مولع بـ”أساطير” الموساد.. كيف استغل نتنياهو جهاز التجسس لصالحه خلال أزمة كورونا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/04/25 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/25 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش
بنيامين نتنياهو / رويترز

انتهك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قواعد السرية الاعتيادية الإسرائيلية الشهر الماضي، مارس/آذار، بإعلانه أنَّه أصدر الأوامر للموساد، وهو جهاز التجسس الشهير في البلاد، لشراء المعدات الطبية والإمدادات الصحية المطلوبة بشدة لمحاربة فيروس كورونا.

وبعد أسابيع، من الواضح أنَّ كلاً من نتنياهو والموساد كانا يحاولان تعزيز صورتيهما. لكن مع وضع هذه الحقيقة تحت المجهر، قد ترتد هذه المناورة بآثار عكسية، كما يقول يوسي ميلمان، ودان رافيف، الباحثان في الشؤون الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، في تقرير بموقع Middle East Eye البريطاني.

تعزيز صورة نتنياهو بـ"أساطير" الموساد

كالعادة، حين يُذكَر اسم الموساد، تنتبه كل وسائل الإعلام حول العالم، وتكهَّن بعضها بأنَّ عملاء الاستخبارات الإسرائيليين سينتشرون في الأرجاء ويستخدمون الخداع والحيلة لانتزاع إمدادات إنقاذ الحياة من أي جهة ولو بالقوة لو لزم الأمر.

وفي إسرائيل، يُعارِض العديد من قدامى المسؤولين والعاملين بالموساد، الذين لا يُسمَح لهم بالتعبير عن آرائهم علانيةً، مشاركة الجهاز في مسألة مدنية بحتة. ويقولون إنَّها تؤدي إلى إنتاج صورة غير جذابة ولا تحقق إنجازات تُذكَر. ويشيرون كذلك إلى أنَّ هدف نتنياهو الرئيسي هو تعزيز فرصه في تمديد رئاسته للوزراء المستمرة منذ 11 عاماً، وليس حماية المواطنين الإسرائيليين.

في إسرائيل التي تدعي الاستعداد لأي شيء حتى الحروب البيولوجية، فإنَّها لم تكن تملك ما كانت تحتاج إليه من أجهزة ومعدات خلال أزمة كورونا/ رويترز

وفي نهاية المطاف، استسلم منافس نتنياهو الرئيسي، رئيس أركان الجيش السابق بيني غانتس، وتخلى عن كل معتقداته وأجندته السياسية بموافقته على المشاركة في حكومة "وحدة وطنية" مع نتنياهو. كل هذا يجري في ظل اتهامات الاحتيال والرشوة التي يُرجَّح أن تؤدي إلى مثول نتنياهو للمحاكمة في غضون أشهر.

الهيبة المزعومة

وبالنسبة للموساد، ففي حين لا يملك الجهاز بصورة رسمية متحدثاً باسمه ولا سياسة للعلاقات العامة، فإنَّ مسؤوليه يتمتعون "بقوة أساطيرهم"، إذ يعتقدون أن "أعداء إسرائيل يشعرون بالرعب من الموساد". ويُظهِر القادة السياسيون في الدول الصديقة "احتراماً كبيراً له".

ويحب نتنياهو ربط هيبته بهيبة الموساد المزعومة، وإشراك هذا الجهاز السري في مشهد التعامل مع فيروس كورونا كان طريقة ليُظهِر بها الرجل أنَّه يبذل كل ما بوسعه لتوفير المعدات الطبية المطلوبة بشدة.

وفي إسرائيل التي يحفل تاريخها بالحروب، وتدعي الاستعداد لأي شيء حتى الحروب البيولوجية، فإنَّها لم تكن تملك ما كانت تحتاج إليه من أجهزة تنفس اصطناعي ومعدات الحماية الشخصية للعاملين بالمجال الصحي من أجل التعامل مع فيروس كورونا.

التحالف مع كوهين

بالإضافة إلى ذلك، كان نتنياهو يعزز سُمعة مدير استخباراته الذي انتقاه بنفسه، يوسي كوهين. فمدير الموساد، الذي قضى ثلاث سنوات كمستشار للأمن القومي لرئيس الوزراء، واحد من القلائل الذين يتمتعون بثقة نتنياهو الكاملة. ولا يبدو أنَّ كوهين يمانع أن يُجَرَّ إلى طموحات رئيسه السياسية.

وبدأ نتنياهو في إعداد كوهين ليكون وريثاً محتملاً له؛ فراح يُسلِّط الضوء على الرجل الذي أرسله إلى عالم الظل من الاغتيالات والأعمال السرية الأخرى.

وفي الأسابيع الأخيرة، لجأ الموساد لعادته القديمة في تصنيع الأساطير، فترك وسائل الإعلام العالمية تجمح في الحكايات المُبالِغة عن عملاء "جيمس بوند" اليهود الذين يُهرِّبون البضائع ببراعة إلى مستشفيات بلدهم.

الموساد رئيس الموساد إسرائيل
رئيس الموساد جوزيف كوهين/ رويترز

لكنَّ الحقيقة أبسط من هذا بكثير، فدور الموساد الرئيسي هو إدارة "مركز مراقبة وطني"، وضع فيه الجهاز حواسيب وخطوط اتصال. لكنَّ صُنَّاع القرار هم عشرات الأطباء وخبراء التكنولوجيا الفائقة ومسؤولون من وزارات الصحة والمالية والدفاع، الذين يُنسِّقون المعركة ضد جائحة فيروس كورونا.

وقد تمثَّل أحد مفاتيح النجاح في التعامل مع كورونا في وجود نظام تتبع تطفليّ أكثر من أي شيءٍ قد تشعر أي حكومة غربية أنَّ بإمكانها عمله.

إذ أَمَرَ نتنياهو جهاز الأمن الداخلي، الشين بيت، بإرسال رسالة نصية لأي إسرائيلي جاء في نطاق أمتار قليلة من أحد المصابين المعروفين بفيروس كورونا. ويُعَد تحديد موقع كل هاتف خلوي في البلاد مهماً لتحقيق ذلك، وهذه قدرة تتمتع بها الاستخبارات الإسرائيلية لتحديد موقع المسلحين، كما يقول الباحثان.

"لصوص قساة قلوب"

ويضيف كل من يوسي ميلمان، ودان رافيف، أن العملاء السريين السابقين في الموساد منزعجون مما صوره نتنياهو للجهاز السري خلال أزمة كورونا، إذ أظهرهم كـ"لصوص قساة القلوب في السوق الطبية السوداء".

وهم قلقون كذلك من إمكانية أن تؤدي المهمات واهية الحجة من هذا النوع، والتي تأتي مدفوعة باعتبارات السياسة الداخلية، إلى تشتيت الانتباه عن "الواجبات الحيوية الحقيقية والدائمة للمحاربين السريين الإسرائيليين".

وفوق كل ذلك، يشككون في أنَّه كان من الحكمة بالنسبة لنتنياهو وكوهين أن يَجُرّا الموساد إلى مجالٍ مدني لا يتمتع فيه بخبرة ولا أفضلية ولا مساهمة كبيرة يفخر بها.

تحميل المزيد