مع اتجاه العالم إلى التعايش مع وباء كورونا، ربما يكون السؤال الأصعب يتعلق بعودة التعليم من مدارس وجامعات، وكيف ستكون تلك العودة في ظل الفيروس شديد العدوى، وتقدم لنا تجربة كوريا الجنوبية لمحة عن شكل التعليم في زمن الوباء.
شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "الأطفال يعودون للمدارس في آسيا.. لكن التعليم في زمن "كوفيد-19″ لا يحدث من دون صعوبات"، ألقى الضوء على المخاطر وكيفية الاستعداد للتعليم في ظل وباء أصاب أكثر من 5 ملايين شخص حتى الآن، وأمس الأربعاء 20 مايو/أيار فقط تم تسجيل رقم قياسي من الإصابات تخطى 106 آلاف حول العالم.
عودة للمدارس بعد 3 أشهر
للمرة الأولى منذ 3 أشهر، عاد طلاب المرحلة الثانوية في كوريا الجنوبية إلى فصولهم، لكن في نواحٍ كثيرة، لم تعد الدراسة كما كانت، إذ مع عودة الطلاب إلى مدارسهم أمس الأربعاء 20 مايو/أيار، قيست درجات حرارتهم والتزموا بارتداء الأقنعة في الحرم المدرسي والجلوس على مقاعد متباعدة، وفقاً لممارسات التباعد الاجتماعي في الأماكن المشتركة.
ومع ذلك، في غضون ساعات من إعادة فتح المدارس، اضطرت عشرات المدارس في مدينة إنتشون، بالقرب من العاصمة سول، إلى إغلاق أبوابها مرة بعدما ثبتت إصابة طالبين بفيروس كورونا المستجد.
ويبدو أنَّ كوريا الجنوبية سيطرت على نسبة كبيرة من تفشي الجائحة فيها، وهي تحاول حالياً العودة إلى شيءٍ يشبه الحياة الطبيعية، لكن تجربة كوريا الجنوبية توضح أنَّ إعادة فتح المدارس لا تعني العودة إلى الحياة الطبيعية، وأنها وتنطوي على مخاطر متواصلة.
تجارب آسيوية ناجحة
وفي أنحاء المنطقة، تواجه الدول الأخرى، التي تمكنت من السيطرة على تفشي الفيروس فيها، الأسئلة ذاتها في ما يتعلق بالتعليم، ففي نيوزيلندا، التي أشيد بتحركها السريع للسيطرة على تفشي الفيروس، عاد الطلبة في أنحاء الدولة إلى المدارس يوم الإثنين، 18 مايو/أيار، بعد قضاء 8 أسابيع في المنزل. وفي بعض مناطق أستراليا، عاد الأطفال بالفعل إلى المدارس.
وفي الصين، بدأ الطلبة بالعودة إلى المدارس في مارس/آذار، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء شينخوا، وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، كانت وزارة التعليم الصينية قد أعلنت أنَّ نحو 40% من الطلبة عادوا إلى مدارسهم.
ويمثل العودة إلى المدارس موضوعاً شائكاً؛ فعلى الرغم من أنَّ أعراض فيروس كورونا المستجد التي تظهر على الأطفال تكون عادةً بسيطة، أشارت بعض الدراسات إلى أنَّ الأطفال يمكن أن يكون لهم دورٌ كبير في نقل العدوى لبعضهم البعض وللبالغين الأكثر تأثراً بالفيروس؛ مما يزيد خطر حدوث موجة تفشّ أخرى.
وضع جديد في الفصول
تعكس تجربة الطلبة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أنه حتى وإن استؤنفت الدراسة، فلن يعود الوضع لما كان عليه قبل الفيروس، ففي كوريا الجنوبية، لم يعُد جميع الطلبة للمدارس في نفس الوقت.
إذ كان يوم الأربعاء هو اليوم الأول لطلبة الثانوية فقط، بينما سيعود الطلبة من المستويات الأخرى إلى المدارس خلال الأسابيع القلية المقبلة، وسيكون جميعهم قد استأنفوا الدراسة بحلول 8 يونيو/حزيران، وحث وزير التعليم، اليوم الخميس 21 مايو/أيار، على تجنب العدوى داخل المدارس وخارجها.
ووفقاً لإذاعة Radio New Zealand، وضعت المدارس في نيوزيلندا قواعد جديدة للنظافة -مثل تعقيم اليدين قبل دخول الحرم المدرسي- وأبقت الطلاب في الفصول على مسافات بعيدة من بعضهم.
وتتعامل أستراليا مع مسألة النظافة الشخصية بجدية شديدة، إذ خصصت الحكومة 10 ملايين دولار أسترالي إضافية (6.56 مليون دولار) لمساعدة المدارس على تغطية تكلفة الصابون ومعقمات اليدين ومنتجات تنظيف الفصول الدراسية.
مخاطر العودة
لكن لا تخلو إعادة الطلبة للمدارس من الصعوبات، ففي كوريا الجنوبية، قال مسؤول في مكتب مدينة دايغو للتعليم، إنَّ مدرسة ثانوية في المدينة أعادت الطلاب إلى منازلهم وأغلقت المدرسة بعد أن ظهرت حالة إيجابية بينهم، وبحسب المسؤول، فإنَّ الطالب الذي ثبتت إصابته كان واحداً من بين 17 طالباً انتقلوا إلى عنابر الطلبة قبل أيام قليلة.
ومن جانبه، قال نائب مدير المراكز الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية، كوون جون ووك، اليوم الخميس، إنَّه يجب مراعاة تجنب انتشار العدوى أثناء الدراسة، وأضاف كوون: "لذا فنحن نرى للوقت الحالي أنها يجب أن تستمر ضمن نظام الاستجابة للفيروس الذي نطبقه، وبالتعاون مع جميع أفراد شعبنا وبمشاركتهم".
وفي 13 مايو/أيار، أصدرت السلطات في مدينة جيلين، شمال شرق الصين، إشعاراً بتحويل جميع الصفوف المستأنفة إلى الدراسة عبر الإنترنت، في الوقت الذي تصارع فيه المنطقة للتعامل مع ارتفاع معدل الحالات الجديدة.
ويدرك الخبراء والقادة في أنحاء العالم تمام الإدراك المخاطر التي ينطوي عليها إنهاء حالة الإغلاق المرتبطة بمواجهة الفيروس، ففي هذا السياق، قال خبير بارز في الجهاز التنفسي في الصين، زونغ نانشان، لشبكة CNN في نهاية الأسبوع الماضي، إنَّ البلاد لا تزال عرضة لموجة أخرى من الإصابات القاتلة بفيروس كورونا المستجد، ونوه: "نحن نواجه تحدياً كبيراً، ولا أعتقد أنَّ الوضع لدينا أفضل من الدول الأجنبية في الوقت الراهن".
وعندما أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن أنَّ البلاد تخفف القيود -بما في ذلك السماح للأطفال بالعودة إلى المدرسة- حثت على توخي الحذر، وقالت جاسيندا، في بيان بتاريخ 11 مايو/أيار: "نطلب منكم جميعاً توخي الحذر الشديد مع عودتنا إلى وضع جديد أكثر أمناً. لا أحد منا يمكن أن يفترض أنَّ "كوفيد-19″ ليس معنا".