يبدو أن حرب أسعار النفط التي أشعلها ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بهدف إخضاع الدب الروسي لإرادته قد تنتهي أسرع مما توقع الكثيرون، فما هي المؤشرات على ذلك؟ ومن سيخرج منتصراً بالضربة القاضية؟
ماذا حدث؟
قال مصدر سعودي رفيع لرويترز، اليوم الأحد 5 أبريل/نيسان، إن شركة أرامكو سترجئ إعلان أسعار البيع الرسمية لخاماتها، لشهر مايو/أيار، حتى العاشر من أبريل/نيسان، انتظاراً لما سيُسفر عنه اجتماع بين أوبك وحلفائها، بخصوص تخفيضات إنتاج محتملة.
ماذا يعني ذلك؟
تصدر أرامكو عادة أسعار البيع الرسمية بحلول الخامس من كل شهر، والتي يتحدد على أساسها أسعار الخامات الإيرانية والكويتية والعراقية، وتؤثر على أكثر من 12 مليون برميل يومياً من النفط المتجه إلى آسيا، وبحسب المصدر السعودي المطلع "أسعار البيع الرسمية لشهر مايو/أيار، ستعتمد على ما سيسفر عنه اجتماع أوبك+. نبذل ما بوسعنا لإنجاحه، بما في ذلك أخذ هذه الخطوة غير العادية لتأجيل أسعار البيع الرسمية".
الصورة الأكبر وراء قرار أرامكو غير المسبوق
قرار أرامكو يأتي على خلفية اجتماع منتظر بين أوبك وروسيا، يوم الخميس القادم، 9 أبريل/نيسان الجاري، لبحث تقليص محتمل لمعروض الخام العالمي، من أجل إنهاء حرب أسعار بين السعودية وروسيا، وسط مؤشرات على تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوضع نهاية سريعة لتلك الحرب التي راح ضحيتها شركات صناعة الغاز الصخري الأمريكية.
كان المفترض أن ينعقد اجتماع أوبك+ غداً الإثنين، 6 أبريل/نيسان، لكنّ مصدرين في أوبك قالا لرويترز أمس السبت إن الاجتماع الافتراضي الطارئ لأوبك وحلفائها لن ينعقد الإثنين، وسيؤجل على الأرجح إلى الثامن أو التاسع من أبريل/نيسان الجاري، للسماح بمزيد من الوقت للتفاوض بين منتجي النفط حول الحد من إمدادات الخام.
ضغوط أمريكية مكثفة
أمس السبت، قال ترامب إنه سيفرض رسوماً على واردات النفط إذا لزم الأمر "لحماية العاملين في مجال الطاقة الأمريكي"، الذين تضرروا كثيراً بسبب حرب الأسعار المشتعلة بين الرياض وموسكو، كما ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن مسؤولين من أمريكا وكندا يناقشون فرض رسوم على واردات النفط الروسية والسعودية إذا لم تتوصل الدولتان العضوان في أوبك+ لاتفاق سريع ينهي حرب أسعار النفط.
وعلى الرغم من أن وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت أبلغ المسؤولين التنفيذيين بصناعة النفط خلال اتصال يوم الجمعة، أن البيت الأبيض لا يتفاوض مع السعودية أو روسيا بشأن اتفاق لخفض إنتاج النفط، ويريد توصل الطرفين إلى اتفاق فيما بينهما، بحسب رويترز، على لسان مصدر لم تسمه، إلا أن التقارير الإعلامية على مدى الأسابيع الماضية تحدثت عن ضغوطات كبيرة من جانب مشرعين أمريكيين على إدارة ترامب، كي يتدخل لدى ولي العهد السعودي، ليوقف حرب الأسعار فوراً.
وتأتي تصريحات ترامب، أمس السبت، لتؤكد تلك التقارير، وتشير بوضوح إلى قرب تراجع السعودية عن حرب الأسعار التي أشعلتها بقرار "عاطفي ومتسرع" من جانب ولي العهد، بحسب الخبراء والمراقبين.
توقيت حرب الأسعار التي اشتعلت قبل نحو شهر كان غريباً وغير مفهوم، حيث جاء وسط تراجع الطلب على النفط بشكل كبير، بسبب تفشي فيروس كورونا، وأدى هبوط الطلب بالإضافة إلى زيادة المعروض الناجم عن حرب الأسعار إلى هبوط أسعار التعاقدات الآجلة للنفط الأمريكي 54%، ونقل أحد المصادر لرويترز عن مسؤولي البيت الأبيض قولهم أيضاً إن ترامب طلب من وزيري الطاقة والخزانة إيجاد سبل تحسين السيولة لقطاع النفط بشكل فوري، وقد يتضمن ذلك تخفيف المعايير المصرفية لتوفير ائتمانات أكبر لشركات النفط.
السيناريو الأقرب للاتفاق المحتمل
وزير الطاقة الأمريكي قال إن ترامب متفائل بإمكان التوصل لاتفاق خلال بضعة أيام (على الأرجح في اجتماع الخميس)، وقالت مصادر في أوبك لرويترز، إن المنظمة "تريد خفض الولايات المتحدة إنتاجها من أجل أن تخفض المنظمة إنتاجها"، فيما يبدو أن انضمام الولايات المتحدة لاتفاق أوبك+ الذي يضم أوبك وروسيا قد يكون مطروحاً، وهو ما سيمثل انتصاراً لروسيا.
بالعودة لاتفاق أوبك+ الذي كان ساريا منذ عام 2016، نجد أن الهدف منه كان الحفاظ على أسعار النفط في متوسط 65 دولاراً للبرميل -مع هامش هبوط أو صعود في حدود 5 دولارات- وكان يتم ذلك من خلال الاتفاق على تخفيض الإنتاج أو زيادته على حسب العرض والطلب، وبالتالي خفضت روسيا ودول أخرى إنتاجها منذ توقيعه، في حين ارتفعت الإمدادات الأمريكية لمستوى قياسي، ما ساعدها على كسب حصة سوقية من مبيعات النفط .
استسلام دون قيد أو شرط؟
هذه النقطة بالتحديد هي التي جعلت روسيا ترفض تخفيضاً جديداً للإنتاج، يصب لصالح الشركات الأمريكية، وكانت تطلب -بحسب الرواية الروسية- التريث حتى نهاية مارس/آذار الماضي، حتى تتضح الرؤية بشأن مدى تأثير جائحة كورونا على الطلب، لكن السعودية خيرت روسيا بين الموافقة على التخفيض فوراً أو إنهاء الاتفاق، وهو ما أدى لفشل المفاوضات في جنيف 6 مارس/آذار الماضي، وأقدمت السعودية على تخفيض الأسعار والإعلان عن زيادة إنتاجها، بداية من أبريل/نيسان، وهكذا اشتعلت حرب الأسعار.
في البداية بدا ترامب سعيداً بانخفاض الأسعار، وصرّح أن ذلك يصب في صالح المواطن الأمريكي، الذي سيدفع أقل بمعدل الثلثين مقابل جالون الجازولين، كما أصدر أوامره بتكثيف شراء النفط لصالح الاحتياطي الاستراتيجي بأقصى طاقة ممكنة.
ومن السعودية، جاءت التقارير لتشير إلى استعداد المملكة لحرب تكسير عظام طويلة الأجل مع موسكو، فوجّه ولي العهد الوزارات بإعادة تكييف موازناتها العامة على أساس أن برميل النفط سعره يتراوح بين 12 و20 دولاراً، كما صدرت توجيهات لشركة أرامكو باتخاذ التدابير اللازمة لإنتاج 13.5 مليون برميل يومياً، وهو ما يزيد عن الطاقة القصوى للإنتاج في الشركة بأكثر من مليون ونصف البرميل يومياً، ما يعني ضرورة بث استثمارات في البنية التحتية لرفع الطاقة الإنتاجية للقدر المطلوب.
لكن المؤشرات في الأيام القليلة الماضية تؤكد أن ولي العهد وترامب قد أساءا تقدير الموقف بصورة درامية وبنفس الصورة جاءت النتائج.
فقد نقلت وكالة الأنباء السعودية عن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قوله في ساعة مبكرة من صباح أمس السبت، إن التصريح المنسوب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انسحاب المملكة من صفقة أوبك+ "عار من الصحة جملة وتفصيلاً، ولا يمت للحقيقة بصلة، وإن انسحاب المملكة من الاتفاق غير صحيح، بل إن روسيا هي من خرجت من الاتفاق". ونقلت الوكالة عن الأمير فيصل قوله إن "موقف المملكة من إنتاج البترول الصخري معروف، وأنه جزء مهم من مصادر الطاقة".
والجمعة الماضية نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريراً بعنوان حاسم: "صفقة لمنع السعوديين من تدمير صناعة الزيت الصخري الأمريكية سيتم حسمها آجلاً وليس عاجلاً"، وصفت فيه قرار وليّ العهد السعودي شنِّ حرب أسعار نفط، في ظلِّ جائحةٍ عالميةٍ كارثية، بأنه ضار بالقطع بالنسبة للولايات المتحدة.
وبات واضحاً أن ترامب أدرك متأخراً أن إنقاذ حطام صناعة النفط الأمريكية التي دمَّرها انهيار الأسعار لا بد أن يكون أحد أولى أولوياته، في ظل أدائه الكارثي في قضية تفشي جائحة كورونا في الولايات المتحدة، فقال لشبكة CNBC، الخميس 2 أبريل/نيسان، إن السعودية وروسيا اتفقتا على خفض إنتاج النفط، ولم يتضح بعد ما إذا كانت هناك صفقةٌ قد تم التوصُّل إليها، إذ تنكر السعودية أي خططٍ لخفض الإنتاج.
لكن الاتفاق على اجتماع أوبك وروسيا، الخميس المقبل، وتأجيل أرامكو تحديد أسعار البيع لشحنات مايو/أيار، يشير إلى أن هناك اتفاقاً أصبح وشيكاً، وفي ظل المعطيات المتاحة والتصريحات من واشنطن والرياض وموسكو، يبدو واضحاً أن بوتين في وضع مثالي لتحقيق انتصار بالضربة القاضية في حرب أسعار النفط، وأبرز المؤشرات هو سرعة العودة لطاولة المفاوضات من جانب ولي العهد، بضغط من ترامب، والحديث عن تخفيض أمريكي للإنتاج، وهو ما لم يكن مطروحاً من قبل.