هل يتكرر الكساد العظيم الذي حدث في ثلاثينيات القرن العشرين، من جراء الأزمة الاقتصادية التي سببها فيروس كورونا؟
تميل المقارنات بشأن الأزمة الاقتصادية العالمية إلى القول بمقارنتها بالأزمة المالية لعام 2008، ولكن صندوق النقد حسم الأمر بالقول إنها أسوأ من هذه الأزمة.
وأصبحت المقارنات تنحو إلى القول إن العالم مُقْدم على أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، وهي مقارنة فيها تلميح إلى أن الركود غير المسبوق الذي بدأ فعلاً بسبب كورونا، على صعوبته لن يصل إلى مستوى الكساد العظيم.
ولكن يبدو أن صندوق النقد لديه رأي آخر.
صندوق النقد يغيّر توقعاته
المشكلة أن جائحة "كوفيد-19" تنتشر بسرعة؛ ومن ثم فإن البلدان ليس لديها فعلياً وقت للاستعداد لها. وتفتقر أيضاً البلدان إلى أي خبرة في التعامل مع ركود بمثل هذه الضراوة، حسب وصف صحيفة The Guardian البريطانية.
واضطر صندوق النقد الدولي إلى تغيير توقعاته كلياً من جراء مرض "كوفيد-19" الذي يسببه فيروس كورونا. عرف الصندوق أن هناك احتمالاً لأن تسوء الأوضاع، لكنه ببساطة لم يحدد في البداية التداعيات المحتملة، فكان التدهور أسرع من قدرة توقعاته.
ومع افتراض أن بلوغ ذروة الجائحة والاحتواء اللازم لها سيكون في الربع الثاني من العام بالنسبة لمعظم بلدان العالم، ثم انحسارها في النصف الثاني من العام، يتوقع صندوق النقد انخفاض النمو العالمي في عام 2020 إلى -3%، هبوطاً من 6.3 نقطة مئوية في يناير/كانون الثاني 2020، حسبما ورد في عدد أبريل/نيسان 2020 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
وهو تعديل كبير في فترة قصيرة جداً. وهذا ما يجعل "الإغلاق العام الكبير" أسوأ ركود منذ سنوات "الكساد الكبير"، وأسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية.
إنها أزمة منقطعة النظير، حسب غيتا غوبيناث المستشار الاقتصادي ومدير إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي.
وهناك عدم يقين كبير حول تأثيرها على حياة الناس وأرزاقهم. والكثير يعتمد على الخصائص الوبائية للفيروس، وفاعلية إجراءات احتوائه، وتطوير العلاجات واللقاحات لمواجهته، وكلها أمور يصعب التنبؤ بها.
وبالإضافة إلى ذلك، فكثير من البلدان تواجه الآن أزمات متعددة -أزمة صحية وأزمة مالية وانهيار في أسعار السلع الأولية- وكلها تتفاعل معاً بطرق معقدة. ويقدم صُناع السياسات دعماً غير مسبوق للأسر والشركات والأسواق المالية؛ ورغم ضرورة هذا الإجراء لتحقيق تعافٍ قوي، فإن هناك عدم يقين كبيراً حول شكل المشهد الاقتصادي حين نخرج من هذا الإغلاق العام.
السيناريو السيئ.. تعافٍ جزئي في 2021 بعد خسارةٍ تعادل اقتصادَي ألمانيا وفرنسا
ومع افتراض انحسار الجائحة في النصف الثاني من عام 2020، وأن إجراءات السياسة المتخذة حول العالم فعالة في منع انتشار حالات الإفلاس بين الشركات، واتساع نطاق فقدان الوظائف، والتوترات المالية النظامية، يتوقع الصندوق تعافي النمو العالمي في عام 2021 مسجلاً 5.8%.
وهذا التعافي المتوقع لعام 2021 ما هو إلا تعافٍ جزئي، لأنه من المتوقع أن يظل مستوى النشاط الاقتصادي أقل من المستوى الذي أشارت إليه توقعات الصندوق السابقة لهذا العام، قبل أن يوجِّه الفيروس ضربته.
ويمكن أن تكون الخسارة التراكمية في إجمالي الناتج المحلي العالمي على مدار العامين 2020 و2021، بسبب أزمة الجائحة، نحو 9 تريليونات دولار أمريكي، أي أكبر من اقتصادَي اليابان وألمانيا مجتمعَين.
الجميع متضرر، ولكن مصيبة هذه الدول أكبر
إنها أزمة عالمية بحق، فما من بلد أفلت منها، حسب غيتا غوبيناث.
ولكن البلدان التي يعتمد النمو فيها على السياحة والسفر والضيافة والترفيه تعاني بصفة خاصة من اضطرابات ضخمة.
وتواجه اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تحديات إضافية مع الخروج غير المسبوق لتدفقات رؤوس الأموال، نتيجة لتراجع الإقبال على المخاطر عالمياً، وضغوط العملة، في حين تحاول مواكبة الأزمة بنظم صحية أضعف، وحيز مالي أضيق لتقديم الدعم. وبالإضافة إلى ذلك، فقد دخلت عدة اقتصادات هذه الأزمة وهي في وضع هش؛ نظراً إلى تباطؤ النمو وارتفاع مستويات المديونية.
وللمرة الأولى منذ "الكساد الكبير"، يصيب الركود كلاً من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
ومن المتوقع أن يبلغ النمو في الاقتصادات المتقدمة -6.1% هذا العام. كذلك يُتوقع لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ذات مستويات النمو الأعلى بكثير من الاقتصادات المتقدمة، أن تتحول إلى معدلات نمو سالبة تبلغ -1.0% في عام 2020 و -2.2% إذا استُثنيت الصين.
ومن المتوقع أن ينكمش متوسط دخل الفرد في أكثر من 170 بلداً. كذلك تشير التوقعات إلى تحقيق تعافٍ جزئي في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في عام 2021.
من المهم تسطيح المنحنى
تقول إن تسطيح منحنى انتشار فيروس كوفيد-19 باستخدام الإغلاق العام يسمح للنظم الصحية بمواكبة المرض، مما يسمح بدوره باستئناف النشاط الاقتصادي.
وتشدد على أنه لا توجد مفاضلة بين إنقاذ الأرواح وإنقاذ الأرزاق.
وتقول: "ينبغي للبلدان مواصلة الإنفاق بسخاء على النظم الصحية، وإجراء اختبارات كشف الفيروس على نطاق واسع، والإحجام عن فرض قيود تجارية على المستلزمات الطبية. ويجب بذل جهد عالمي يضمن حصول كل من البلدان الغنية والفقيرة على الأدوية واللقاحات فور التوصل إليها".
ويستمد صندوق النقد الدولي شجاعته من القرائن على أن الإغلاقات تساعد في احتواء الفيروس.
ويعتقد أن سياسة الاستجابة الاستثنائية من البنوك المركزية ستساعد في الحد من إفلاس الشركات وفقدان الوظائف، حسب وصف صحيفة The Guardian.
ويبقى أن نرى إلى أي مدى ستكون عملية التعافي تدريجية، وما إذا كانت ستعرقلها إعادة تفشي فيروس كورونا التي يمكن أن تقود العالم إلى سيناريو قد يكون أسوأ.
هل يتكرر الكساد العظيم؟
تقول غيتا غوبيناث: "نظراً إلى عدم اليقين الشديد الذي يحيط بمدة الأزمة الصحية ومدى كثافتها، نقوم أيضاً باستكشاف سيناريوهات أخرى أكثر سوءاً".
فقد لا تنحسر الجائحة في النصف الثاني من هذا العام، مما يقود إلى فترة احتواء أطول، وتفاقم الأوضاع المالية، وزيادة الانهيارات في سلاسل العرض العالمية.
وفي مثل هذه الحالات، يمكن أن يزداد انخفاض إجمالي الناتج المحلي العالمي بمقدار 3% إضافية في عام 2020 إذا طال أمد الجائحة هذا العام، في حين يمكن أن ينخفض عن السيناريو الأساسي الذي وضعناه، بمقدار 8% إضافية، في العام القادم إذا استمرت الجائحة إلى عام 2021.
فقد وضع الصندوق بدائل لتوقعاته الأساسية، تأخذ في الاعتبار امتداد الإغلاقات وتفشي الجائحة من جديد.
قد يعني هذا انكماشاً أكبر سيمتد فترة أطول، ليصل إلى العام المقبل. وفي حال حدوث هذا السيناريو الأسوأ سيكون الاقتصاد العالمي في طريقه إلى الانكماش بما يفوق 10%، وسيكون الحديث عن كساد عظيم ثانٍ واجباً، حسب وصف صحيفة The Guardian.