"نشكر منفذي العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا "إيريني" فهم يمنعون السلاح عن أعدائنا في حكومة الوفاق، بينما يتيحون لنا الحصول عليه بكل سهولة عبر الحدود المصرية".
كان هذا تقريباً لسان حان قوات الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر التي رحبت بقرب بدء العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا، رغم أنه الجانب الأكثر تلقياً للسلاح من الخارج.
ففي توقيت غريب أعلن الاتحاد الأوروبي في نهاية مارس/آذار 2020 عن إطلاق العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا.
إذ جاء الإعلان عن إطلاق العملية في خضم جائحة فيروس كورونا التي تضرب الدول الأوروبية، خاصة المتوسطية منها.
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وافقوا، الإثنين 17 فبراير/شباط 2020، على إطلاق مهمة بَحرية وجوية في شرق البحر المتوسط؛ لمنع وصول مزيد من الأسلحة إلى الفصائل المتحاربة في ليبيا.
لماذا تُسعد العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا حفتر؟
معسكر حفتر، الذي يُفترض نظرياً أنه أكثر المتضررين من عملية "إيريني" التي تهدف إلى مراقبة وتنفيذ حظر تدفق السلاح والمقاتلين إلى ليبيا، رحب بالعملية الأوروبية، واعتبر أنها ستوقف الدعم التركي إلى حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً.
وبالطبع فإن من يركزون على الدعم الذي يصل لحكومة الوفاق يتجاهلون استقبال حفتر لأطنان الأسلحة التي تتدفق من الإمارات ومصر والأردن على وجه الخصوص، سواء براً عبر الحدود المصرية مع ليبيا، أو جواً من أبوظبي عبر أجواء السعودية إلى مطار العقبة الأردني ومنه إلى قاعدة "الخادم" الجوية بشرق ليبيا.
ولهذا يرحب حفتر بالعملية البحرية الأوروبية لحظر السلاح لليبيا.
إذ إن دور العملية الرئيسي هو تفتيش السفن، التي تنقل الأسلحة إلى ليبيا، أما بالنسبة لنقل الأسلحة والمقاتلين الأجانب براً أو جواً، فتكتفي "إيريني" بالمراقبة الجوية وبالأقمار الصناعية دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح بكميات كبيرة براً وجواً إلى حفتر.
واقعيا بينما ستسعى العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا لخنق حكومة الوفاق بحراً علماً أن حفتر لا يعتمد بشكل أساسي على الإمدادات البحرية.
وتتضح هذه الحقيقة من خلال بيان المجلس الأوروبي ذاته، والذي أوضح مؤخراً أنه سيتم استخدام الموارد الجوية والبحرية والأقمار الصناعية لفرض الحظر على تصدير السلاح إلى ليبيا، وأن العملية "ستسمح على وجه الخصوص بإجراء عمليات تفتيش على متن السفن قبالة السواحل الليبية، يشتبه في نقل الأسلحة.. إليها أو منها".
فحتى الصحافة الفرنسية ذاتها وصلت إلى نفس الاستنتاج، حيث علقت صحيفة "جون أفريك" على هذا البيان بالقول: "إن السفن، في نهاية المطاف، هي المستهدفة من طرف معايير الإلزام (التفتيش الإجباري)".
بينما وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري مهام العملية العسكرية الأوروبية بأنها تعتمد "معايير مزدوجة".
الخطة تتجاهل تهريب السلاح عبر ألف كيلومتر من الحدود المصرية
هدف العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا المعلن منع تهريب الأسلحة إلى الطرفين عبر البحر.
ولكن ماذا عن حدود ليبيا البرية مع ست دول؟ وتحديداً ماذا عن حدودها التي يبلغ طولها ألفاً و200 كيلومتر مع مصر، التي تقول الأمم المتحدة إنها مع الإمارات أكبر داعم للجنرال خليفة حفتر الذي اخترق وقف النار مراراً، هل تتم مراقبتها؟
تقارير إعلامية نسبت إلى وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، قوله إن العملية يمكن أن تتطور لمراقبة تهريب الأسلحة من البر.
يمكن أن يكون هذا ما تتمناه حكومة إيطاليا التي تؤيد حكومة الوفاق.
ولكن جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كان واضحاً إذ سبق أن أجاب عن هذا التساؤل، بأنه لا يمكن نشر قوات على الحدود المصرية الليبية؛ فهما دولتان ذواتا سيادة.
ودفع هذا حكومة الوفاق إلى وصف المهمة الأوروبية بأنها تصب في مصلحة حفتر وتستهدف التعاون التركي الليبي فقط.
من جانبها، تفضل تركيا إشراف الأمم المتحدة، على تنفيذ الحظر.
المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر سيليك، قال في تعليق سابق على الخطة إن اقتصار خطة أوروبا على حظر توريد السلاح إلى ليبيا على البحر سيكبل طرفاً دون آخر.
وأضاف أن الأمم المتحدة، وليس الاتحاد الأوروبي، يجب أن تشرف على حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
وقال عمر سيليك، خلال مؤتمر صحفي: "نعتقد أن الاتحاد الأوروبي، الذي يشرف على حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، لن يحقق نتائج واقعية، لأن بعض دول الاتحاد الأوروبي تدعم حفتر مباشرةً وترسل أسلحة إليه".
وترى تركيا أن آلية الأمم المتحدة أفضل آلية مع إعطاء الأولوية لتنفيذ وقف إطلاق النار.
كما أن روسيا طالبت بموافقة مجلس الأمن الدولي على آلية تنفيذ المهمة الأوروبية.
لماذا قرر الاتحاد الأوروبي إطلاق العملية في هذا التوقيت رغم انشغاله بأزمة كورونا؟
جاء إعلان إطلاق العملية بعد أسبوع فقط من إطلاق الحكومة الليبية "عملية عاصفة السلام" في محاولة على ما يبدو لتطويق نجاحات حكومة الوفاق العسكرية مع توالي الدعم التركي لها.
إذ أعلن الاتحاد الأوروبي، في 31 مارس/آذار الماضي، إطلاق عملية إيريني، التي تعني باللغة اليونانية "السلام".
فمنذ 25 مارس/آذار 2020، حققت قوات الوفاق نتائج غير متوقعة بعد اقتحام قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، وإسقاط عدة طائرات مقاتلة ومسيرة، وتدمير غرفة عمليات سرت الكبرى التابعة لحفتر، والقضاء على نحو 200 من قادة ومسلحي حفتر، خاصة في محور الوشكة غرب مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس).
كما تمكن طيران الوفاق من تقطيع أوصال خطوط الإمداد لميليشيات حفتر، من قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) حتى مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، مروراً بمدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، فارضاً بذلك هيمنة على سماء المعركة بالمنطقة الغربية لأول مرة منذ أبريل/نيسان 2019.
لذلك، فإسراع الاتحاد الأوروبي في الإعلان عن "إيريني" في هذا التوقيت بالذات، وقبل حتى تشكيل القوة البحرية التي ستتولى تنفيذ العملية، ودون تفويض من مجلس الأمن الدولي، ورغم معارضة الحكومة الليبية، يبدو أنه يهدف إلى تقييد قوات الوفاق، ومحاصرتها وتقويض نجاحاتها، وفي الوقت ذاته إطلاق أيدي الدول الداعمة لحفتر لتهريب السلاح إلى شرق ليبيا براً وجواً.
ويرى الكثيرون أن هذا يشكل انحيازاً صارخاً لطرف دون آخر، ما ينزع عن الاتحاد الأوروبي صفتي "الحياد" و"المصداقية".
وهذا ما أوضحه وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة، عندما قال: "الشكل الراهن للعملية يضعها في موضع اتهام بأن المستهدف هو حكومة الوفاق، في إغفال وتجاهل تام لأي رقابة على عملية تسليح حفتر".
العملية ستترك المهاجرين يغرقون
لم تتضح بعد الدول التي ستسهم بسفنها وطائرات الاستطلاع في عملية إيريني، لكن ألمانيا وفرنسا أكثر المتحمسين لها.
وتبدو فرنسا حليفة حفتر الرئيسية القوة الدافعة وراء هذه الخطة، مستغلة الشراكة بينها وبين ألمانيا في قيادة الاتحاد الأوروبي لتوجيه سياساته لخدمة المصالح الفرنسية بينما يجري تهميش مواقف إيطاليا المؤيدة لحكومة الوفاق.
وكانت النمسا قد استخدمت حق النقض على العملية البحرية الأوروبية لحظر توريد السلاح لليبيا خلال المناقشات بشأنها ولم ترفعه إلا بعدما تعهد الاتحاد الأوروبي بأن المهمة الجديدة ستكون عسكرية بحتة وليست إنسانية.
فوفقاً للمهمة الجديدة، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي أن العملية تهدف لمراقبة حظر الأسلحة فقط، وستبتعد عن مسارات المهاجرين.