إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن -المدعوم إماراتياً- الانفصال والحكم الذاتي في المحافظات الجنوبية، ورد فعل حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي -المدعومة سعودياً والمعترف بها دولياً- برفض الإعلان واعتباره "استمراراً للتمرد المسلح"، يضيف مزيداً من التعقيدات على المشهد اليمني، وتوقيته يطرح تساؤلات حول موقف الرياض وأبوظبي مما يحدث على الأرض.
ماذا حدث؟
مساء أمس السبت، 25 أبريل/نيسان، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ العامة في عدن وعموم محافظات الجنوب والإدارة الذاتية لها، وجاء ذلك في بيان أصدره المجلس المدعوم إماراتياً ونشره على موقعه الإلكتروني، وقال البيان "إنه بات لزاماً اتخاذ الإجراءات التي تحفظ للجنوبيين حقهم في العيش الكريم، بعد صلف وتعنت الحكومة اليمنية في القيام بواجباتها، وتسخيرها لموارد وممتلكات الشعب في تمويل أنشطة الفساد"، بحسب تقرير للأناضول.
كما برر البيان الخطوة التي تعد انقلاباً صريحاً على اتفاق الرياض الموقَّع قبل أشهر، بأنها جاءت بسبب "تلكؤ الحكومة وتهربها من تنفيذ ما يتعلق بها من اتفاق الرياض، وعدم التعاطي الإيجابي من قبل الأشقاء في التحالف العربي والحكومة للمهلة التي حددناها في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2018، لتحسين الأوضاع المعيشية".
ومن ضمن الإجراءات التي ذكرها الانتقالي في بيانه، تكليف القوات العسكرية والأمنية الجنوبية بتنفيذ إعلان الطوارئ والإدارة الذاتية للجنوب، اعتباراً من ليل السبت/الأحد، وأضاف أن الإعلان جاء "عقب تزايد حجم المؤامرات والدسائس التي استهدفت ثورة الجنوبيين ونسيجهم الاجتماعي، والساعية للزيادة من معاناتهم وأوجاعهم وعلى مختلف الجبهات والمستويات".
ودعا الانتقالي في بيانه جماهير شعب الجنوب "للالتفاف حول قيادتها السياسية ودعمها ومساندتها لتنفيذ إجراءات الإدارة الذاتية للجنوب"، كما كلف المجلس، لجانه الاقتصادية والقانونية والعسكرية والأمنية في المحافظات بتوجيه عمل الهيئات والمؤسسات والمرافق العامة لتنفيذ الإدارة الذاتية للجنوب، كل في مجال اختصاصه. وبين أنه "على محافظات الجنوب ومسؤولي المؤسسات والمرافق العامة من أبناء الجنوب الاستمرار في أعمالهم، وبما لا يتعارض مع مصالح شعبنا".
ووجه الدعوة للأشقاء في التحالف العربي والمجتمع الدولي، إلى دعم ومساندة إجراءات الإدارة الذاتية، وبما يحقق أمن واستقرار شعب الجنوب، ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
رفض الحكومة للبيان
من جانبها، قالت وزارة الخارجية اليمنية في بيان نشرته على حسابها على تويتر إنّ "إعلان ما يسمى بالمجلس الانتقالي عن نيته إنشاء إدارة جنوبية هو استئناف لتمرده المسلح… وإعلان رفضه وانسحابه الكامل من اتفاق الرياض"، وأضافت: "المجلس الانتقالي المزعوم سيتحمل وحده العواقب الخطيرة والكارثية لمثل هذا الإعلان، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وبينما يدعم التحالف العربي بقيادة السعودية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في مواجهة المسلحين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي -الذي تأسس في 11 مايو/أيار 2017 من قبل سياسيين ومسؤولين قبليين وعسكريين في عدن وتدعمه الإمارات- يريد انفصال الجنوب.
وعند تأسيسه، أعلن عيدروس الزبيدي، محافظ عدن السابق، في كلمة بثها التلفزيون المحلي وإلى جانبه العلم السابق لجمهورية اليمن الجنوبي، عن قرار يقضي بقيام مجلس انتقالي جنوبي برئاسته، أطلق عليه اسم "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي". وقال الزبيدي إن الهيئة التي تضم 26 عضواً، بينهم محافظو خمس مدن جنوبية واثنان من الوزراء في الحكومة اليمنية، ستتولى إدارة وتمثيل المحافظات الجنوبية داخلياً وخارجياً.
وكانت حكومة هادي قد أعلنت عن معارضتها لتشكيل هذا المجلس، ووصلت الأمور إلى حدّ الاشتباكات المسلحة في أغسطس/آب الماضي، حين قامت القوات الجنوبية بالاستيلاء على القصر الرئاسي ومقرات الحكومة في عدن وباقي محافظات الجنوب.
اتفاق الرياض
كانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت في أغسطس/آب الماضي في عدن، بين قوات الحزام الأمني (تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تم تشكيلها وتدريبها وتسليحها من جانب الإمارات)، وبين قوات الحماية الرئاسية التابعة لحكومة هادي، سرعان ما تحولت إلى حرب بين الجانبين امتدت إلى كامل المحافظات الجنوبية في اليمن، وانتهت لصالح قوات المجلس الانتقالي الساعي لانفصال جنوب اليمن.
وشهدت تلك الفترة خروج الخلاف السعودي-الإماراتي إلى العلن، بعد أن اتضح أن أهداف أبوظبي تركز أكثر على انفصال الجنوب تحت حكم المجلس الانتقالي الذي أنشأته وتستضيف قياداته، بخلاف ما تريده الرياض، وهو هزيمة الحوثيين المدعومين إيرانياً، وإعادة حكومة هادي (الموجود في الرياض) إلى حكم اليمن موحداً.
وفي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية برئاسة عبدربه هادي منصور من جهة، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي من جهة أخرى، معلناً عن انتهاء الاشتباكات المسلحة في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وشمل الاتفاق 29 بنداً هدفها نزع فتيل الصراع بين الطرفين.
لكن ظلت بنود الاتفاق حبراً على ورق إلى حد كبير، وخرج كل طرف بتفسيره الخاص للاتفاق، حيث اعتبره المجلس الانتقالي اعترافاً بشرعيته وخطوة هامة على طريق تحقيق "استقلال الجنوب" بعد انتهاء المعركة ضد الحوثيين، بينما اعتبره هادي وحكومته نهاية ما سمّوه "التمرد المسلح".
ماذا عن موقف السعودية والإمارات؟
اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، التي تقول إن ما يقرب من 80% من إجمالي السكان -أي 24.1 مليون إنسان- بحاجة إلى بعض من المساعدات الإنسانية، ورغم أن التحالف بقيادة السعودية كان قد أعلن عن وقف لإطلاق النار، 9 أبريل/نيسان، دعماً لجهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، ولتهيئة الأجواء لمواجهة تفشي فيروس كورونا، وقام بتمديده لمدة 30 يوماً مع حلول شهر رمضان، فإن الاشتباكات على الأرض مستمرة بصورة أو بأخرى.
ورغم أن الرياض وأبوظبي التزمتا الصمت منذ صدور بيان المجلس الانتقالي مساء أمس السبت، وبيان حكومة هادي صباح اليوم الأحد 26 أبريل/ نيسان، فإن الظروف الاستثنائية المتمثلة في مواجهة وباء كورونا وتداعياته من جانب، وانهيار أسعار النفط من جانب آخر تجعل من هذا التطور في حرب اليمن تحدياً آخر للسعودية والإمارات، فهل هناك توافق بينهما على هذا التحرك؟ أم أن الخلاف بينهما في ملف اليمن أصبح عصياً على التفاهمات ولو حتى من ناحية الشكل كما حدث في اتفاق الرياض؟
شهدت الأشهر الماضية تصريحات تنم عن عدم رضا الجنوبيين عن عدم تنفيذ بنود اتفاق الرياض، ونشرت الأناضول تحليلاً في أواخر مارس/آذار الماضي، حول ما إذا كانت السعودية ستلجأ لتنفيذ بنود الاتفاق بالقوة، لكن تطورات وباء كورونا وانهيار أسعار النفط قد دفعا بملف اليمن إلى خلفية أولويات المملكة، وأصبح واضحاً أن التفكير منصبّ أكثر على البحث عن مخرج من مستنقع الحرب الذي أصبح واضحاً للعيان استحالة تحقيق انتصار عسكري فيها.
الآن وقد أصبح واضحاً أن الأهداف الإماراتية من الاشتراك في التحالف مختلفة تماماً عن أهداف السعودية، حيث أراد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يعيد الحكومة الشرعية لليمن ليثبت جدارته بحكم السعودية من ناحية ويقضي على الوجود الإيراني على الحدود السعودية من جهة أخرى، بينما أراد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ضمان وجود إماراتي في عدن لإحكام السيطرة على مضيق باب المندب، في ظل وجود قاعدة إماراتية في الجهة المقابلة في الصومال وجيبوتي.
السعودية إذن تواجه مأزقاً جديداً في توقيت حرج، فتحركها علناً ضد المجلس الانتقالي يعني الدخول في مواجهة مسلحة ضد قواته في عدن، وهي مدعومة ومسلحة إماراتياً بشكل كامل، وهو ما يعني صراعاً سعودياً- إماراتياً في وقت حرج، وبالتالي ربما تمثل خطوة الانفصاليين رصاصة الرحمة على مغامرة ولي العهد في اليمن، إذا ما واصلت السعودية الصمت ولم تتدخل لصالح الحكومة الشرعية مرة أخرى، وتركت الانقلاب الثاني للمجلس الانتقالي الجنوبي يكمل دورته للنهاية.