“تواجه أقسى اختباراتها”.. لماذا اضطربت عملات الخليج المرتبطة بالدولار والثابتة منذ عقود؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/05/16 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/16 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
لماذا اضطربت أسعار الصرف الثابتة المرتبطة بالدولار في دول الخليج؟/ الصورة: رويترز

رغم أن أسعار الصرف الثابتة المرتبطة بالدولار منذ عقود في دول الخليج العربية غالباً ما تتعرض لضغوط في أسواق النفط المضطربة، فإنها ظلت دائماً صامدة في وجه تلك الاضطرابات. لكن هذه المرة، وصلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وقد أدى تفشي فيروس كورونا إلى ركود يضغط على الميزانيات الحكومية بشكل لم يسبق له مثيل. مع وقوع بعض العملات الخليجية تحت ضغط المضاربين والسماسرة، هل تواجه أسعار الصرف الثابتة اختبارها الأكثر صرامة؟

1. كيف تتعرض أسعار الصرف الثابتة للضغط؟

تقول وكالة Bloomberg الأمريكية إنه حينما دخلت السعودية في حرب حول أسعار النفط في مارس/آذار 2020 من خلال تعزيز إنتاج النفط الخام، كان التجار في سوق المشتقات المالية يراهنون على أن عملات المنطقة ستضعف في غضون عام. لكن مثل هذا السيناريو يمكن أن يحدث فقط إذا تخلت الدول عن أسعار الصرف الثابتة. 

يُذكر أن أنظمة سعر الصرف الثابتة في آسيا قد انهارت خلال أزمة العملة في أواخر التسعينات من القرن العشرين، عندما أجبر المضاربون دول مثل تايلاند وكوريا الجنوبية على التخلي عن ربط عملتهم المحلية بالدولار. ويقتصر وجود أنظمة أسعار الصرف الثابتة الآن إلى حد كبير على منتجي النفط الرئيسيين في الشرق الأوسط الذين يبدو أنهم غير مستعدين للعمل بنظام أسعار الصرف الحرة.

2. ما الدول التي تتبع نظام أسعار الصرف الثابتة ولماذا؟

كان الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي -البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات– يتبعون نظام أسعار الصرف الثابتة أو أنظمة التحكم في أسعار الصرف الأجنبي منذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين. وتربط الكويت الدينار بسلة من العملات يعتقد أن الدولار الأمريكي هو المهيمن عليها، بينما ترتبط عملات الدول الخليجية الأخرى بالدولار فقط. ومع تسعير النفط والغاز بالدولار، فقد ساعدت أسعار الصرف الثابتة على حماية الدول من تقلبات أسواق الطاقة وسمحت للبنوك المركزية بتجميع احتياطيات العملات الأجنبية في الأوقات الجيدة. والواقع أن متانة أسعار الصرف الثابتة تتعلق إلى حد كبير بحجم احتياطيات النقد الأجنبي للدول والأصول الأجنبية التي تحتفظ بها صناديق الثروة السيادية لدى تلك الدول.

3. لماذا القلق الآن؟

لا تزال معظم دول الخليج تعتمد بشكل كبير على عوائد النفط لتسديد النفقات، تحصل السعودية على حوالي ثلثي عائداتها من النفط والكويت حوالي 90٪، لذا فإن تراجع الأسعار وضع اقتصادات المنطقة تحت ضغط كبير. ومع انهيار سعر خام برنت بأكثر من النصف في مارس/آذار 2020، استنفدت السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط، احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية بمقدار 27 مليار دولار في ذلك الشهر، وهو انخفاض في الاحتياطي الأجنبي بأكثر من 5٪.

4. هل تعرضت الدول الخليجية لهذا الوضع من قبل؟

لقد نجا نظام أسعار الصرف الثابتة من اختبارات صارمة في السابق، بما في ذلك سنوات متتالية من انخفاض أسعار النفط في تسعينيات القرن العشرين، وفترة ضعف الدولار قبل الأزمة المالية في عام 2008 وانهيار آخر لأسعار النفط في عام 2014. وانضم المضاربون والسماسرة في ذلك الوقت لتحدي سعر الصرف الثابت للريال السعودي، وخلال الـ12 شهراً التالية –الفترة التي استخدمها المستثمرون للمراهنة على كسر سعر الصرف الثابت للريال السعودي أو التحوط في حالة حدوث ذلك– ارتفع الريال السعودي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق ليصبح 3.85 لكل دولار في عام 2016. (سعر الربط هو 3.75.) بدلاً من اختيار تخفيض قيمة الريال السعودي، خفضت المملكة الإنفاق والإعانات وتحولت إلى أسواق الديون لتمويل عجز ميزانيتها. وقد تبنى جيرانها استراتيجيات مماثلة.

5. كيف نجحت تلك الاستراتيجيات؟

كان التقدم في تنويع الإيرادات بعيداً عن النفط متبايناً كما هو الحال مع محاولات كبح جماح الإنفاق. وقفز الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء المنطقة منذ عام 2014. وستشهد السعودية عجزها السابع على التوالي في الموازنة السنوية هذا العام والإمارات في طريقها لتسجيل عجز قياسي في الموازنة. ويشير كل ذلك إلى الحاجة إلى إجراءات اقتصادية جذرية لمكافحة الأزمة المزدوجة لانخفاض أسعار النفط والركود العالمي. وأعلن السعوديون في مايو/أيار 2020 رفع ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف وخفض مخصصات الدولة.

6. ما الدول الخليجية التي تبدو أكثر ضعفاً للمضاربين فيما يتعلق بأسعار الصرف الثابتة؟

تمتلك السعودية والإمارات والكويت وقطر القوة اللازمة لتحمل أي صدمات وذلك من خلال احتياطي العملات الأجنبية المرتفعة لديهم للدفاع عن أنظمة أسعار الصرف الثابتة. كانت هيئة النقد السعودية قد قالت في مايو/أيار 2020 أن احتياطياتها من النقد الأجنبي تغطي 43 شهراً من الواردات، حيث أكدت من جديد التزامها بالحفاظ على ثبات سعر الصرف لديها. 

ويبدو أن عُمان والبحرين هما الأكثر ضعفاً؛ نظراً لماليتهما العامة غير المستقرة واحتياطياتهما المتوترة. وبحسب صندوق النقد الدولي، تحتاج البحرين إلى سعر نفط يبلغ 95.6 دولار للبرميل لموازنة ميزانيتها، بينما تحتاج عُمان إلى سعر نفط 86.8 دولار، وهو الأعلى في دول مجلس التعاون الخليجي. لكن على الأقل، حصلت البحرين على حزمة إنقاذ بقيمة 10 مليار دولار من جيرانها الأغنياء.

7. إذاً عُمان هي الحلقة الضعيفة؟

تفتقر عمان إلى الدعم الائتماني من حلفائها الإقليميين وقد تدفع أيضاً الثمن السياسي لمقاومتها التحيز في النزاعات الإقليمية أو لرفضها دعم السياسات الخارجية للسعودية. بصفتها أكبر منتج للنفط من خارج دول منظمة أوبك في الشرق الأوسط، تواجه عُمان عجزاً في الميزانية للسنة السابعة على التوالي، حيث من المقرر أن يتوسع العجز هذا العام إلى 17.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ9.7٪ في 2019، وفقاً لمؤشرات وكالة التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد آند بورز". 

فهل هذا الأمر يصبّ في صالحها؟ هناك خوف من أن أول انهيار لنظام سعر الصرف الثابت في إحدى الدول الخليجية قد يؤدي إلى انهيار النظام برمته في دول الخليج كلها. وقالت "ستاندرد آند بورز" إنها تتوقع من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى أن تنقذ عُمان إذا هددت ضغوط السيولة الخارجية الكبيرة سعر الصرف الثابت لديها لأن أي تأثير معدي قد يضر بالمنطقة كلها.

8. ما الشيء السيئ للغاية بشأن تدهور أسعار الصرف الثابتة؟

بالإضافة إلى تحفيز المضاربين على تحدي أسعار الصرف الثابتة الأخرى، فإن أي تخفيض لقيمة العملة من شأنه أن يزيد من خطر زيادة التضخم من خلال ارتفاع تكاليف الاستيراد، وتقليل القدرة الشرائية للناس وتآكل الدخول الحقيقية. كما أنه سيقلل من قيمة المدخرات المحلية وقد يدفع تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج مع قيام المواطنين بنقل أموالهم إلى الخارج لحماية قيمتها. وبالنظر إلى أن النفط والغاز المسعرين بالدولار لا يزالان الصادرات الرئيسية، فمن غير المرجح أن تضعف اقتصادات المنطقة بسبب ضعف العملات. تشمل الخيارات المتاحة للدول بعد أسعار الصرف الثابتة الانتقال إلى سعر صرف عائم مُدار أو -بالنسبة للعملات المرتبطة بالدولار– ربط سعر الصرف للعملة المحلية بسلة من العملات المتعددة، كما فعلت الكويت في عام 2007.

تحميل المزيد