هي ليست شائعة أو قصة مفبركة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي. نعم، سعر برميل الخام الأمريكي انهار إلى حد 20 سنتاً فقط، أي 5 براميل تساوي دولاراً واحداً. فما قصة الانهيار التاريخي؟ وماذا تعني "أسعار عقود التأجيل"؟ وما دخل 21 أبريل/نيسان بالقصة؟
ماذا حدث؟
شهدت أسعار النفط، صباح الإثنين 20 أبريل/نيسان، تراجعاً ملحوظاً منذ بداية التعاملات، وبصفة خاصةٍ العقود الآجلة للخام الأمريكي، الذي هبط في البداية بنحو 26.2% إلى أقل من 15 دولاراً وهو أقل مستوى له منذ 1999، نتيجة للمخاوف من أن طاقة تخزين الخام بالولايات المتحدة ستمتلئ قريباً، بينما تتأهب الشركات للإعلان عن أسوأ نتائج فصلية منذ الأزمة المالية.
لكن مع حلول المساء انهارت أسعار العقود الآجلة (تسليم مايو/أيار المقبل) إلى نحو 20 سنتاً للبرميل فقط، والسبب هو أن تلك العقود ستسقط غداً الثلاثاء 21 أبريل/نيسان؛ وبالتالي سيضطر المنتجون إلى تخزين الخام حتى حلول موعد تسليمات عقود يونيو/حزيران.
تراجع الطلب
وحتى تكون القصة أكثر وضوحاً هنا، نذكر العامل الرئيسي لتراجع الأسعار وهو انخفاض الطلب العالمي على النفط بشكل عام، بسبب جائحة كورونا التي أجبرت العالم على إغلاق معظم الأنشطة الاقتصادية، خصوصاً السفر سواء جواً أو براً أو بحراً.
السبب الثاني المباشر هو حرب أسعار النفط التي أشعلتها المملكة العربية السعودية مطلع مارس/آذار الماضي، بسبب الخلاف مع روسيا حول تخفيض الإنتاج؛ وهو ما أدى إلى فقدان النفط أكثر من 50% من سعر البرميل مرة واحدة، ثم استمر التراجع مع إعلان المملكة عن زيادة إنتاجها في أبريل/نيسان الجاري.
الأسعار المتدنية شجعت بعض كبار مستوردي النفط -خصوصاً الصين- على شراء النفط بالمستويات المعتادة نفسها تقريباً بغرض تخزينه، للاستفادة من الأسعار المنخفضة، لكن ذلك خلق إشكالية أخرى وهي التخزين.
مخازن ممتلئة عن آخرها أو كادت
وعلى الرغم من توصل منظمة أوبك بقيادة السعودية إلى اتفاق تخفيض قياسي في الإنتاج مع روسيا والولايات المتحدة قبل نحو أسبوع، فإن ذلك لم يؤثر على الأسعار بصورة ملحوظة، مع استمرار تدني الطلب أو انعدامه، واقتراب منشآت التخزين من الامتلاء عن آخرها.
والذي حدث اليوم فيما يتعلق بالخام الأمريكي تحديداً يتعلق بسعة التخزين، فالشركات تريد التخلص من الخام الذي لديها ولو من دون مقابل، لأن تخزينه يكلفها مبالغ كبيرة، وغداً الثلاثاء هو اليوم الأخير في مواعيد تسليم الخام لعقود شهر مايو/أيار المقبل؛ وبالتالي لجأت الشركات لعرض الخام بلا مقابل تقريباً كبديل عن إرساله لأماكن التخزين التي أوشكت على الامتلاء.
وانعكس الموقف بالطبع على سعر الخام الأمريكي لعقود يونيو/حزيران التي انخفضت بنسبة 9% تقريباً، لتصل إلى 22.85 دولار للبرميل، مع تزايد كميات الخام المخزونة بالولايات المتحدة، لا سيما في كاشينج حيث نقطة التسليم لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في أوكلاهوما، مع تقليص المصافي الأنشطة في مواجهة الطلب الضعيف.
وقال بيورنار تونهاوجن مدير أسواق النفط في ريستاد: "مع استمرار الإنتاج دون تأثر يُذكر، تمتلئ الخزانات يوماً بعد يوم. يستهلك العالم كميات أقل من النفط ويستشعر المنتجون تأثير ذلك على الأسعار"، ويقدَّر حجم مخزونات النفط العائمة على متن الناقلات عند مستوى قياسي مرتفع يبلغ 160 مليون برميل.
ماذا يعني "أسعار عقود التأجيل"؟
الموقف الذي واجهه منتجو الخام الأمريكي اليوم ربما يكون غير مسبوق، ويُعرف بعقود التأجيل أو Contango، وهو يعني أن يجد المنتِج نفسه مضطراً للتخلص من سلعته التي حل موعد تسليمها دون أن يجد مشترياً لها بفعل تدني الطلب على السلعة، فيصبح تخزين السلعة عبئاً مالياً إضافياً يود التخلص منه ولو حتى دفع للمشترين مقابل أن يخلصوه من السلعة.
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية وصفت الموقف بالقول إن "المنتجين قد يدفعون للمشترين؛ في محاولة لتأجيل اضطرار المنتِج لإغلاق شركة الإنتاج"، في إشارة إلى مدى عمق الأزمة التي يواجهها قطاع الطاقة الأمريكي بفعل كارثة وباء كورونا وحرب الأسعار.
وقد وصف المحلل النفطي جيسون جاميل الموقف للصحيفة البريطانية بأنه "أسوأ أزمة تواجهها صناعة النفط على الإطلاق"، وهو ما يمثل تحدياً خاصاً للرئيس الأمريكي الذي يمر بأصعب فترات رئاسته الأولى في البيت الأبيض، وسط السباق للفوز بفترة ثانية.
وحتى الآن تحافظ أسعار العقود الآجلة للخام الأمريكي في يونيو/حزيران المقبل، على بعض التماسك، بسبب رهان بعض المستثمرين على إمكانية التعافي سريعاً، وهو أمر غير محسوم ولا يوجد ضمان على أن انهيار الأسعار اليوم لن يتكرر مرة أخرى مع حلول 21 مايو/أيار المقبل (موعد تسليم خام عقود يونيو/حزيران).