من حاملة مَنفَضَة السجائر لشقيقها في طريقه إلى القمة النووية مع ترامب إلى إصدار بيان باسمها يمدح الرئيس الأمريكي، رحلةٌ أخذت كيم يو جونغ تبرز خلالها لتصبح أهم شخصية في النظام الكوري الشمالي بعد شقيقها، زعيم البلاد، كيم جونغ أون.
ومنذ ظهورها على رأس الوفد الممثِّل لكوريا الشمالية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 التي أقيمت في بيونغتشانغ، بكوريا الجنوبية، لم تكتفِ يو جونغ بالارتقاء إلى مناصب مرموقة داخل الحزب الحاكم فحسب، بل يشاع أنها العقل الكامن وراء صورة كيم العامة المرسومة بعناية، في الداخل والخارج. ويمكن أن يطلق عليها "كاتمة سر أخيها" وفي المقابل، فهي تتمتع بالثقة المطلقة لأخيها، الزعيم الذي بلغ ارتيابه فيمن حوله الإقدام على إعدام عمه بتهمة خيانة مزعومة.
وفي وقت يصارع فيه العالم جائحة فيروس كورونا، وتستمر بيونغيانغ في إصرارها على أنها لم تسجل ولو حالة إصابة واحدة، تواصل كيم يو جونغ رحلةَ الصعود، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
بين سب الجار الجنوبي والثناء على ترامب
أدلت يو جونغ الشهر الماضي بأول بيان علني لها، هاجمت فيه كوريا الجنوبية واصفةً انتقاداتها بأنها "نباح كلب خائف" بعد أن احتجت سيول على مناورات عسكرية بالذخيرة الحية كانت كوريا الشمالية قد نظمتها. وفي مارس/آذار، أشادت علناً بدونالد ترامب لإرساله رسالة إلى كيم قال فيها إنه يأمل في الحفاظ على علاقات ثنائية جيدة وعرض المساعدة في التعامل مع جائحة فيروس كورونا.
ويشير يونغشيك بونغ، الباحث في معهد دراسات كوريا الشمالية بجامعة يونسي في سيول، إلى أن نشر يو جونغ بيانات سياسية باسمها يؤكد دورها المركزي في النظام. ويقول بونغ: "من الواضح أن كيم جونغ أون هو من سمح لها بكتابة وإصدار بيان انتقادٍ لاذع لكوريا الشمالية بهذه اللهجة الشخصية، أي "أنه على استعداد واضح للسماح لأخته أن تصبح الشخصية الثانية بعده".
ومع أن يو جونغ التي رافقت كيم خلال القمتين اللتين عقدهما مع ترامب، عوقبت ودفعت الثمن على ما يبدو عندما تعرضت دبلوماسيته النووية لانتكاسة، فإنها أُعيدت نهاية الأسبوع الماضي إلى مركزها القوي في المكتب السياسي للحزب الحاكم، وفقاً لوكالة الأنباء المركزية الكورية الحكومية، بعد أكثر من عام بقليل على إقالتها من منصبها وصدور الأوامر بأن تبقى بعيدة عن الأضواء، بعد فشل قمة هانوي بين ترامب وكيم.
على قوائم عقوبات واشنطن
كما أنها لم تغب عن انتباه المسؤولين الأمريكيين، الذين وضعوها هي ومسؤولين كوريين شماليين آخرين على لائحة العقوبات لعام 2017 جراء اتهامات بـ"انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
وعلى الصعيد الدولي، كانت يو جونغ حاضرة حضوراً واضحاً طوال العملية الدبلوماسية عالية المخاطر للنظام مع واشنطن وسيول. أما داخلياً، فقد تولت الدعاية العامة، عاملةً على تلميع صورة كيم بوصفه زعيم البلاد الذي تحكم أسرته كوريا الشمالية منذ ثلاثة أجيال.
يقول ليونيد بتروف، وهو متخصص في شؤون كوريا الشمالية ومحاضِر في الكلية الدولية للإدارة بسيدني، إن يو جونغ "لديها إمكانية الوصول المباشر إلى كيم جونغ أون وتأثير قوي عليه. ورغم أنه لا يُعرف عنها ارتباطها بعمليات التطهير أو بالبراعة في الشؤون العسكرية، فإنها تعرف كل شيء عنها. إنها شخصية سياسية موثوقة تساعد كيم في الحفاظ على صورة عامة إيجابية عندما يتعامل مع الأجانب أو مع الكوريين الجنوبيين".
ونادراً ما شوهدت يو جونغ، التي يُعتقد أنها أصغر من شقيقها بنحو أربع سنوات، علناً، وذلك حتى عام 2010 عندما التُقطت صور لها وهي تحضر مؤتمراً حزبياً. وبحلول العام التالي، كانت تظهر بانتظام في حاشية والدها كيم جونغ إيل، وشوهدت في حالة حداد بعد وفاته أواخر عام 2011.
رحلة الصعود إلى قلب النظام
ومع ذلك، فإن المتداول أن رحلة صعودها إلى قلب النظام الكوري الشمالي كانت قد بدأت في أواخر التسعينيات، عندما كانت ملتحقة بمدرسة ابتدائية في برن، بسويسرا، في الوقت ذاته مع أخيها كيم جونغ أون، حيث عاشا معاً في منزل خاص، بصحبة الموظفين ومراقبة الحرس الشخصيين، وفقاً لموقع North Korea Leadership Watch.
ويقول بونغ: "لقد كانا في المنفى عملياً معاً، وكلاهما كان يعرف ما ينتظره في المستقبل. لا بد أنه قد تنامى بينهما إحساس غامر بوجود مصير مشترك. ونتيجة لذلك، فهي تحظى بثقة شقيقها غير المشروطة".
لا يُعرف الكثير عن حياة يو جونغ خلال المدة بين تخرجها بشهادة في علوم الكومبيوتر في "جامعة كيم إيل سونغ" في بيونغيانغ، وعام 2007، عندما بدأ يظهر لها دور صغير في الحزب الحاكم.
ويقال إنها شاركت في الترتيب لتولي شقيقها قيادة البلاد خلفاً لوالده بعد أن تعرض كيم جونغ إيل لسكتتين دماغيتين خلال عام 2008، ومع ذلك، غاب أي ذكر لها في وسائل الإعلام الحكومية الكورية الشمالية حتى مارس/آذار 2014، عندما ظهرت برفقة شقيقها أثناء انتخابات "الجمعية الشعبية العليا" (برلمان كوريا الشمالية).
يقول ليف إريك إيسلي، وهو أستاذ مساعد متخصص في مجال الدراسات الدولية بجامعة إيوها في سيول: "النظام الكوري الشمالي هو عبارة عن شركة عائلية، ويبدو أن كيم جونغ أون يثق بأخته".
المسؤولة عن دعاية النظام
"لقد أبدت براعةً في تحديث الصورة العامة للنظام، ولديها نوع من السيطرة على دعاية الدولة.ومع ذلك، فربما تكون وظيفتها الأهم هي أنها كاتمة أسرار أخيها".
"كما أن لديها دوراً يشي بوزن أكبر في السلطة، لأن رسائل كيم يو جونغ ومهامها تحمل ثقلاً أكبر من تلك التي يحملها أي مسؤول كوري شمالي قابل للاستبدال قريباً".
ومن المتوقع أن يستمر مسار كيم يو جونغ الصاعد بمجرد استئناف كوريا الشمالية للمفاوضات الدبلوماسية بشأن برنامجها النووية، في عالم ما بعد وباء كورونا. ويقول بتروف: "إنها تضطلع بدور محوري في الحملات السياسية الداخلية والخارجية لكوريا الشمالية، لأنها أحد من لهم مصلحة أساسية في بقاء ذلك النظام".
لكنه أضاف أنها لن تجرؤ أبداً على ارتداء عباءة القائد إذا حدث شيء لأخيها، "فهي تعرف كيفية إضفاء مرونة على مبادرات شقيقها كيم جونغ أون وكيفية تعزيز قوته الناعمة… لكنها لن تحل أبداً محل صانع القرار الأساسي. فكوريا الشمالية بلد قائم على تقاليد كونفوشيوسية تحترم الأقدمية والقيادة الذكورية. إنها حليف كيم الأوثق، لكن ليس أكثر من ذلك".