كورونا يهدد الأمن الغذائي الخليجي.. هل تنجح دول مجلس التعاون في تفادي هذه الكارثة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/28 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/28 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
انطلقت اجتماعات القمة الخليجية الأربعين التي تُعقد في العاصمة السعودية الرياض.

مطلع عام 2020، أضحت جائحة كورونا الأزمة العالمية الأولى على كافة المستويات، في مقدمتها المستوى الاقتصادي.

الأزمة الاقتصادية العالمية جرّاء تداعيات كورونا لا يكاد اقتصاد أي دولة في العالم إلا وتأثر بها بشكل أو بآخر، ومنها اقتصاديات الدول الخليجية الست.

الأزمة الاقتصادية "المتوقعة"، التي تتخوف منها دول مجلس التعاون الخليجي، ترتبط بأزمات أخرى، أهمها تراجع أسعار النفط في السوق العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، وتعطيل الكثير من القطاعات الحيوية لمواجهة فيروس كورونا.

مشهد لاجتماع قادة مجلس التعاون الخليجي بالرياض/ رويترز

وبشكل عام تعتمد اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة كبيرة على إيرادات تصدير النفط والغاز إلى العالم.

وتراجعت أسعار النفط إلى أقل من 11 دولاراً للبرميل الواحد بسبب "التنافس النفطي" بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة بعد انهيار التوافق داخل مجموعة دول "أوبك+" على تحديد حصص الإنتاج، ومحاولة كل دولة من الدول المنتجة الثلاث الاستحواذ على النسبة الأكبر من النفط المصدّر إلى الحد الذي أدى إلى زيادة في العرض وامتلاء معظم الخزانات الاستراتيجية، وبالتالي ضعف الإقبال على الشراء.

ويعد القطاع الاقتصادي وتنميته وتعزيز قدراته العامل الأهم في تحقيق الأمن المجتمعي الذي يشكل الأمن الغذائي أبرز مقوماته.

تخوفات من تدني مستويات الأمن الغذائي 

ومنذ عقود تبدي دول مجلس التعاون الخليجي تخوفاً من تدني مستويات الأمن الغذائي.

وتضع منظمة الأغذية والزراعة العالمية تعريفاً مبسطاً للأمن الغذائي بوصفه "جزءاً من البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتمكين جميع الناس في جميع الأوقات من الوصول إلى غذاء كاف وآمن ومغذٍّ يغطي الاحتياجات الشخصية للتمتع بوضع صحي جيد".

مزارع سوداني يقف في مزرعته التي تغذيها مياه النيل/ Getty

وطيلة عقود، لم يشكل الأمن الغذائي مشكلة حقيقية لدول مجلس التعاون نتيجة لارتفاع القوة الشرائية للمواطن، ولوفرة مواردها الاقتصادية والمالية قياساً إلى عدد سكانها الأصليين، وقدرتها على توفير النسبة الأكبر من الغذاء من موردين إقليميين ودوليين لسد النقص في الإنتاج المحلي، وهو في الغالب يشكل النسبة الأقل.

وحسب مؤشرات الأمن الغذائي العالمي، فإن التقارير الصادرة عام 2018 صنّفت دول مجلس التعاون الخليجي الست ضمن الأكثر أماناً بين الدول العربية، وهي من بين الدول الأكثر أماناً في العالم على مستوى الأمن الغذائي العالمي.

تحديات الأمن الغذائي

وتعاني معظم الدول العربية، بما فيها الخليجية، تحديات متعددة الأبعاد تتعلق بالنمو السكاني السريع غير المتوافق مع زيادة الإنتاج السلعي الزراعي والحيواني اللازم لتحقيق الاكتفاء الغذائي.

فضلا عن التراجع في كميات المياه سواء مياه الأنهار أو المياه الجوفية أو مياه الأمطار، إلى جانب غياب رؤية استراتيجية لتجاوز مخاطر عدم تحقيق الأمن الغذائي.

ولا يبدو أن الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية المنتجة سواء الزراعية أو الحيوانية كفيلة بتحقق متطلبات الأمن الغذائي، ما لم تتخذ هذه الدول خطوات متزامنة تبني أسساً سياسة عامة لمنع تراجع مستوى الاستهلاك الغذائي إلى مستويات دون الحد الأدنى وفق معايير منظمة الغذاء العالمية والصحة العالمية.

ضعف أداء الأنظمة السياسية وغياب الاستراتيجية الواضحة

منذ ثمانينيات القرن الماضي تبنت الكثير من الدول العربية تخصيص حصة أعلى من موازنتها للاستثمار في القطاع الزراعي وتنميته، لتبديد مخاوف الاعتماد على الاستيراد وتبعاته على الأمن الوطني لكل دولة واحتمالات ممارسة ضغوط تنعكس على القرار السيادي.

لكنّ ضعف أداء الأنظمة السياسية والمؤسسات التابعة لها يتفوق في تعطيل حركة التنمية والاستثمار على عوامل وفرة رأس المال والتقنيات الخاصة.

بيد أن ضمان الأمن الغذائي في حقيقته لا يعتمد فقط على الإمكانيات المالية "العالية" لدول مجلس التعاون في تحقيق الاكتفاء الذاتي أو الجزء الأكبر منه، والاعتماد على الاستيراد لتلبية ما تبقى من الحاجات الغذائية لسكان الدول الست، سواء الأصليون أو المقيمون والوافدون.

إجراءات خاصة في دول الخليج لمواجهة فيروس كورونا/ رويترز

في السعودية مثلاً، رغم أنها الدولة الأكبر من حيث عدد السكان والموارد الاقتصادية والمساحة، لكنها اتخذت قراراً في 2016 بالتخلص التدريجي من إنتاج القمح لعدم استنفاد كامل احتياطياتها من المياه الجوفية اللازمة لأغراض أخرى، كالصناعة وتوفير مياه الشرب الصالحة وغيرها، حيث يرتبط الغذاء بالماء ارتباطاً جدلياً.

وقد تكون ندرة المياه في بعض الدول من أسباب تدني مستوى الأمن الغذائي، ما يدفع باتجاه التركيز على استيراد المواد الغذائية، كبديل عن استثمار الأراضي الصالحة للزراعة، فضلاً عن منع استهلاك كميات من الماء تظل الحاجة إليها للاستهلاك البشري أكثر إلحاحاً من الحاجة للإنتاج الزراعي.

ويسود طقس حار في دول مجلس التعاون الخليجي معظم أيام السنة إلى جانب انخفاض مستويات هطول الأمطار وندرة مياه الأنهار وعدم وجود كميات ضخمة من المياه السطحية وغيرها من العوامل التي تضع دول المجلس في تصنيف الدول الأكثر فقراً من حيث حصة الفرد من الموارد المائية بالقياس إلى عدد السكان.

أزمة ومحاولات للنهوض

ويتزايد القلق بين الدول الخليجية من خطورة تراجع مستوى الأمن الغذائي عن المستويات الاعتيادية، وضرورة العمل داخل مجلس التعاون على تشكيل منظومة إقليمية تعنى بالحد من المخاطر.

ويولي مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981 أهمية بالغة لما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي.

لكن المجلس سجل الاهتمام الأكبر بهذا الجانب بعد أن مرّ العالم عامي 2007 و2008 بأزمة اقتصادية نتج عنها "طفرة" غير متوقعة في أسعار الغذاء في السوق العالمي بسبب ارتفاع أسعار النفط الذي يشكل النسبة الأكبر من الإيرادات الخليجية.

أدركت في حينه دول مجلس التعاون الخليجي حقيقة غياب سياسة أو استراتيجية بعيدة المدى لتحقيق الأمن الغذائي.

شركتان سعودية وفرنسية توقعان اتفاقاً لتصنيع سفن حربية وغواصات بالمملكة
صورة أرشيفية/رويترز

على المستوى القطري، منذ عام 2009 اتخذت دولة قطر بعض الخطوات لتعزيز الوفرة الغذائية محليا وإقليميا على الرغم من تصدرها المراتب الأولى دوليا في مستوى الأمن الغذائي، والدخل على أساس نصيب الفرد من الدخل الإجمالي.

وتدور استراتيجيات مجلس التعاون الخليجي حول كيفية تحقيق الأمن الغذائي والكفاية الغذائية لجميع سكان الدول الست التي تستورد ما بين 70 و90% من حاجاتها للمواد الغذائية الأساسية وتبديد المخاوف المستقبلية من استمرار الاعتماد على الاستيراد الخارجي.

وتبنت دول عدة مبادرات بالاستثمار في القطاعات الزراعية في الدول الأخرى، مثل صربيا والولايات المتحدة عبر شركات إماراتية، والسودان والأردن والصومال ودول عربية وإفريقية أخرى مثل قطر والكويت والسعودية.

ويقف العالم اليوم ودول مجلس التعاون الخليجي أمام واقع ارتفاع "حاد" جديد في أسعار المواد الغذائية نتيجة تعطل الكثير من حركة الأشخاص والبضائع بين الدول، وتعطل طرق التوريد وارتفاع كلفة الشحن بسبب جائحة كورونا، وتزامنها مع هبوط أسعار النفط إلى مستويات "غير متوقعة".

شبكة أمن غذائي خليجي

وفي أبريل/نيسان 2020، اقترحت دولة الكويت إنشاء شبكة أمن غذائي إقليمية خاصة بدول المجلس الست لضمان تأمين الإمدادات الغذائية الكافية، وتلبية الاحتياجات الغذائية وسد نقص الغذاء الأساسي في أوقات الأزمات.

وقالت وزارة التجارة والصناعة الكويتية، في بيان صحفي عقب اجتماع وزراء دول المجلس عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، إن الوزراء يعملون على التأسيس لرؤية موحدة للأمن الغذائي لدول المجلس لدراستها واعتمادها قريباً.

ودعت الكويت إلى وضع ترتيبات خاصة في مراكز مراقبة الحدود والجمارك لضمان الحركة السلسة للإمدادات الغذائية والأدوية الأساسية بين دول مجلس التعاون الخليجي.

علاوة على ذلك، أشارت الوزارة الكويتية إلى أن وزراء دول مجلس التعاون الخليجي ناقشوا أيضاً التداعيات الاقتصادية المتوقعة لفيروس كورونا.

وأكدت أن الكويت ستواصل تنسيق الجهود وتبادل المعلومات مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في هذا الوقت الدقيق للمساعدة في تأمين الاحتياجات الغذائية.

تحميل المزيد