلكترونية اتهمها بإسكات الأصوات المحافظة.
ولم يدلِ المسؤولون بتفاصيل أخرى حول طبيعة الإجراءات التي سيتضمنها القرار التنفيذي، ومن غير الواضح كيف يمكن لترامب تنفيذ تهديده بإغلاق شركات مملوكة ملكية خاصة، ومنها تويتر.
الرئيس الذي يعتبر تويتر منصته المفضلة للتواصل مع ناخبيه والعالم ويحظى بأكثر من 80 مليون متابع، استخدم تويتر للتهديد بإغلاق الموقع وذلك في سلسلة من التغريدات أمس الأربعاء 27 مايو/أيار، قال فيها: "يشعر الجمهوريون بأن منصات التواصل الاجتماعي تُسكت أصوات المحافظين نهائياً. سننظم عملها بقوة أو سنغلقها قبل أن يحدث هذا"، مضيفاً بلغة تهديد: "الزموا جادة الصواب الآن!".
ما سبب غضب الرئيس؟
كان تويتر قد أقدم لأول مرة، الثلاثاء 26 مايو/ أيار، على إضافة تنويه اتخذ شكل علامة تعجب زرقاء على تغريدات لترامب حملت مزاعم غير مدعومة بأدلة بشأن حدوث تزوير في اقتراع بالبريد، ولفت التنويه أنظار القراء إلى ضرورة التحقق من المنشورات.
القصة بالطبع أصبحت حديث الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وغطَّت على أخبار وباء كورونا المتفشي في الولايات المتحدة الذي أصاب أكثر من مليون و750 ألف أمريكي وأودى بحياة أكثر من 100 ألف، وذلك قبل نحو ستة أشهر فقط من انتخابات الرئاسة التي يسعى فيها ترامب للفوز بفترة ثانية وينافسه فيها الديمقراطي جو بايدن.
ماذا يقول القانون الأمريكي؟
موقع بيزنس إنسايدر نشر تقريراً بعنوان "ليست لديه أية سلطة قانونية.. تهديدات ترامب بإغلاق تويتر حمقاء تماماً ورقابة عفنة"، بحسب خبراء القانون، حيث وصف كين وايت، محامٍ متخصص في التعديل الأول (حق التعبير في الدستور الأمريكي) ومحامٍ جنائي في شركة براون وايت آند أوسبورن للمحاماة، تهديدات ترامب بأنها "إشارات فارغة موجهة لقاعدته الانتخابية".
وفسر وايت الموقف القانوني بالقول إن "الحكومة الأمريكية لا تمتلك أي سلطة لإغلاق شركات التواصل الاجتماعي، لأنها (أي تلك الشركات) تمتلك الحق – بموجب التعديل الأول في الدستور – للمراقبة والتعليق كيفما ترى ذلك مناسباً".
وذكر وايت أنه في العام الماضي أدانت محكمة فيدرالية الرئيس ترامب بسبب حظره متابعين له على تويتر، وهو ما حرمهم من المشاركة في منصة عامة، كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها ترامب بإغلاق منصات التواصل الاجتماعي، حيث قام البيت الأبيض العام الماضي بتقديم مشروع قانون لتنظيم عمل شركات التواصل الاجتماعي لمواجهة مزاعم التحيز ضد المحافظين، وهي نفس المزاعم التي كررها ترامب في تغريداته أمس.
أستاذة القانون في جامعة دريكسيل والمتخصصة في الحريات المدنية وقضايا الإنترنت هانا بلوش-وهبا كانت أكثر حدة في الرد على تهديدات ترامب بإغلاق تويتر، حيث وصفتها بأنها "تهديدات حمقاء تماماً"، مضيفة أنها "تفتقد لأي نوع من الأساس القانوني ومن الواضح جداً أن ما يفعله ترامب في الواقع هو مجرد البلطجة على تويتر كي يتركوه يفعل ما يريد ويغرِّد بأية أكاذيب دون أدنى حد من المساءلة".
ومن المهم هنا أن نذكر حدثاً ذا صلة مباشرة بالقصة من الناحية القانونية، حيث أيَّدت هيئة من ثلاثة قضاة بمحكمة الاستئناف الأمريكية في واشنطن، أمس الأربعاء، رفض دعوى رفعتها مجموعة محافظة وشخصية يمينية على يوتيوب ضد جوجل وفيسبوك وتويتر وأبل تتهمها بالتآمر لقمع آراء المحافظين السياسية.
هل ترامب لا يدرك ذلك؟
عادة ما يشار إلى الرئيس الأمريكي على أنه "أقوى شخص على سطح الكوكب"، لكنه ليس ملكاً ولا ديكتاتوراً فسُلطته مقيدة بالدستور والمؤسسات القانونية المتعددة والكونغرس، وعلى الرغم من ذلك فقد أثبت ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض أن لديه تفسيره الخاص لسلطات الرئيس التي وصفها قبل أسابيع قليلة بأنها "سلطات مطلقة" في معرض خلاف مع حكام الولايات بشأن موعد رفع إجراءات الإغلاق وإعادة فتح الاقتصاد.
ترامب إذن يدرك جيداً أنه لن يستطيع إغلاق تويتر، لذلك من الضروري النظر فيما يمكن أن يفعله ساكن البيت الأبيض، بخلاف الإغلاق، ويبدو أنه يمكنه فعل الكثير، وهذا ما تناوله موقع VOX المتخصص في تقديم المواد الشارحة في تقرير بعنوان "ترامب يهدد بإغلاق شركات التواصل الاجتماعي، هل يمكنه أن يفعل ذلك فعلاً؟"، استعرض خلاله الإجراءات التي يمكن أن يتخذها ترامب.
الشيء الذي يمكن لترامب أن يفعله هو محاولة "تنظيم عمل شركات التكنولوجيا مثل تويتر" بطرق أخرى، منها ما طرحه السيناتور الجمهوري جوش هولي بشأن قيام الكونغرس بإلغاء القسم 230 من قانون تنظيم عمل تلك الشركات، وهو ما سيسمح لأي شخص يشعر أنه ضحية للتمييز ضده، لأنه محافظ من جانب تلك المنصات أن يرفع قضية في المحكمة ضدها.
القسم 230 من قانون تنظيم عمل شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك وجوجل وتويتر وغيرها يجعل تلك المنصات صاحبة الحق في التعامل مع المحتوى المنشور بالطريقة التي تراها مناسبة، وإلغاء هذا الحق يجعل تلك المنصات عرضة للمقاضاة من جانب أي مستخدم يشعر أنه تعرض للتمييز بسبب آرائه مهما كانت تلك الآراء.
كما يمكن لترامب أن يستخدم صراعه مع تويتر كذخيرة سياسية لمساندة ودعم تحقيقات وزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية في الكونغرس في انتهاك شركات التواصل الاجتماعي الكبرى لثقة المستخدمين، لكن هذه النقطة تحديداً ربما لن تضر تويتر كثيراً، حيث إن تلك التحقيقات تستهدف فيسبوك وجوجل بالأساس، وترامب يمتلك علاقة ممتازة مع مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ.
ما رأي مؤسس فيسبوك في تهديد ترامب؟
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، من المهم هنا أن نذكر ما قاله زوكربيرغ بشأن الصراع الدائر بين صديقه ترامب من جهة وتويتر من جهة أخرى، حيث أشار أمس الأربعاء إلى أن فرض رقابة على منصة ما لن يكون "الرد الصائب" من قِبَل حكومة يعتريها القلق من فكرة الرقابة.
وفي مقابلة له مع قناة FOX NEWS – اليمينية والمساندة لترامب على طول الخط – قال زوكربيرغ: "لا بد أن أفهم أولاً ما يعتزمون عمله بالفعل، لكنني بوجه عام أعتقد أن إقدام حكومة على فرض رقابة على منصة لأنها قلقة من الرقابة التي قد تفرضها هذه المنصة ليس برد الفعل الصائب".
القناة عرضت مقطعاً قصيراً من المقابلة وقالت إنها ستذيعها بالكامل اليوم الخميس 28 مايو/أيار، لكن ترامب أعاد نشر تغريدة تحمل تقريراً لموقع FOX NEWS عما قاله زوكربيرغ وتصدر التقرير صورة ثلاثية لترامب في المنتصف وعن يمينه مؤسس تويتر جاك دارسي، وعن يساره زوكربيرغ، وعنوان التقرير "زوكربيرغ يضرب تويتر بسبب فحص ما يقوله ترامب"، ويقول إن "الشركات الخاصة لا يجب أن تكون الحكم على الحقيقة".
فيسبوك ترك نفس المنشورات التي نشرها ترامب الثلاثاء بخصوص الاقتراع بالبريد دون مساس، كما يفعل مع كل ما ينشره ترامب الذي دفع للشركة أكثر من 20 مليون دولار العام الماضي فقط مقابل 218 ألف إعلان يستهدف قاعدته الانتخابية من تيار اليمين، بحسب تقرير في يناير/كانون الثاني لصحيفة الغارديان البريطانية.
القصة إذن ربما تكون أكثر وضوحاً مما يظن البعض، فالرئيس الأمريكي لا يمكنه أن يغلق تويتر، لكنه يستطيع أن يضع ضغوطاً كبيرة على الشركة تجعله في موقف قوي كي ينشر ما يريد من تغريدات دون أن يتعرض للتدقيق أو المحاسبة، وعلى الأرجح هذا ما يريده وليس إغلاق منصة يتابعه من خلالها أكثر من 80 مليون شخص، كما أن أي إجراء للتضييق على تويتر سيعني بالضرورة التضييق أيضاً على فيسبوك وجوجل وغيرهما من شركات التكنولوجيا، وهذا ما لا يريده ترامب قطعاً.