قد تصبح الدنمارك نموذجاً يُقتدى به في العالم أو تصبح إيطاليا الثانية، فقد أصبحت البلاد أول دولة أوروبية تعيد فتح المدارس رغم استمرار جائحة فيروس كورونا.
ففي خطوة شديدة الجرأة، عاد الأطفال حتى سن 11 عاماً إلى دور الحضانة والمدارس في جميع أنحاء الدنمارك الأربعاء الماضي، أي نحو نصف عدد تلاميذ البلاد.
وتتبع البلاد استراتيجية إعادة افتتاح تدريجية بعد انخفاض معدل الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد.
فحتى الآن لا تزال المدارس الثانوية والجامعات مغلقة حتى 10 مايو/أيار، وسيُسمح للطلاب الذين يعيشون مع أفراد العائلة المعرضين للخطر بمواصلة التعلم عن بُعد.
الأولى في فتح المدارس رغم استمرار جائحة فيروس كورونا بعدما كانت سباقة في الإغلاق
وأعلنت الدنمارك أول إجراءات إغلاق لها في 11 مارس/آذار 2020 وكانت ثاني دولة في أوروبا تقوم بذلك بعد إيطاليا. وأغلقت المدارس في 12 مارس/آذار 2020.
ومنذ ذلك الحين حذت معظم الدول حذوها.
والآن أصبحت الدنمارك الأولى في أوروبا التي تبدأ تخفيف القيود التي فُرضت لمواجهة فيروس كورونا في مجال التعليم، علماً بأن السويد المجاورة لم تفرض عمليات إغلاق منذ البداية، بل ظلت معظم المدارس والحانات والمطاعم والمحلات التجارية وحتى بعض المتاحف وصالات العرض مفتوحة، واكتفى السويديون بتدابير الإبعاد الاجتماعي الطوعية.
وجاء قرار الدنمارك الجريء ببدء فتح المدارس رغم استمرار جائحة فيروس كورونا بعدما شهدت البلاد انخفاضاً مستمراً في دخول المستشفيات.
وقد تم نقل أكثر من 500 شخص إلى المستشفى بسبب الفيروس التاجي خلال شهر مارس/آذار، ولكن بحلول منتصف أبريل انخفض العدد إلى المستشفى إلى 353، عكس الارتفاع المتفجر الذي شوهد في بعض البلدان الأخرى.
وحتى 16 أبريل/نيسان، توفي 321 شخصاً، وفقاً لوكالة الأمراض المعدية الدنماركية.
وأبلغت الدنمارك حتى الأسبوع الماضي عن 6681 حالة إيجابية، على الرغم من أنه يعتقد أن عدد المصابين أكبر.
وقال رئيس معهد الأمراض المعدية SSI إن الدنمارك تمكنت من تقليل عدد الأشخاص الآخرين الذين تصيبهم حالة إيجابية من 2.6 شخص لكل مصاب قبل إغلاق 12 مارس/آذار إلى 0.6 شخص (يتناقص معدل انتقال العدوى، إذا انخفض متوسط عدد الأشخاص الذين تنتقل إليهم العدوى بالفيروس من كل شخص مصاب عن 1).
وقد تمت الإشادة بالبلاد على نطاق واسع بسبب عملها السريع في تقييد الحركة قبل أن تتمكن عدوى Covid-19 من الانتشار بين السكان، ما أدى إلى مقارنتها بكوريا الجنوبية بعدما أصبحت معدلات الإصابة في الدنمارك منخفضة.
لكن يحذر النقاد من أن استراتيجية العودة للمدارس محفوفة بالمخاطر.
طفلي ليس خنزيراً غينياً.. الآباء قلقون
أثار قرار إعادة فتح المدارس قلق الآباء الدنماركيين.
وانضم أكثر من 40000 شخص إلى مجموعة على Facebook تسمى "يجب ألا يكون طفلي خنزيراً غينياً لـ COVID-19".
وبحسب منظمي المجموعة، "يمكن للأطفال حمل المرض بسهولة دون أن يمرضوا".
وقرر البعض إبقاء أطفالهم في المنزل، ولكن قيل لهم إن عليهم أن يذهبوا إلى المدرسة إذا قرروا ذلك. (يبدو الأمر ليس بنفس الإلزامية السابقة لأزمة فيروس كورونا).
في ظل الظروف المعتادة، يمكن أن يؤدي الغياب المطول دون ملاحظة الطبيب إلى فقدان الأسرة لإعانات دعم أطفالها، لكن وزارة الأطفال والتعليم خففت من سياستها في الوقت الحالي.
كما أن الأطفال الذين يعيشون مع أفراد العائلة المعرضين لخطر الإصابة هم فقط مؤهلون لمواصلة التعلم عن بُعد، وفقاً للمبادئ التوجيهية الحكومية.
من جانبها، أعربت بعض الشخصيات السياسية عن مخاوف من أن المبادئ التوجيهية التي تحدد من يجب أن يعود إلى المدرسة غير واضحة.
وستقرر المدارس نفسها ما إذا كان الموظفون في الفئة المعرضة للخطر يجب أن يكونوا في العمل أو يبقون في المنزل.
وقال أحد الآباء لـ BBC إن المدارس في منطقتها لن تفتح حتى يوم الإثنين. وأضافت أن هناك مخاوف من أن السلطات ستحاول فرض عودة إلى المدرسة على أطفال العائلات التي لديها أشخاص معرضون لخطر الإصابة بالفيروس الذين يعيشون في المنزل.
لكن الكثير من الآباء يثقون في حكم حكومتهم، وتجاوبوا معها.
ونشرت وسائل الإعلام الغربية صوراً لأطفال الدنمارك الشقر وهم يتلقون التعليم في مدارسهم، في واحدة من أقوى المؤشرات على تخفف أوروبا من إغلاقات فيروس كورونا الصارمة.
إجراءات لحماية الأطفال، ولكن ليست صارمة كما تتوقع
- التعليم الملتزم بالتباعد الاجتماعي
فرضت الحكومة إجراءات لحماية التلاميذ العائدين للمدارس.
وتم تطبيق ما يمكن تسميته التعليم الذي يراعي التباعد الاجتماعي أو التعليم الملتزم بالتباعد الاجتماعي (Socially distanced teaching).
فقد وصل الأطفال في دور الحضانة والمدرسة الابتدائية إلى غرف الصف الجديدة التي تضم مكاتب متباعدة تفصل بينها ستة أقدام (مترين) على الأقل.
من بين الأفكار المعتمدة تقسيم كل فصل إلى مجموعتين أو ثلاث مجموعات، ما حد من عدد الطلاب في الفصل إلى 12.
قال هنريك ويلهلمسن، مدير إحدى المدارس: "أصبح يتوفر لدينا مساحات أكبر لأننا نستخدم الفصول الدراسية التي يستخدمها عادةً الصوف الطلاب الأكبر سناً الذين يدرسون من المنزل الآن"، ولكن سيكون هناك مشكلة عندما يعود الطلاب الأكبر سناً أيضاً.
- الحصص في الهواء الطلق
بعض الدروس يتم إعطاؤها في الصالات الرياضية، وبعض المدرسين فضلوا إعطاء حصصهم للتلاميذ في حديقة أو فناء المدرسة.
- المعقمات في كل مكان
الزجاجات التي تحتوي على معقم اليدين قريبة للطلاب لتشجيعهم على تنظيف أيديهم بانتظام.
إذ يتم التركيز على عمليات التطهير والنظافة.
إذ تقول إليسا ريملر، من الاتحاد الدنماركي للطفولة المبكرة والمعلمين: "إننا جميعاً متوترون بعض الشيء، وعلينا أن نضمن التزامنا بقواعد النظافة".
"لدينا الكثير من غسل اليدين خلال النهار، وعلينا أن نحافظ على مسافة جيدة من بعضنا البعض، هذه مهمة صعبة للغاية".
- تقسيم لساحة المدرسة وخطط معقدة تجنب الزحام، ولكن ماذا عن الكمامات؟
غير أنه من اللافت أن القواعد التي وضعتها الحكومة لا تتضمن إلزام التلاميذ أو المدرسين بارتداء الكمامات.
بواسطة شرائط ملونة بالأحمر والأبيض كالتي تستخدمها الشرطة قسَّم المديرون ساحات المدارس إلى ستة أقسام.
وقبل استئناف الدراسة يتم إرسال هذه الرسومً التخطيطية التفصيلية إلى الآباء.
تتضمن الرسوم خرائط وتوقيتات وصول ومغادرة كل مجموعة من الطلاب، والطرق التي يسلكونها، وكذلك مواعيد مختلفة للاستراحات وأوقات الغداء لضمان عدم وقوع ازدحام.
أمر رائع ولكن العلماء غير واثقين
في حين يبدو أن الدنمارك قامت بتسوية منحنى إصابات فيروس كورونا الجديدة ، فإن الوقت فقط هو الذي سيحدد الدولة التي اتبعت النهج الصحيح.
يقول لارس أوسترجارد، كبير الاستشاريين والأستاذ في قسم الأمراض المعدية في مستشفى آرهوس الجامعي في الدنمارك: "لم يسير أحد على هذا الطريق من قبل، وستخبرنا النتيجة من اتخذ القرار الأفضل".
لكن يبدو أنه هناك دولة أوروبية تفكر في السير على خطى الدنمارك، خاصة بعدما شكك بعض العلماء في جدوى إيقاف الدراسة.
هل هناك جدوى لوقف التعليم حقاً؟
يقول فريق جامعة لندن كوليدج في لندن إن إبقاء التلاميذ بعيداً ليس له تأثير يذكر على منع تفشي الفيروس، حتى مع إجراءات الإغلاق الأخرى.
وقالت الحكومة البريطانية إنها ستراجع سياسات التعامل مع فيروس كورونا بعد عيد الفصح.
وفي حين أن الأطفال يمكن أن يصابوا بالفيروس التاجي، إلا أنهم نادراً ما يصابون بأعراض حادة.
لكن لا يزال بإمكانهم نشر العدوى، ولهذا أغلقت العديد من البلدان المدارس.
لكن البحث البريطاني الأخير، الذي نشر في مجلة لانسيت لصحة الأطفال والمراهقين (in The Lancet Child and Adolescent Health,)، نظر في 16 دراسة – بعضها درس انتشار فيروس كورونا المستجد، والبعض الآخر ركز على الإنفلونزا الموسمية وتفشي سارس 2003.
وكانت النتائج مثيرة للدهشة.
فقد أظهرت أن إغلاق المدارس يساعد أثناء تفشي الإنفلونزا، لكن الأمر قد لا ينطبق الشيء نفسه على الفيروس التاجية.
وتشير بيانات تفشي مرض سارس القريب من كورونا (في البر الرئيسي للصين وهونغ كونغ وسنغافورة) إلى أن إغلاق المدارس لم يسهم في السيطرة على الوباء.
وتتوقع دراسات النمذجة الحديثة لـ Covid-19 أن إغلاق المدارس وحده سيمنع فقط 2٪ – 4٪ من الوفيات، وهو عدد أقل بكثير من عدد الوفيات الذي يمكن منعه من استراتيجيات التباعد الاجتماعي الأخرى.
ما مدى مصداقية النتائج؟
قال أحد مؤلفي البحث، البروفيسور راسل فاينر: "إن البيانات حول فائدة إغلاق المدارس في تفشي الفيروس التاجي محدودة، لكن ما نعرفه يظهر أن تأثير إغلاق المدارس من المحتمل أن يكون صغيراً فقط.
"علاوة على ذلك، فإن تكاليف إغلاق المدارس باهظة، فقد تضرر تعليم الأطفال وقد تتأثر صحتهم العقلية، إضافة إلى الضرر العائلي".
وقال: "يجب أن يكون واضعو السياسات على بينة من الأدلة الملتبسة".
وأردف قائلاً: "إن على واضعي السياسات أن يزنوا الأضرار المحتملة ويعيدون فتح المدارس في أقرب فرصة، وليس بالضرورة الانتظار حتى سبتمبر/أيلول المقبل إذا كان من الممكن القيام بذلك بأمان في وقت أقرب.
في المقابل، يرى البروفيسور نيل فيرجسون، من "إمبريال كوليدج لندن"، أن البحث فشل في مراعاة التأثير الذي يمكن أن يحدثه إغلاق المدرسة إلى جانب تدابير الإغلاق الأخرى.
وقال: "إغلاق المدارس عندما يقترن بالتباعد الاجتماعي المكثف، فإنه يلعب دوراً مهماً في قطع الاتصالات المتبقية بين الأسر وبالتالي ضمان انخفاض انتقال المرض".
لكن يبدو أن قطار العودة للمدارس في ظل كورونا قد انطلق في أوروبا، فقد أعلن ولاية شمال الراين – وستفاليا، أكبر ولاية في ألمانيا من حيث عدد السكان، تخطط بالفعل لإعادة فتح المدارس الابتدائية مع بداية هذا الأسبوع، بينما يعتقد رئيس وزراء ولاية بافاريا، ماركوس سودر، أن هذا سابق لأوانه.
ويبدو أن أغلب الدول الأوروبية ستنتظر أن ترى نتيجة التجربة الدنماركية.