التعديلات التي أدخلها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على قانون الطوارئ شهدت منح صفة الضبطية القضائية لضباط وضباط صف القوات المسلحة لأول مرة بحسب أحكام القانون المعمول به منذ أكثر من 6 عقود، فما علاقة ذلك بفيروس كورونا الذي تشهد الإصابات به ارتفاعاً ملحوظاً في البلاد في الأيام الأخيرة؟
ما الجديد في قانون الطوارئ هذه المرة؟
أمس الأحد نشرت الجريدة الرسمية في مصر تفاصيل قرار السيسي بتعديل بعض أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ، بعد موافقة مجلس النواب عليه، علماً بأن مصر تعيش في ظل قانون الطوارئ ذاته منذ أبريل/نيسان 2017.
تضمن القرار تعديل الفقرة الأولى من المادة الرابعة بالقانون بالنص التالي: "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه ويكون لها صفة الضبط القضائي، وتختص النيابة العسكرية بالتحقيق المبدئي في أيٍّ من المخالفات لأحكام هذا القانون مع عدم الإخلال باختصاصاتها، وتختص النيابة العامة في جميع الأحوال دون غيرها بالتصرف النهائي في التحقيق"، بحسب موقع مصراوي.
ماذا تعني الضبطية القضائية؟
الضبطية القضائية في القانون المصري هي صفة يتمتع صاحبها بصلاحيات ضبط مرتكبي الجرائم وجرى تحديد مأموري الضبط القضائي على سبيل الحصر في المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، وهؤلاء ينقسمون إلى طائفتين: طائفة مأموري الضبط الذين لهم الضبطية القضائية تجاه جميع أنواع الجرائم، وطائفة مأموري الضبط الذين ليس لهم الضبطية إلا تجاه جرائم معينة متعلقة بوظائفهم الأساسية.
ويتمتع مأمور الضبط القضائي بصلاحياته حتى في غير أوقات العمل الرسمية والإجازات، حيث يجوز للضابط القبض على المتهم وتحرير محضر بالواقعة يوم إجازته الرسمية، والمقصود هنا هم ضباط الشرطة أو قوات الأمن التابعين لوزارة الداخلية وأمناء الشرطة ولا تنطبق تلك الصفة على الجنود أو الأفراد.
أما مأمور الضبط القضائي ذو الاختصاص المحدد فهؤلاء يحصلون على الصفة بقرار من وزير العدل وتكون مرتبطة بجرائم محددة في نطاق وظيفتهم، مثل المهندسين التابعين للأحياء أو من يعرفون بمهندسي التنظيم ومفتشي الصحة ومساعديهم ومفتشي الأغذية وأعضاء هيئة الرقابة الإدارية وبعض موظفي الجمارك.
الطوارئ وفيروس كورونا
ينصّ الدستور المصري الحالي على أنه لا يجوز فرض حالة الطوارئ لأكثر من ثلاثة أشهر تجدد لمرة واحدة بنفس المدة بإجمالي 6 أشهر، وفي حالة أراد رئيس الجمهورية مدّها لفترة أطول يتم إجراء استفتاء شعبي، لكن منذ فرضها لأول مرة في أبريل/نيسان 2017، لكن الرئيس المصري اعتاد ترك فاصل زمني بعد تلك المدة، قد يكون يوماً واحداً أو عدة أيام، ثم يقوم بفرض حالة الطوارئ من جديد لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجديدها لثلاثة أشهر أخرى، واستمر ذلك حتى الآن.
وتزامن تجديد حالة الطوارئ مع تفشي وباء كورونا في البلاد وهو ما أدى لإجراء تعديلات على مواد القانون، شملت إلى جانب منح الضبطية القضائية لضباط وضباط صف القوات، إضافات أخرى تتعلق بتعليق الدراسة جزئياً أو كلياً وإجراءات أخرى متعلقة بتأجيل أو تقسيط سداد بعض فواتير الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.
رسالة للمستشفيات الخاصة؟
لكن الفقرة الأكثر ارتباطاً بالفيروس تتعلق بالمستشفيات الخاصة وتنصّ على "إلزام بعض أو كل المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية التخصصية والمعامل، في حالات الطوارئ الصحية ولمدة محددة، بالعمل بكامل أطقمها الفنية وطاقتها التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية بصفة عامة أو لحالات مرضية مشتبه في إصابتها بأمراض محددة، وذلك تحت الإشراف الكامل للجهة الإدارية التي يحددها رئيس الجمهورية، وتحدد هذه الجهة أحكام التشغيل والإدارة، والاشتراطات والإجراءات التي يتعين على المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية التخصصية والمعامل الإلتزام بها وآليات مراقبتها في تنفيذها".
يسمح هذا التعديل للحكومة باستخدام المستشفيات الخاصة لمواجهة الأعداد المتزايدة من المصابين بوباء كورونا القاتل، في ظل الحالة المتردية للمستشفيات العامة التابعة لوزارة الصحة، وكانت اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية لدراسة إجراءات الاستعداد للوباء قد رصدت في تقريرها أن "المستشفيات التابعة لوزارة الصحة وضعها سيئ لدرجة لا يمكن الاعتماد عليها حال تفاقم انتشار فيروس كورونا"، بحسب حديث أحد أعضاء اللجنة المكلفة بوضع خطة مصر لمواجهة تفشي الوباء لعربي بوست في مارس/آذار الماضي.
يأتي هذا في وقت تشهد فيه أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا في مصر زيادة لافتة منذ بداية مايو/أيار الجاري، مقارنة بشهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، حيث بلغ إجمالي الإصابات 9400 حالة حتى أمس الأحد 10 مايو/أيار، رغم أن العدد استغرق أكثر من 6 أسابيع للوصول لألف إصابة منذ تسجيل الحالة الأولى في 15 فبراير/شباط حتى بداية أبريل/نيسان، بينما تم تسجيل نحو 4000 حالة في 10 أيام فقط من الشهر الجاري.
الزيادة المطردة لأعداد الإصابات دفعت قيادات طبية إلى مناشدة الحكومة فرض حظر كامل في مصر، عكس توجهات الحكومة نحو تخفيف الإجراءات الاحترازية والمضيّ قدماً نحو عودة الحياة الطبيعية بعد عيد الفطر.
وفي ضوء إصرار أصحاب المستشفيات الخاصة في مصر على تقديم الحكومة ضمانات لهم بأنها ستدفع مقابل استخدام المنشآت الطبية الخاصة بهم لعلاج وعزل مصابي الوباء، يمكن تفسير التعديلات التي تم إدخالها على قانون الطوارئ، خصوصاً أن مستشفيات كبرى مثل "القصر العيني الفرنساوي" (مستشفى حكومي كبير تابع لجامعة القاهرة لكنه ليس مجانياً كمستشفى القصر العيني الرئيسي) رفضت إخلاء وتجهيز أدوار قبل عقد اتفاق ماليّ واضح مع الحكومة، بحسب تصريحات عضو اللجنة لـ"عربي بوست".
"المشكلة التي تواجهنا" -والحديث لعضو اللجنة- "هي تسوية الوضع مالياً مع مستشفيات القطاع الخاص، فحتى الآن لم تخصص ميزانية محددة لذلك البند، وعليه فليس محسوماً هل سيتم الدفع لهم نقداً، أم سيتم خصم قيمة الفواتير من إجمالي ضرائب المستشفى، أم ستقرر الدولة وضع يدها على تلك المستشفيات مؤقتاً لحين انتهاء الأزمة؟".
لكن كيف يمكن تفسير الضبطية القضائية؟
جميع البنود التي تمت إضافتها لقانون الطوارئ من جانب الرئيس المصري يمكن قراءتها وتفسيرها في إطار جهود الحكومة واستعدادها لمعركة وباء كورونا التي تزداد خطورة يوماً بعد يوم، باستثناء منح الضبطية القضائية لضباط القوات المسلحة، والتي لا يبدو أن لها علاقة مباشرة بحرب الوباء وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يتم فيها منح تلك الصفة لرجال الجيش من خلال قانون الطوارئ.
واللافت هنا أنه عندما فرضت مصر حظر التجول الجزئي في بداية إجراءاتها الاحترازية لكبح جماح عدوى الوباء في مارس/آذار الماضي، تولت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية المهمة بشكل كامل دون أن يكون لقوات الجيش أي دور، ولم يتغير الوضع على الأرض حتى اليوم، فلماذا يحتاج ضباط الجيش الضبطية القضائية لتأدية مهام ليست موكلة لهم بالأساس؟
يفسّر البعض الخطوة بأنها استباقية من جانب الرئيس توقعاً لازدياد الوضع سوءاً مع ارتفاع حالات الإصابة بصورة أكبر، خصوصاً مع التوجّه لفتح البلاد وإلغاء حظر التجول الجزئي بعد عيد الفطر أي خلال أقل من أسبوعين، وهو ما قد يستدعي نشر بعض قوات الجيش في المناطق التي يخشى فيها من اندلاع تظاهرات بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة.
وبالعودة لنصّ البند الخاص بتعديل قانون الطوارئ في هذه النقطة، نجد أنه يتفق مع ذلك التفسير إلى حد كبير، حيث يقول: "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو مَن يقوم مقامه، فإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي، وتختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة. ويجوز لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أن يسند الاختصاص بالتحقيق الابتدائي في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون إلى النيابة العسكرية. ومع عدم الإخلال باختصاصات النيابة العسكرية تختص النيابة العامة في جميع الأحوال دون غيرها بالتصرف النهائي في التحقيق".
البعض الآخر يرى أن منح الضبطية القضائية لضباط الجيش يصبّ في إطار الرسالة المراد توصيلها لأصحاب المستشفيات الخاصة الذين يرفضون التعاون مع خطة الحكومة التي تهدف لمكافحة الوباء أو يشترطون أن تدفع الحكومة أولاً، حيث إن منح الضبطية للجيش يعني أنه لا مجال للتفاوض في هذا الوقت الذي تواجه فيه الحكومة كارثة الوباء ومخاطر تفشيه على نطاق واسع، مع التداعيات الاقتصادية الخانقة.