لا تدفع المتاجر قط للمشترين ليأخذوا بضاعتها، لكن في ظروف استثنائية بعض الأعمال تفعل ذلك، وإن كان بطريقة محددة جداً. ومع ذلك، شهد سوق النفط ضربة موجعة هائلة وغير مسبوقة؛ ما أسفر عن انخفاض أسعار بعض العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط إلى سالب 37.36 دولار للبرميل. ويرجع هذا التطور الصادم إلى انهيار الطلب على النفط، بسبب حالات الإغلاق المترتبة على تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، واندلاع حرب أسعار بين أكبر منتجين للنفط في العالم تسبب بإغراق السوق بالنفط، واقتراب منشآت تخزين النفط من الوصول لأقصى سعتها والإيقاع الشهري لسوق العقود الآجلة.
1- لماذا قد يدفع البائعون للمشترين ليأخذوا نفطهم؟
تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، بالنسبة لبعض المنتجين قد يكون ذلك أرخص تكلفة على المدى الطويل من وقف الإنتاج أو العثور على مكان لتخزين النفط المُستخرَج من باطن الأرض. ويخشى كثيرٌ من المنتجين أن يؤدي غلق آبارهم إلى تدميرهم نهائياً؛ ما يجعل ذلك خياراً غير اقتصادي في المستقبل. وهناك أيضاً تجار لا يرغبون في تسلم براميل نفط؛ لذلك يشترون عقوداً آجلة للنفط الخام باعتبار ذلك طريقة للرهان على حركة الأسعار، لكن يمكن أن يعلقوا في تراجع حاد في الأسعار ويضطروا للاختيار بين العثور على منشأة تخزين أو البيع بالخسارة. وتسبب تزايد فائض النفط في ندرة مساحات التخزين المتاحة، وبالتالي ارتفاع سعرها.
2- من أين جاء الفائض في المعروض؟
يمكن أن يمثل أي من تفشي جائحة أو حرب أسعار ضربة قوية للأسواق. لكن الاثنين معاً تسبَّبا في قلب الأسواق رأساً على عقب. عندما بدأ الفيروس ينتشر في جميع أنحاء العالم تسبَّب في تآكل الطلب على النفط تدريجياً، لكن مع إظهار دول مثل إيطاليا نوع الضرر الذي يمكن أن يحدثه الإغلاق الوطني على الاقتصاد، بدأت السعودية وروسيا، أكبر منتجين للنفط في العالم، تتناطحان. وانهارت الاتفاقية التي تضع حداً أقصى للإنتاج، وأطلقتا يديهما بقوة في الإنتاج؛ ما ترتب عليه عرض كميات قياسية من الخام في السوق.
3- ألم تكن هناك صفقة بشأن ذلك الأمر؟
نعم هناك صفقة؛ إذ توصلت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا والولايات المتحدة ومجموعة العشرين لواحدة، لكن تبين أن دعوتها لخفض الإنتاج الكلي بنسبة 10% أقل من المطلوب، وجاءت متأخرة جداً. وتحولت الأسعار في البداية إلى السالب فقط في الأركان المغمورة للسوق الأمريكية، مثل وايومنغ، حيث خيارات التخزين قليلة. ثم بدأت المحاور الرئيسية في تسجيل أسعار سلبية للتدفقات الصغيرة من الخامات الممتازة. وفي 20 أبريل/نيسان، انخفضت الأسعار انخفاضاً حاداً دون الصفر في مُشغِّل البورصات الأمريكية CME، أكبر سوق للطاقة في العالم، وكذلك في بورصة نيويورك التجارية (NYMEX).
4- ما علاقة العقود الآجلة بذلك؟
جاءت أقل الأسعار من الاتجار في العقود الآجلة، وهي العقود التي يؤمن فيها المشتري لنفسه عملية شراء بسعر مُعلن في وقت محدد. والعقود الآجلة هي أداة لمستخدمي النفط للتحوط ضد تقلبات الأسعار، لكنها أيضاً وسيلة للمضاربة. وتسري العقود لفترة محددة، وعادةً ما يلجأ التجار الذين لا يرغبون في تغيير مواقفهم أو تسلم الكميات الهائلة التي اشتروها إلى مد فترة تلك العقود قبل فترة وجيزة من انتهاء صلاحيتها.
وكان من المقرر أن تنتهي عقود التسليم، في مايو/أيار، أو في 21 أبريل/نيسان؛ ما يضع في اليوم السابق لذلك الموعد أقصى ضغط على التجار الذين استحقت عقودهم. وبالنسبة لهم، كان البيع بسعر سلبي للغاية أفضل من اضطرارهم لتخزين النفط في بيوتهم بسبب ندرة المخازن، على الرغم من أنَّ الضربة القاضية التي لحقت السوق كانت قوية، حتى إنَّ سوق الخام المحلي الفعلي شهد تداولاً صريحاً لأنواع نفط خام عند مستويات سلبية، مثل غرب تكساس الوسيط (WTI) في ميدلاند، ومارس بليند Mars Blend وخام لويزيانا سويت Louisiana Sweet، سواء الثقيل أو الخفيف.
5. ما الذي حدث لمساحات التخزين؟
منذ بداية تراكم فائض المعروض، أخذت الأسعار تتراجع، وتقترب مرافق التخزين من الوصول لأقصى سعة لها. وارتفع مخزون الخام في مدينة كوشينغ بولاية أوكلاهوما -مركز التخزين الرئيسي في الولايات المتحدة ونقطة التسليم لعقود نفط غرب تكساس الوسيط- بنسبة 48% ليصل إلى ما يقرب من 55 مليون برميل منذ نهاية فبراير/شباط. ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة، بلغت سعة التخزين في المركز 76 مليون برميل، اعتباراً من 30 سبتمبر/أيلول. ولجأ القطاع لتخزين براميل النفط على متن السفن، ومحاولة الخروج بخيارات إبداعية أخرى مثل تخزين النفط على متن ناقلات السكك الحديدية. وتنظر إدارة ترامب، التي تشعر بالقلق من التأثيرات المحتملة المترتبة على إفلاس شركات النفط في اقتراح وليد بشأن دفع أموال لحفارات النفط للتوقف عن استخراج النفط مؤقتاً. ومن شأن هذه الفكرة أن تُبقي الولايات المتحدة خارج السوق حتى تتعافى الأسعار؛ ما يعطي الخزانة الأمريكية ربحاً صحياً، وفي الوقت نفسه يحمي المنتجين من الخسائر الفورية.
6. ما الذي يعنيه هذا للمستهلكين؟
على الصعيد الأمريكي، انخفض متوسط سعر البنزين بأكثر من دولار واحد للغالون في العام الماضي، ووصل إلى 1.81 دولار. وشهد تراجعاً يومياً منذ أواخر فبراير/شباط. وسيستغرق الأمر بضعة أسابيع أخرى إلى أن تنعكس الانخفاضات في أسعار العقود الآجلة في الوقود الذي يُضَخ. ومع تشكيل الضرائب جزءاً من السعر، فلا يمكن أن تنخفض الأسعار إلا بنسبة قليلة.
وعلى الرغم من أنَّ الانخفاض التاريخي للنفط أدى إلى انهيار الأسعار إلى السالب يوم الإثنين، 20 أبريل/نيسان، لا تتوقع الحصول على أموال مقابل ملء خزان البنزين أو الغاز في سيارتك في أي وقت قريب، بحسب CNN.
إذ لا يعد النفط أفضل مؤشر على سعر البنزين المباع بالتجزئة، بل أسعار البنزين بالجملة هي التي تحدد السعر الذي ستدفعه محطات الوقود مقابل البنزين. ولم تشهد العقود الآجلة للبنزين نفس الاضطراب الجائح الذي وقع يوم الإثنين، 20 أبريل/نيسان، إذ أغلقت على تراجع ببضعة سنتات فقط وصولاً إلى 67 سنتاً للغالون. وفي الواقع، يقترب هذا من ضعف السعر الذي كان يُتداوَل به في الأسبوع الماضي.
وحتى العقود الآجلة لبيع البنزين بالجملة لا تحدد بالكامل السعر الذي ستدفعه محطة الوقود مقابل مُنتجها، إذ إنَّ معظمها لديه عقود تحدد السعر، ومع ذلك تنص العقود على مراعاة الأسعار المستقبلية. وبعد الأخذ في الحسبان تكلفة البنزين بالجملة هناك جميع التكاليف الأخرى التي تدخل في السعر الذي تدفعه في محطة الوقود.
وتُقدِّر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه في عام 2019، عندما بلغ متوسط السعر العام 2.60 دولار للغالون، وصل متوسط تكلفة النقل والتسويق نحو 39 سنتاً للغالون الواحد من الغاز. وأضافت تكاليف التكرير والأرباح 34 سنتاً أخرى في المتوسط.
وبالرغم من انخفاض حجم ضخ البنزين بمقدار النصف أو أكثر، توجه العديد من أصحاب المحطات إلى زيادة هامش الربح على كل غالون ببضعة سنتات لتعويض الانخفاض الحاد في الطلب.