كيف تصدى الرئيس التونسي لمحاولات استغلال الخلافات بين القوميين والإسلاميين لإشعال ثورة مضادة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/24 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/24 الساعة 17:10 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيد /رويترز

رغم الخلافات بين الرئيس التونسي قيس سعيد وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، فإن قيس سعيد رد بشكل حازم على محاولات بعض فلول دولة بن علي إحياء الثورة المضادة في تونس.

فقد وجّه الرئيس التونسي قيس سعيد تحذيراً شديد اللهجة إلى أنصار الثورة المضادة ومن يحنّون إلى الماضي، بالتزامن مع حملة تشنها وسائل إعلام إماراتية ومصرية وسعودية، بالتعاون مع قوى محلية تونسية، ضد رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وقال خبراء سياسيون تونسيون إن رئيس حركة النهضة (إسلامية 4 نواب/ 217 –الكتلة الأولى) ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي يتعرّض إلى حملة تشويه مُمنهجة من أطراف إقليمية وداخلية معادية للثورة، وذلك نتيجة لمواقف الغنوشي وباعتباره يمثّل ضمانة أساسية وصمّام أمان للانتقال الديمقراطي ومسار الثورة في تونس.

وتضاعفت هذه الحملة مع الهزائم التي تعرض لها حفتر، وقيام الغنوشي بتهنئة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج باستعادة قاعدة الوطية.

وضمن هذه الحملة قامت وسائل إعلام سعودية ومصرية وإماراتية، بشكل منسق، بالتشكيك في الذمة المالية للغنوشي، والادعاء بأنه حقق ثروة مالية ضخمة منذ عودته إلى تونس.

وبالتزامن مع ذلك، اعتصم نواب الحزب الدستوري الحر المعارض لمدة أسبوع تحت قبة البرلمان، إثر رفض طلب تقدموا به لعقد جلسة استجواب لرئيس البرلمان راشد الغنوشي.

غير أن النواب الستة فضوا اعتصامهم بعد قبول البرلمان الطلب وإعلانه عقد جلسة حوار مع الغنوشي، للحديث عن مواقفه السياسية الإقليمية، خاصة الملف الليبي، في 3 يونيو/حزيران المقبل.

ويرى مراقبون أن الحملة تهدف إلى الوقيعة بين البرلمان والرئاسة في تونس، وإثارة معارك جانبية بين الكتل رغبة في تفكيك مؤسسات الدولة، إضافة إلى أنها محاولة للتغطية على الفشل في ليبيا.

وإثر الحملة، تقدّم الغنوشي، للنيابة العامة بعدد من القضايا العدلية بحق أشخاص ومؤسسات تعمدت نشر إشاعات وأكاذيب.

"الثورة المضادة في تونس" مجرد أضغاث أحلام

وفي كلمة وجهها للشعب التونسي بمناسبة عيد الفطر المبارك، حذّر الرئيس قيس سعيد أنصار الثورة المضادة، قائلاً إن ما يأملونه "مجرد أضغاث أحلام".

وحققت تونس إنجازاً عربياً فريداً في مجال التصدي لمكافحة كورونا، ولكن بطبيعة الحال تأثرت البلاد اقتصادياً جراء هذا الإقفال.

ولذا كان لافتاً ظهور دعوات إلى ثورة جياع في البلاد من قِبَل منابر محسوبة على فلول بن علي، والمفارقة أن إنضم إليها بعض اليساريين الراديكاليين الذين ينظر لهم على أنهم مؤيدون للرئيس.

ووجه قيس رسالة حازمة لهؤلاء قائلاً "إنه في الظروف الاستثنائية التي عاشتها البلاد بسبب فيروس كورونا، اعتكف كثيرون لترتيب الأوضاع وتحقيق ما يراودهم من أضغاث الأحلام".

وأضاف أن "بعضهم ما زال يحن إلى ما مضى، يحن للعودة إلى الوراء (عهد ما قبل ثورة 2011)، وآخرون يهيئون أنفسهم لأنفسهم بما يحلمون وبما يشتهون، والبعض الآخر للأسف دأبهم النفاق والرياء والكذب والافتراء، هم من قال فيهم المولى تبارك وتعالى: في قلوبهم مرض".

وحذر سعيد أن من "يستعد للفوضى، بل ويتنقل من مكان إلى مكان لإضرام النار في ممتلكات هذا الشعب، فسيكون بالتأكيد أول من سيحترق بألسنة لهيبها".

وأضاف: "شعبنا لم يطالب إلا بحقه في الحياة، التونسي لا يريد أن يكون مواطناً يوم الاقتراع ونصف مواطن بعد ذلك، إنه يريد أن يكون مواطناً في وطن له فيه كل الحقوق، لا يكون ساكناً لبيت يقطنه بالإيجار".

والمفارقة أن وسائل الإعلام المحسوبة على الإمارات والسعودية قامت بتأويل فحوى كلام قيس سعيد، لتدعي بأنه موجه للغنوشي بالأساس، رغم وضوح أنه كان يستهدف رموز الثورة المضادة.

إنجاز في مكافحة الكورونا، وحان وقت التنمية

من جانبه، دعا رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، راشد الغنوشي، مواطني بلاده إلى التضامن ورص الصفوف والتهدئة.

جاء ذلك في كلمة توجَّه بها إلى الشعب التّونسي بمناسبة العيد، السبت 23 مايو/أيار، ونقلت محتواها الصفحة الرسمية للبرلمان بفيسبوك.

وقال الغنوشي: "نتجه إلى مرحلة أخرى هي مرحلة ما بعد كورونا، لذا ندعو الجميع إلى التضامن ورصّ الصفوف.. وندعو إلى التهدئة.. وندعو إلى التوافق"، وأضاف: "بعد النجاح في الانتقال الديمقراطي والسياسي علينا أن نتوجّه إلى المجتمع، وخاصة إلى الفئات الضعيفة والجهات المحرومة لتحقيق التنمية المطلوبة".

رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوسي/رويترز

كما أشار إلى أن الرهان "يتمثل في نجاح التنمية كما نجحنا في السياسة، وأن ننجح في العدل الاجتماعي كما نجحنا في الحريّة".

الغنوشي هنَّأ جميع أبناء المؤسّسة الصحية في بلاده على ما بذلوه لتحقيق النصر في معركة كورونا، إذ صرح بهذا الخصوص قائلاً: "نهنئ بهذه المناسبة كل من يقوم بحماية التجربة الديمقراطيّة في بلادنا.. وتونس ستصنعُ بإذن الله في المستقبل القريب نموذجها التنموي كما صنعت نموذجها الديمقراطي".

خلافات بين قيس سعيد وراشد الغنوشي

ورغم هذه المواقف، فإن هذا لا ينفي أنه قد يكون هناك خلافات بين قيس وراشد الغنوشي وكذلك بين قوى الإئتلاف الحاكم في تونس بصفة عامة، إلا أنها لا تعني تأييد الرئيس التونسي أو القوى السياسية للتحريض الخارجي ضد الغنوشي، أو محاولات تشجيع الثورة المضاد.

فقد تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة خلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم الرئيسية في الحكومة، التي نالت ثقة البرلمان في 27 فبراير/شباط الماضي.

ويتشكل الائتلاف من أربعة أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: حركة النهضة (إسلامية – 54 نائباً من 217)، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي – 22 نائباً)، وحركة الشعب (ناصري – 15 نائباً)، وحركة تحيا تونس (ليبرالي – 14 نائباً)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية – 16 نائباً).

وتعود أسباب الخلافات -وفق خبراء- إلى عوامل أيديولوجية بالأساس وأخرى تتعلق بالتباين حول الرؤية الجيواستراتيجية لتونس، من حيث التحالفات الخارجية للأحزاب.

إذ بعض الخلافات بين الأحزاب  التونسية هي امتداد للصراعات التقليدية بين التيار الإسلامي والتيار القومي في العالم العربي، رغم التشابه الأيديولوجي بين التيارين، لكنَّ هناك خلافاً حول الرؤية تجاه الأزمات في المنطقة العربية خاصة ليبيا وسوريا، خاصة في ظل إلى ما يتداول في الساحة الإعلامية عن مساندة حركة الشعب الناصرية للأنظمة ومساندة "النهضة" لثورات الربيع العربي.

لكن هناك لقاءات تتم بين رئيس الحكومة من ناحية ورؤساء الأحزاب من ناحية أخرى وعلى مستوى الكتل المختلفة ولقاءات بين رئيس البرلمان (الغنوشي) مع رؤساء أحزاب أخرى، وهناك حديث عن إمكانية صياغة ميثاق أو عهد سياسي وأخلاقي بين أطراف الائتلاف الحاكم.

تحميل المزيد