قبل بضعة أشهر، كانت إسرائيل وبعض الدول العربية تمهد لشراكة في الطاقة تحمل فرصاً للتعاون الاقتصادي بين الجيران الذين كانوا أعداء في السابق، لكن اليوم فإن فيروس كورونا يعيد رسم خارطة الغاز الطبيعي في العالم.
بدأت إسرائيل في بيع الغاز الطبيعي لمصر، التي بدورها أعادت فتح محطتين لتصدير الغاز، لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد حاجتها إليها وفتح طريق لمرور الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.
وكان لبنان يستعد لحفر أول آباره البحرية للغاز بعد سنوات من التأجيل. وانضم ممثلون فلسطينيون إلى منتدى إقليمي مع مسؤولين من إسرائيل ودول أخرى لزيادة صادرات الطاقة إلى أوروبا.
لكن جائحة فيروس كورونا عرقلت كل تلك الجهود فجأة، ما أدى إلى تأجيل عمليات الحفر والتصدير، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
الناقلات المحمّلة بالغاز تطفو دون وجهة.. كورونا يعيد رسم خارطة الغاز الطبيعي في العالم
انخفضت أسعار الغاز، المنخفضة أصلاً بعد شتاء دافئ نسبياً في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وامتلأت مرافق التخزين عن آخرها. وقلصت شركات النفط والغاز العالمية المتعثرة ميزانياتها الاستثمارية، وأوقفت مشاريعها.
وقد تجاوز الضرر الذي لحق بتجارة الغاز منطقة الشرق الأوسط، ليلحق بشركات أخرى من أستراليا إلى ساحل الخليج الأمريكي. وعرقلت الجائحة التوسع العالمي الممتد على مدى عقدين من الزمن في الغاز الطبيعي، الذي يستخدم بديلاً للفحم في إنتاج الكهرباء والتدفئة بل وحتى يتنافس مع النفط لاستخدامه وقوداً للنقل في بعض البلدان النامية.
والآن تتوقف الناقلات التي تحمل الغاز في صورته السائلة المضغوطة المبردة دون حراك قبالة سواحل أوروبا، حيث تعود المصانع والشركات تدريجياً إلى العمل مجدداً، إذا عادت، ويضطر العديد من الناس إلى البقاء في المنزل إلى حين انتهاء الجائحة.
مشروعات بقيمة 50 ملياراً تم وقفها
تقول ليزلي بالتي جوزمان، رئيسة شركة GasVista للأبحاث والاستشارات: "مسار فيروس كورونا مجهول بدرجة كبيرة فيما يتعلق بتأثيره الاقتصادي والمالي وتغييرات السياسة التي تمكننا من إدارة التداعيات. لكنه يشكل خطراً غير مسبوق على الغاز الطبيعي والطلب والاستثمارات".
وقد تأجلت قرارات الاستثمار الخاصة بمحطات مقترحة لتصدير الغاز الطبيعي المسال تقدر قيمتها بمليارات الدولارات -ويمكن أن يستغرق التخطيط لها والموافقة عليها وبناؤها عقداً من الزمن- في أستراليا وموزمبيق وقطر وموريتانيا والسنغال والولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة.
ويقدّر المسؤولون التنفيذيون في صناعة الغاز أن استثمارات تزيد قيمتها على 50 مليار دولار ستتأجل هذا العام والعام المقبل. كما أدى تفشي فيروس كورونا إلى انقطاع سلاسل التوريد وتسبب في نقص القوى العاملة، وهو ما أدى إلى تأجيل بناء المشاريع المعتمدة في كندا والولايات المتحدة وإندونيسيا.
وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار في المستقبل، والأمريكيون من أكبر الخاسرين
وحتى إذا كانت تأجيلات الاستثمار والبناء مؤقتة، فقد ينتج عنها نقص في الغاز ورفع الأسعار خلال السنوات المقبلة من هذا العقد.
وفقدت الشركات الأمريكية المصدرة للغاز، التي كان بإمكانها تقديم أسعار للعملاء أقل من الموردين في قطر وأستراليا، هذه الميزة منذ انخفاض أسعار الغاز في آسيا وأوروبا. واستفادت الدول الأوروبية من العقود المرنة التي أبرمتها مع الشركات الأمريكية المصدرة للغاز الطبيعي المسال وألغت الطلبيات.
تقول شركة Cheniere التي يوجد مقرّها في هيوستن، وتعد أبرز الشركات الأمريكية المنتجة والمصدرة للغاز، إن قرارها النهائي بشأن توسّعها الضخم في محطة تصدير خارج مدينة كوربوس كريستي بولاية تكساس، متوقف الآن على إمكانية إبرام عقود كافية مع المشترين الأجانب.
وأعلنت شركة Sempra Energy في سان دييغو، يوم 4 مايو/أيار أنها ستؤجل القرار النهائي لبناء محطة تصدير في بورت آرثر بولاية تكساس، حتى العام المقبل. وقبلها، أجلت شركة تكساس للغاز الطبيعي المسال قراراً نهائياً بشأن محطة مقترحة في مدينة براونزفيل بولاية تكساس، وانسحبت شركة Royal Dutch Shell من مشروع مشترك في مدينة ليك تشارلز بولاية لويزيانا مع شركة Energy Transfer.
والهند تشتري الغاز الرخيص، ولهذا السبب روسيا وقطر في موقف أقوى نسبياً
شجع انخفاض أسعار الغاز دولاً مثل الهند، التي تعتمد على واردات الطاقة، على شراء المزيد منه. وترتب على ذلك جزئياً انخفاض مبيعات الغاز العالمية بشكل طفيف فقط في الأسابيع الأخيرة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاضاً عالمياً في استهلاك الغاز بنسبة 5% عام 2020.
أما روسيا فتمتلك بالفعل شبكة خطوط غاز عالمية قوية وتعمل على زيادة إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال بحوافز ضريبية. وتأمل قطر أيضاً في مواصلة توسيع الصادرات، إلى جانب التأثير السياسي الذي تمنحه إياها مبيعات الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حتى مع انخفاض عائداتها.
لكن في شرق المتوسط، مصر تتخذ قراراً يؤلم إسرائيل
إلا أن منطقة شرق المتوسط، حيث علّق القادة السياسيون آمالهم الاقتصادية والجيوسياسية على ازدهار صناعة الغاز، هي الأكثر تأثراً بالآثار الحادة والمباشرة لانخفاض صادرات الغاز.
إذ أغلقت مصر مؤخراً محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال وألغت صفقة لإعادة فتح أخرى. وأوقفت مصر أيضاً جميع صادراتها من الغاز المسال لنقص أسواقه المربحة. وقد أثر ذلك سلباً على إسرائيل، التي كانت تأمل في تصدير ثرواتها المكتشفة حديثاً من الغاز عبر المحطات المصرية، وقد أجلت شركة واحدة على الأقل عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي على طول الساحل الإسرائيلي. وبعد أن تبين خلو أول الآبار التي حفرها لبنان قبالة سواحله من الغاز أو النفط، تأجل مزاد على الاستثمار الأجنبي في المستقبل بسبب قلة الاهتمام بالصناعة.
يقول نيكوس تسافوس، خبير الغاز الطبيعي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد كانت هذه الدول على وشك تحول إقليمي كبير، وهي الآن لا تعرف ما سيحدث. يتساءل الناس: هل تأخرت التنمية، وهل ستحدث أصلاً؟ هذا ما أستشعره على المستوى الدولي والإقليمي".