مراحل تطوير اللقاحات معقدة، ولذا فإن الوقت اللازم لتطوير لقاح لكورونا قد يصل إلى عام على الأقل".
هذا ما قالته منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي في إجابتها عن السؤال الأكثر إلحاحاً في عالم اليوم وهو ما هو الوقت اللازم لتطوير لقاح لكورونا وإنتاجه؟
ولكن تبدو المنظمة متفائلة بالنسبة لبعض التقديرات الأخرى.
إذ يقول بعض الخبراء إن اللقاحات تستغرق عادةً سنوات لتطويرها، ويمكن أن يستغرق إنتاج لقاح لفيروس كورونا المستجد ما بين 12 إلى 18 شهراً في أفضل الأحوال.
بالطبع هذه الإجابات تغضب الكثيرين مثل السيد دونالد ترامب الذي سبق أن سخر من الأطباء واعتبر أنهم يبالغون في مخاوفهم وتقديراتهم.
ولكن بعيداً عن ترامب وغيره من المتعجلين لإعادة الحياة إلى طبيعتها، فإن طول الزمن الذي يستغرقه تطوير لقاح لكورونا أو أي لقاح يعود إلى وجود مراحل محددة يجب الالتزام بها لضمان فعالية اللقاح والأهم سلامته للاستخدام البشري.
مراحل تطوير اللقاحات
وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة الأمريكية (CDC) فإن المراحل العامة لدورة تطوير اللقاح في الولايات المتحدة هي كالتالي:
1- المرحلة الاستكشافية: يفتشون عن المستضدات
تم تصميم هذه المرحلة المكثفة من الأبحاث لعملية تطوير اللقاح لتحديد "المستضدات (مادة تثير إنتاج الأجسام المضادة) الطبيعية أو الاصطناعية التي قد تساعد في منع أو علاج المرض".
وقد تتضمن هذه المستضدات سلالات ضعيفة من فيروس معين.
2 – المرحلة ما قبل السريرية: التأكد منه سينتج مناعة
خلال هذه المرحلة، يستخدم الباحثون – أنظمة زراعة الأنسجة أو أنظمة زراعة الخلايا واختبار الحيوانات لتحديد ما إذا كان اللقاح المرشح سينتج مناعة أم لا.
لا تنتقل العديد من اللقاحات المرشحة إلى المرحلة التالية من التطور لأنها تفشل في إنتاج تلك المناعة أو تثبت أنها ضارة للأشخاص الخاضعين للاختبار.
2- الاختبارات السريرية: المرحلة الأكثر تعقيداً
في هذه المرحلة، يقوم أحد الرعاة، عادةً ما يكون شركة خاصة، بتقديم طلب للحصول على دواء استقصائي جديد إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
يلخص هذا الطلب النتائج التي تم التوصل إليها ويصف كيفية اختبار الدواء وتصنيعه والمؤسسة التي ستستضيف التجربة السريرية والتي يكون لديها مجلس للمراجعة والموافقة على الطلب.
لدى إدارة الأغذية والأدوية 30 يوماً للموافقة على الطلب. بمجرد الموافقة على الاقتراح، يجب أن يمر اللقاح بثلاث مراحل تجريبية للاختبار البشري أو ما يعرف بالاختبارات السريرية:
- المرحلة الأولى: تتضمن اختبار اللقاح المرشح على مجموعة صغيرة (أقل من 100 شخص) بهدف تحديد ما إذا كان اللقاح المرشح آمناً ومعرفة المزيد عن الاستجابات التي يثيرها بين الأشخاص الخاضعين للاختبار.
- المرحلة الثاني: تشمل المئات من الأشخاص الخاضعين للاختبارات البشرية، إلى تقديم مزيد من المعلومات حول السلامة والتحصين المناعي وجدول التحصين وحجم الجرعة، في هذه المرحلة يتم توسيع الدراسة السريرية ويتم إعطاء اللقاح للأشخاص الذين لديهم خصائص (مثل العمر والصحة البدنية) مشابهة لتلك التي يستهدفها اللقاح الجديد.
- المرحلة الثالثة: يمكن أن تشمل الآلاف أو عشرات الآلاف من الأشخاص الخاضعين للاختبار، يتم قياس السلامة (لأن الآثار الجانبية النادرة في بعض الأحيان لا تظهر في مجموعات أصغر) وفعالية اللقاح المرشح.
3- المراجعة والموافقة التنظيمية: أخيراً اقتربنا
إذا مر اللقاح عبر المراحل الثلاث للتطور السريري، يقدم مطور اللقاح طلب ترخيص بيولوجي إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
4- التصنيع: مرحلة جني الأرباح
توفر كبرى شركات تصنيع الأدوية البنية التحتية والموظفين والمعدات اللازمة لإنشاء كميات كبيرة من اللقاحات. كما أنهم يجنون أرباح الأدوية الناجحة أو الموزعة على نطاق واسع.
5 – مرحلة مراقبة الجودة: أضرار ما بعد الإنتاج
الموافقة والتوزيع ليسا نهاية خط العمل على اللقاح.
بل يجب على أصحاب المصلحة الالتزام بالإجراءات التي تسمح لهم بتتبع ما إذا كان اللقاح يعمل كما هو متوقع أم لا.
وفي هذا الإطار تم تصميم أنظمة متعددة – بما في ذلك الدراسات الاختيارية التي يمكن إجراؤها بعد إطلاق لقاح، ونظام الإبلاغ عن الأحداث الضارة للقاح لمراقبة أداء وسلامة وفعالية لقاح.
مهلاً، الوقت اللازم لتطوير لقاح لكورونا قد يكون أقصر بفضل بعض الأفكار الجديدة
بخلاف ما حدث في العديد من حالات تفشي الأمراض في السابق، حيث استغرق تطوير لقاحات لحماية الناس سنوات، فإن البحث عن لقاح للمساعدة في وقف تفشي فيروس كورونا بدأ في غضون ساعات من تحديد طبيعة الفيروس.
فقد نشر المسؤولون الصينيون الشفرة الوراثية للفيروس بسرعة كبيرة. وهذه المعلومة تساعد العلماء على تحديد المصدر المرجح للفيروس، والكيفية التي قد يتحور بها مع انتشاره على نطاق أوسع، بالإضافة إلى كيفية وقاية الناس منه والأهم تسرع الجهود لإنتاج اللقاح.
كما نظراً لانتشار فيروس كورونا واسع النطاق بشكل غير مسبوق في العصر الحديث، ولأنه تفشى في الدول الأكثر تقدماً في أوروبا وأمريكا وآسيا، فإن هناك سباقاً محموماً لإنتاج لقاح له.
وتمثل مرحلة التجارب السريرية المرحلة الأكثر تعقيداً لأنها فعلياً تنقسم إلى ثلاث مراحل فرعية، كما أنها المرحلة التي يطرح البعض ضرورة اختصارها.
مغامرة علمية لتسريع إنتاج لقاح كورونا
يتداول بعض العلماء أفكاراً لتسريع عملية إنتاج لقاح كورونا، بما فيها التفكير في المغامرة بتعريض بعض المتطوعين للخطر لضمان إنقاذ العالم من الفيروس.
ومن أجل اعتماد أي لقاح، سيتلقى الآلاف من الناس اللقاح نفسه أو اللقاح الوهمي لتحديد ما إذا كان الأول فعالاً في منع العدوى من الفيروس، التي كانوا سيواجهونها بشكل طبيعي.
في أي تجربة لأي لقاح أو دواء، يتم تشكيل مجموعتين، الأولى الأساسية تعطى اللقاح المطلوب اختباره، والثانية تعطى لقاحاً وهمياً وتسمى المجموعة الضابطة، ذلك بهدف رصد الفروق بين المجموعتين لاختبار اللقاح المستهدف.
والانتظار لمعرفة مدى المناعة التي تشكلت لديهم عبر انتقال الفيروس لهم بشكل عادي كسائر أفراد المجتمع، أي بشكل عرضي وغير مقصود.
وهذا أحد أسباب إطالة فترة إنتاج اللقاحات.
ولتجاوز ذلك، اقترح بعض العلماء طريقة لتسريع العملية – عن طريق تعريض المتطوعين لفيروس كورونا عن عمد لتحديد فعالية اللقاح.
يقول نير إيال، أستاذ أخلاقيات البيولوجيا في جامعة روتجرز الأمريكية: "إن هذا النهج لا يخلو من المخاطر، ولكن لديه القدرة على تسريع اختبار اللقاح المرشح لعدة أشهر".
ويجب أن يكون المتطوعون صغاراً وأصحاء، ويؤكد: "ستتم أيضاً مراقبة صحتهم عن كثب، وسيكون لديهم إمكانية الحصول على الرعاية المركزة وأي أدوية متاحة".
يمكن أن تكون النتيجة لقاحاً من شأنه أن ينقذ ملايين الأرواح من خلال الاستعداد للاستخدام في وقت أقصر بكثير من اللقاحات التي تمر بالمراحل التقليدية للتجارب.
لكن العدوى المتعمدة للأشخاص -لا سيما المتطوعين الذين سيُعطون لقاحاً وهمياً كجزء من التجربة- أمر مثير للجدل لأنهم سيتم تعريضهم للعدوى من الفيروس عمداً مع عدم تلقيهم اللقاح الذي يجري اختباره.
يقول البروفيسور آدم فين من جامعة بريستول: "يجب التفكير في هذا الأمر بعناية فائقة". "قد يرغب بعض الشباب في الانضمام إلى مثل هذه التجربة (في إطار حماسهم لإنقاذ العالم)، لكن هذا الفيروس قتل في بعض الحالات الشباب أيضاً، لا نعلم لماذا بعد!.
ولكن فريقاً بريطانياً لديه فكرة أقل خطراً وأكثر تكلفة ويبدو أنه الأقرب للقاح
فريق جامعة أوكسفورد البريطانية الذي يعمل على واحد من أكثر المشروعات الواعدة لإنتاج لقاح لكورونا لديه فكرة لتسريع الإنتاج بطريقة أقل مخاطرة أو على الأقل هي لا تغامر بحياة المتطوعين أو صحتهم بل بأموال الحكومات فقط.
تقول سارة جيلبرت، أستاذة علم اللقاحات في جامعة أكسفورد ورئيسة الفريق إن "توصل فريق للقاح بحلول الخريف سيكون ممكناً تقريباً إذا سارت الأمور على أكمل وجه".
ولكن المشكلة أنه بعد التوصل لتركيبة اللقاح قد يستغرق تصنيع ملايين الجرعات اللازمة أشهراً، حسبما نقلت عنها وكالة Blooomberg الأمريكية.
ولذا تقول سارة جيلبرت، إنها تجري مناقشات مع الحكومة البريطانية بشأن التمويل، وبدء إنتاج اللقاح قبل ظهور النتائج النهائية، مما يتيح للجمهور الوصول إلى اللقاح على الفور إذا ثبت أنه يعمل.
كما أن هناك طريقة ثالثة تستخدم حالياً، لاختبار لقاح BCG الذي يوجد احتمال أنه يقوي المناعة ضد فيروس كورونا من خلال تقويته للمناعة العامة للجسم.
وهو لقاح بكتيري موجود منذ ما يقرب من قرن، له تأثير وقائي موثق ضد التهاب السحايا وانتشار السل لدى الأطفال، كما تم الإبلاغ عن أنه يوفر حماية واسعة للالتهابات التنفسية.
وتقوم مؤسسة أسترالية باختبار هذا اللقاح على 4000 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في المستشفيات في جميع أنحاء أستراليا، باعتبارهم الفئة الأكثر تعرضاً للفيروس.
ويمكن تطبيق هذه الفكرة على اللقاح المنتظر لفيروس كورونا كبديل أسرع للاختبارات السريرية المطولة.