ما مِن شيءٍ في حياة إنريكو جياكوموني، التي امتدَّت طيلة أكثر من ثمانين عاماً في روما، يشبه الحالة التي تُوفِّي عليها: وحيداً. يقول ابنه لشبكة ABC News الأسترالية، إنه كان شخصاً صالحاً، رجلاً كان يتولَّى مسؤولياته بجديَّة، ولم يدع ضغوط الحياة تنال من طيبته. بنى مشروعاً للإنشاءات دَعَمَ به عائلته وعائلة أخته. وقد وظَّفَ 10 أشخاص حين كان لديه ما يكفي من العملاء.
ولدى تقاعده، وجدَ السعادة حين كان يسمع أحفاده ينادونه بـ "الجد"، وحين كان يتحدَّث مع الجيران والبقَّالين خلال جولة التسوُّق، وحين كان يطهو مع زوجته. ثم جاءت الحمى التي أدَّت إلى مشكلاتٍ بالتنفُّس استدعَت الاتصال طلباً لسيارة إسعاف.
ارتدى ملابسه وتوجَّه إلى باب شقته بمساعدة ابنه، الذي حاول اصطحابه. أوقَفَ المُسعِفون، مرتدين بدلاتهم الواقية، ابنه، إذ حُظِرَت المُرافَقة وزيارات المستشفى بعد الكشف عن أن الوالد مُصاب بالفيروس. وتُوفِّي جياكوموني بعدها بـ13 يوماً.
جائحة كالحرب
وُلِدَ إنريكو جياكوموني في العام الذي دَخَلَت فيه إيطاليا الحرب العالمية الثانية. وقد سَلَبَت الجائحة العالمية، التي اجتذبت المقارنات بمعاناة الحرب، أرواحاً في إيطاليا أكثر من أيِّ بلدٍ آخر.
وقد وَصَلَت إيطاليا إلى هذا المؤشِّر المُحزِن في الأسبوع نفسه الذي نَقَلَت فيه سيارة الإسعاف جياكوموني إلى المستشفى، وظَهَرَت فيه نتيجته لاختبار الفيروس إيجابية، ومن ثم أُودِعَ العناية المُركَّزة في 16 مارس/آذار.
تلقَّت زوجته وابنه تعليماتٍ بالعزل المنزلي بعد تأكُّد إصابته بالعدوى. وقد أوشكت الزوجة والابن على اختتام أسبوعين من العزل حين تُوفِّي جياكوموني في 29 مارس/آذار.
وفي اليوم التالي لوفاة والده، جَلَسَ روبرتو جياكوموني، 50 عاماً، إلى المكتب، حيث اعتاد والده أن يجلس ليلعب الشطرنج على الكمبيوتر ويحل ألغاز الكلمات المتقاطعة. وحين كان يعمل من أجل نقل جثمان والده إلى المحرقة، وَقَفَت الأم، جوليا، تنتحب بالجوار. امتدَّ زواجهما لـ55 عاماً.
تضحيات
كان إنريكو جياكوموني يُغدِق بما لديه، لكن المال كان شحيحاً دائماً. كان يحب البحر، أحد كنوز إيطاليا، ويأخذ عائلته في نزهاتٍ كلَّما كان قادراً على ذلك. وقد تكبَّد تضحياتٍ كي يبتاع شقتهم العلوية ذات الغرفتين في أحد أحياء الطبقة العاملة في العام 1987.
شُخِّصَ بسرطان الرئة فور تقاعده، لكنه نجا بإجراء جراحةٍ أُجرِيَت بعد عقدٍ كامل. ثم أصابه فيروس كورونا.
في الأيام القليلة الأولى بعد دخوله المستشفى، كان أفراد العائلة لا يزال بمقدورهم رؤيته والدردشة معه عبر مكالمات الفيديو. لكن بمجرد وضعه على جهاز التنفُّس الصناعي، صار على العائلة أن تعتمد على تحديثٍ واحدٍ فقط في اليوم من طبيبٍ مشغول. وجاءت المكالمة الأخيرة في الساعة 1:20 صباح يوم 29 مارس/آذار.
يتألَّم روبرتو من أن والده مرَّ بهذه المحنة وحده. وكثيراً ما يستعيد عقله لحظات تلك الليلة حين أُخِذَ والده إلى المستشفى.
يتذكَّر روبرتو أنه قال لوالده: "لا تقلق يا أبي، سآتي غداً ومعي حقيبتك. ستكون على ما يُرام. أراك غداً".
هل كان عليه أن يدرك أن هذه كانت لحظة الوداع؟ هذا هو السؤال الذي يجاهد للإجابة عليه لطفليه البالغَين 3 و8 سنوات.
قال روبرتو: "لم يكن يتوقَّع ذلك. كان يأمل أن يتحسَّن، وكلُّ ما استطعت فعله هو أن أقول له: أبي، كن قوياً. سترى بنفسك. كلُّ هذا سيمر وسيغدو مجرد ذكرى". وأضاف: "لكن الحزن كان في عينيه لأنه كان يعرف بوضوح ما سيحدث".