بعد ردود الفعل الدولية الواسعة الرافضة لانقلاب خليفة حفتر، وتنصيب نفسه حاكماً على ليبيا، والاستهجان المحلي والإقليمي حتى من الدول الداعمة له، لجأ اللواء المتقاعد إلى الإعلان عن إيقاف جميع العمليات العسكرية من جانبه.
وجاء هذا الإعلان، يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان، استجابةً لما سماها المتحدث باسم قوات حفتر "دعوات المجتمع الدولي والدول الشقيقة كهدنة إنسانية خلال شهر رمضان".
لكن يبدو أن هناك أهدافاً أخرى لهذا الإعلان، إذ تأتي هذه الهدنة لكسب الوقت والتقاط الأنفاس والتغطية على الخسائر المتتالية؛ في محاولة لترتيب صفوفه العسكرية وجلب مزيد من المقاتلين المرتزقة بعد الهزائم المتتالية التي تلقاها في الأسبوعين الماضيين، على يد قوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني.
حفتر يستعد لتحصين سرت
وأوضحت مصادر عسكرية في شرق ليبيا لـ"عربي بوست"، أن خليفة حفتر ينوي تحصين قواته في مدينة سرت وقاعدة الجفرة وإحكام السيطرة عليهما.
يأتي هذا بعد حصار قوات الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق قواته في مدينة ترهونة، ومنع وصول الإمدادات إليها.
ويأتي تحصين هذه المناطق؛ من أجل قطع الطريق على قوات حكومة الوفاق للتحرك نحو منطقة الهلال النفطي شرق سرت، ومناطق الآبار النفطية، لأن خسارة هذه المناطق تعني فقدان حفتر ورقة النفط التي يضغط بها، بعد رفض حكومة الوفاق الوطني المشاركة في أي مفاوضات يكون فيها خليفة حفتر.
وكشف آمر اللواء الأول مشاة، المقدم مصطفى المجدوب، لـ"عربي بوست"، أن قوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق تستعد لشن هجوم كبير للسيطرة على محاور جنوب طرابلس ومدينة ترهونة، آخر معاقل اللواء المتقاعد خليفة حفتر غرب ليبيا.
وأكد المجدوب أن العمليات العسكرية لن تتوقف وستستمر حتى مدن سرت والهلال النفطي وشرق ليبيا بالكامل، موضحاُ أن أغلب التجهيزات العسكرية واللوجيستية جاهزة وبانتظار أوامر القيادة العسكرية للتحرك.
حفتر يسعى لكسب الوقت
وصرح مصدر عسكري تابع لعملية الكرامة التابعة لحفتر، لـ"عربي بوست"، بأن قوات خليفة حفتر تكبدت خسائر بشرية كبيرة في محاور جنوب طرابلس وتخوم مدينة ترهونة بعد أن شنت قوات حكومة الوفاق هجوماً عليها حققت خلاله تقدماً في محاور المشروع والخلة وصلاح الدين والشريدات وسوق الجمعة بمدينة ترهونة.
هذا يعني حاجة حفتر لمزيد من المقاتلين لتحصين تلك المناطق، خصوصاً في ظل تذمر بعض القيادات والموالين له بالمنطقة الشرقية، وهو ما يعني حاجته لمزيد من المقاتلين والأسلحة.
وأوضح مصطفى المجدوب أن إعلان حفتر عن الهدنة في هذا التوقيت له أسباب متعددة، أبرزها أنه يعمل على معالجة التناقص المطرد في المخزون الاستراتيجي له من العتاد والوقود والذخيرة، ويسعى لتوفير الوقت الكافي لوصول الدعم الذي ينتظر أن يحصل عليه بشكل ما. وهنا يأتي دور الإمارات.
الإمارات تحشد مرتزقة جدداً
فقد كشفت مصادر صحفية أن مسؤولين إماراتيين وصلوا إلى الخرطوم يوم الثلاثاء 28 أبريل/نيسان، في زيارة سرية؛ لبحث دعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بمزيد من المقاتلين المرتزقة، في حين أعلنت قوات حفتر، مساء الأربعاء، وقف جميع العمليات العسكرية من جانب واحد في محاور العاصمة طرابلس.
وبحسب المصادر، فإن مسؤولين بارزين بدولة الإمارات، على رأسهم مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، كانوا على متن الطائرة، التي حطت في الجزء العسكري من مطار الخرطوم، مؤكدة أن المسؤولين الإماراتيين جاؤوا إلى الخرطوم للتباحث في آلية تقديم الدعم لحفتر، وإرسال مقاتلين سودانيين لدعم قواته.
وأشارت المصادر إلى أن طائرة خاصة أخرى تحمل عدداً من المسؤولين الإماراتيين رفيعي المستوى، حطت في مطار الخرطوم يوم السبت الماضي، قادمة من مطار دبي، ومكثت نحو ساعتين، ثم غادرت إلى جمهورية تشاد.
وبعد 3 أيام من انقلاب خليفة حفتر المتلفز، جاء إعلان وزارة خارجية دولة الإمارات تمسكها بالعملية السياسية للأزمة الليبية عبر مسار مؤتمر برلين وتحت إشراف الأمم المتحدة، وتنديدها بما سمَّته بالتدخل التركي في ليبيا الذي جاء بعد الاتفاقية التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
ويأتي هذا الإعلان الإماراتي متأخراً بشكل واضح عن بقية الدول المرتبطة بليبيا، والتي أعلنت عن مواقفها الرافضة لخطة حفتر تباعاً مثل واشنطن والاتحاد الأوروبي وموسكو والقاهرة.
خطة جديدة من أجل التفاوض
وأوضح المحلل السياسي مصطفى المهرك لـ"عربي بوست" أن حفتر يريد إثبات أنه هو فقط من يمثل المنطقة الشرقية، ليكون هو الطرف الأساسي لأي مفاوضات قادمة في المستقبل.
وأضاف المهرك أن خسارة حفتر لمدينة سرت "واردة جداً"، فالتركيبة القَبَلية في سرت جلها لا تؤيد حفتر، باستثناء أبناء عمومته، بل هي من مؤيدي أنصار النظام السابق.
وأضاف أن حجم قوات حكومة الوفاق المتمركزة في المحور الشرقي لمصراتة (المدينة الأولى في مواجهة سرت) تشكل تهديداً خطيراً لحفتر، إضافة إلى الحليف التركي الذي أصبح معرقلاً أساسياً لدول أوروبا الداعمة للانقلابيين في ليبيا.
واعتبر المهرك أن من يقوم بقصف الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين بصواريخ الجراد وقذائف الهاون فيقتل الأطفال والنساء ويدمر "لا يعرف شيئاً عن الإنسانية".
أسباب متعددة للهدنة
وأضاف المهرك أن إيصال إمدادات حفتر العسكرية واللوجستية من الشرق إلى الغرب أصبحت في غاية الصعوبة، لأن طيران الوفاق تمكن من السيطرة الجوية، وأصبحت جل الإمدادات هدفاً للطيران، فمنعت عن قواته البنزين والذخائر، وهذا يعتبر تغيراً كبيراً في مسار الحرب.
وأوضح أن ما يطلبه خليفة حفتر الآن هو استراحة محارب كي يجلب مزيداً من المرتزقة ليتمكن من إيصال مؤن وذخائر إلى مدينة ترهونة، آخر معاقل ميليشياته في الغرب الليبي، بعد فقده مدينة صرمان وصبراتة وعدة مدن أخرى.
هنا أوضح آمر اللواء أول مشاة في قوات حكومة الوفاق، مصطفى المجذوب، أن حفتر يسعى لامتلاك قدرات فنية يمكنه من خلالها أن يخفف من مخاطر هجمات الطيران المسير.
وأوضح أن حفتر يريد إعطاء الفرصة لإعادة التوازن النفسي والمعنوي لقواته المرابطة في الغرب الليبي، وسط مخاوف من انهيار قواته الموجودة في جبهة ترهونة وطرابلس والوطية تحت وطأة الضغوط المستمرة.
كذلك يسعى حفتر للتفرغ لترميم وترتيب البيت الداخلي على أثر التناقض الحاصل بين مناصريه من القبائل حول عملية التفويض. وخارجياً سيحاول العمل على معالجة الآثار السياسية الناجمة عن الإعلان على إسقاط الاتفاق السياسي، على مستوى الداعمين وبقية المجتمع الدولي.
وأشار المهرك إلى الدور الذي وصفه بالواضح والصريح لدولة الإمارات في دعم حفتر عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، واعتبر زيارة بعض المسؤولين من الإمارات لدولة السودان في الأيام الماضية يعطي مؤشراً كبيراً لعملية جلب مرتزقة جدد لدعم صفوف حفتر.
حفتر يلجأ لورقة التقسيم
وذكر المهرك أنه سيطرة قوات الوفاق على ترهونة وقاعدة الوطية سيلجأ خليفة حفتر إلى التلويح بورقة التقسيم بشكل معلن، في خطة بديلة؛ للحفاظ على نفسه من السقوط سياسياً وعسكرياً.
وفي السياق ذاته علم "عربي بوست" من مصادر مطلعة، أن القيادة العامة التابعة لخليفة حفتر تستعد للإعلان قريباً عن تفاصيل مخططها لإدارة شؤون البلاد.
ووفق المصادر، فإن خليفة حفتر سيعلن عن تشكيل مجلس سيادي من شخصيات عسكرية ومدنية، يتولى قيادة البلاد في فترة انتقالية مدتها عامان، وبصلاحيات محددة من خلال إعلان دستوري تم إعداده.
كما يُنتظر أن يتم الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة مؤقتة، تضم شخصيات مدنية وأخرى عسكرية، أبرز مرشحيها لرئاسة الحكومة عبدالرحمن العبار العميد السابق لبلدية بنغازي.
وقال الناطق باسم ميليشيات حفتر، اللواء أحمد المسماري: "إن ليبيا تشهد بداية عصر جديد، وإنهم ينتظرون الخطوة التالية من القائد خليفة حفتر"، موضحاً أنه "خلال ساعات أو أيام، سيتم إعلان ملامح العصر الجديد"، حسب المسماري.