على الرغم من زيادة أعداد الوفيات بسبب وباء كورونا في الولايات المتحدة، والتحذيرات من خطر تفشي موجة جديدة أكثر فتكاً مع الاتجاه لرفع القيود الصارمة، فإن البلاد دخلت أجواء معركة الانتخابات الرئاسية مبكراً، بعد ظهور الرئيس السابق باراك أوباما في الصورة لدعم جو بايدن بايدن، ورد الرئيس دونالد ترامب بهجوم مكثف عنوانه "أوباما-جيت"، فأين يقف المرشحان للانتخابات الأبرز عالمياً هذا العام؟
ما قصة "أوباما-جيت"؟
المصطلح يعني "فضيحة أوباما"، وهو عبارة عن هاشتاغ تصدر تويتر في الأيام القليلة الماضية، بعد أن عاد ترامب لممارسة أسلوبه المفضل في التغطية على الانتقادات التي يواجهها، ووجد ضالته في سلفه أوباما ليحقق بذلك أكثر من هدف؛ تشتيت الانتباه عما يواجهه من انتقادات بسبب استجابة إدارته لوباء كورونا، التي يقول منتقدوه إنها أحد أسباب الكارثة من ناحية، ويقدم لقاعدته الانتخابية هدفاً تكرهه وتهاجمه باستمرار من ناحية أخرى، بينما ينأى بنفسه عن الجدل بعد أن يطلق شرارته.
وقد نشرت مجلة بوليتكو الأمريكية تحليلاً أمس الثلاثاء، 12 مايو/أيار، بعنوان "ترامب يعود لتكتيك الإلهاء الذي يفضله.. أوباما-جيت"، رصدت من خلاله قصة "أوباما-جيت" التي تعيد للأذهان الفضيحة الأشهر في السياسة الأمريكية، وهي "ووتر-جيت"، والتي شهدت قيام الرئيس الجمهوري الأسبق ريتشارد نيكسون بالتجسس على الحزب الديمقراطي، وهو ما أدى لمحاكمته في الكونغرس والتوصل لقرار نهائي بعزله، لكنه استبق القرار واستقال، وبالطبع لم يتعرض أوباما لفضيحة من هذا النوع ولا أي نوع آخر في الواقع، بل إن ترامب نفسه هو من تعرَّض لموقف مشابه لنيكسون بعد أن حاول الكونغرس عزله، وفشل بسبب الأغلبية الجمهورية في الكونغرس.
والقصة ببساطة هي تسريب مقطع صوتي لأوباما أثناء اجتماع أون لاين مع مسؤولين سابقين في إدارته من الديمقراطيين، بهدف دعم مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات التي ستعقد 3 نوفمبر/تشرين الثاني، انتقد أوباما خلال المقطع قيام وزارة العدل بإسقاط التهم بالكذب عن مايكل فلين مسؤول حملة ترامب الانتخابية في 2016 -في سياق التحقيقات في تدخل روسيا في تلك الانتخابات لصالح ترامب- كما وجَّه الرئيس السابق انتقادات لاذعة لأداء الإدارة الحالية في مواجهة وباء كورونا، واصفاً ذلك الأداء بأنه "فوضوي بصورة كارثية".
وكما قال تحليل بوليتيكو "التفاصيل لا تهم" بالنسبة لترامب وقاعدته الانتخابية، وهو ما يعني أن بمجرد إعادة ترامب نشر تغريدة لليمين المتطرف تستخدم الهاشتاغ "أوباما-جيت"، تصدّر الهاشتاغ تويتر داخل الولايات المتحدة، واشتعلت حرب التغريدات، ولا توجد أهمية تُذكر للحقائق أو التفاصيل في حروب منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً في ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده الولايات المتحدة، ولم يؤدِ وباء كورونا القاتل للتخفيف من حدتها، بل العكس هو الصحيح.
وبحسب تقرير اليوم الأربعاء، 13 مايو/أيار، لشبكة CNN فإن تركيز ترامب الجديد على أوباما يأتي كتشويش على وطأة الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 83 ألف أمريكي وأصاب أكثر من مليون و410 آلاف -وقت كتابة هذا التقرير- إضافة لارتفاع نسبة البطالة ثلاثة أضعاف إلى 14.7%، لكن مدى نجاح تكتيك ترامب في توجيه السهام نحو أوباما ومن قبله الصين لا يمكن الجزم به فعلياً قبل ظهور نتيجة الانتخابات، رغم أن استطلاعات الرأي الحالية تُظهر أن بايدن متقدم على ساكن البيت الأبيض الطامح إلى البقاء لفترة ثانية.
اسألي الصين!
من يتابع المؤتمرات الصحفية لترامب يلاحظ أن ترامب في معظم تصريحاته، وحتى تغريداته على تويتر، يتحدث في أي شيء باستفاضة باستثناء الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتفشي القاتل للوباء على الأراضي الأمريكية، بحسب تقرير لشبكة CNN.
على سبيل المثال، إحدى مراسلات البيت الأبيض وجَّهت سؤالاً لترامب حول تكراره الدائم لحقيقة أن الولايات المتحدة هي الدولة رقم واحد عالمياً في إجراء فحوص كورونا، وسألته: "لماذا تعتبر هذا الأمر منافسة؟ وما أهميته إذا كان الأمريكيون يموتون بأعداد كبيرة كل يوم؟"
ردُّ ترامب جاء كالتالي: "الناس يفقدون حياتهم في كل مكان حول العالم، وربما يجب أن توجهي سؤالك هذا للصين! لا تسأليني أنا، اسألي الصين! عندما تسألينهم هذا السؤال ربما تحصلين على إجابة غير معتادة بالمرة!"
وبعد فترة ذهول من جانب الجميع، وجّهت المراسلة ما يُعرف بسؤال متابعة لترامب: "سيدي، لماذا توجه لي أنا تحديداً هذا السؤال؟"، وردَّ ترامب: "هذا ردّي على سؤال خبيث كهذا!"، ثم أنهى المؤتمر الصحفي بصورة مفاجئة، تاركاً الصحفيين في حالة ذهول، ليس فقط بسبب عدوانيته الواضحة وحدته في الرد على سؤال يبدو منطقياً للغاية، ولكن أيضاً لكون المراسلة التي وجهت السؤال أمريكية من أصول آسيوية، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات الحادة للرئيس المعروف عنه تصريحاته التي يصفها منتقدوه بالعنصرية.
معركة كورونا خاسرة
في ظل عدم وجود مؤشرات على أن وباء كورونا يمكن السيطرة عليه، يواجه ترامب موقفاً صعباً مع تبقي أشهر قليلة على الانتخابات، خصوصاً أن استطلاعات الرأي لا تصب في صالحه، كما أن رغبته المعلنة في الإسراع برفع إجراءات الإغلاق الصارمة تجد مقاومة عنيفة، فقد قررت منظومة التعليم الجامعي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية إلغاء الفصل الدراسي في الخريف بسبب كورونا، كما قالت مقاطعة لوس أنجلوس إنه سيتم تمديد أوامر البقاء في المنزل لثلاثة أشهر على الأرجح.
ويأتي ذلك بعدما قال أنتوني فاوتشي كبير الخبراء في مجال مكافحة الأمراض المعدية، وأحد أعضاء خلية كورونا التابعة للبيت الأبيض أمام الكونغرس إن رفع القيود الصارمة قد يؤدي إلى موجات تفشٍّ جديدة للمرض، وفي أحد أوائل المؤشرات على أن تأثير الوباء سيستمر خلال فصل الخريف، قال تيموثي وايت مستشار المنظومة الجامعية في كاليفورنيا، وهي الأكبر في البلاد، إن الدراسة في 23 حرماً جامعياً بالولاية ستتوقف خلال الفصل الدراسي، الذي يبدأ في سبتمبر/أيلول، على أن تتحول المحاضرات إلى الإنترنت.
وأضاف في بيان "جامعاتنا، عندما تفتح بلا قيود وبالحضور الكامل وبالشكل المعتاد لها.. مكان يتجمع فيه 500 ألف شخص على مقربة من بعضهم البعض وبشكل يومي"، وتابع "هذا التصور ليس في الإمكان الآن للأسف".
وعبرت مديرة الصحة في مقاطعة لوس أنجليس باربرا فيرير عن توقعات قاتمة أيضاً، وقالت إن القيود التي تُلزم سكان المقاطعة، وعددهم عشرة ملايين نسمة بما في ذلك مدينة لوس أنجلوس، بالبقاء في بيوتهم، ستظل قائمة على الأرجح بشكل ما خلال الصيف.
استطلاعات الرأي لصالح بايدن
وفي دليل واضح على تزايد عدد الأمريكيين المنتقدين لترامب بسبب كارثة الوباء، أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس، أمس الثلاثاء 12 مايو/أيار، تخلف الرئيس الأمريكي عن بايدن بفارق ثماني نقاط مئوية بين الناخبين المسجلين.
وأظهر الاستطلاع الذي أُجري على مدار يومين (الإثنين والثلاثاء) أن 41% من الأمريكيين البالغين أيّدوا أداء ترامب في المنصب، في تراجع أربع نقاط عن استطلاع مماثل أُجري في منتصف أبريل/نيسان، ولم يؤيد 56% ترامب، بزيادة قدرها 5% في الفترة الزمنية ذاتها.
كما وجد الاستطلاع أن 46% من الناخبين المسجلين قالوا إنهم سيؤيدون بايدن في الانتخابات الرئاسية، بينما سيصوت 38% فحسب لترامب، وكان بايدن متفوقاً بنقطتين مئويتين فقط في استطلاع رويترز/إبسوس في الأسبوع الماضي.
الاستطلاعات تشير إلى أن انتقاد الأمريكيين لطريقة معالجة ترامب للأزمة الصحية يتزايد، ووفقاً لاستطلاع الرأي، فإن الذين لا يوافقون على أداء ترامب في إدارة الاستجابة للوباء في البلاد يفوق عدد الموافقين على أدائه بنسبة 13%، وهو أعلى مستوى لعدم التأييد منذ أن بدأ استطلاع الرأي يطرح هذا السؤال، في مطلع مارس/آذار، ويتقدم بايدن عادة على ترامب في استطلاعات الرأي هذا العام، لكن تقدمه كان يتقلص بشكل مطرد حتى هذا الأسبوع.
لكن النقطة التي تصبُّ في صالح ترامب هي أن الرأي العام يراه أقوى في توفير الوظائف، بينما بايدن ملائم أكثر في التعامل مع قضايا الصحة، وأظهر استطلاع الرأي أن الجمهور منقسم بشأن المرشح الذي سيكون أفضل في التعامل مع الاستجابة لجائحة فيروس كورونا.