أكثر ما تشتهر به مصر هو هرم الجيزة الأكبر، أو المنتجعات الفاخرة على شاطئَي البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. لكنَّ أغلب الناس لا يلقون بالاً لواحد من أروع المناظر الطبيعية في البلاد، وهي حديقة الصحراء البيضاء الوطنية.
إذ تعد المحمية مترامية الأطراف الواقعة بمنخفض الفرافرة غرب مصر كنزاً من العجائب، التي غالباً ما يشعر الأشخاص الذين يجولون أراضيها المذهلة بأنَّهم يزورون كوكباً آخر، مع أنًّها تقع على بعد خمس ساعات بالسيارة فقط من القاهرة.
بدأت شعبية الصحراء الغربية في مصر تزداد بين السكان المحليين والسياح على حد سواء. وتتراوح الأنشطة التي يمكن ممارستها هناك من ركوب الكثبان الرملية والتزلج على الرمال، إلى ركوب الدراجات الجبلية والتجديف بقوارب الكاياك في الواحات البحرية القريبة، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
قال زياد عمران، المؤسس المشارك لشركة Destination 31 المتخصصة في سياحة المغامرات، لقسم الترحال بشبكة CNN في وقت سابق من هذا العام إنَّ "الصحراء البيضاء مختلفة تماماً عن أي مكان آخر على هذا الكوكب. ففور انتهاء السياح من خوض تجربة سياحة المغامرة هنا، يسرعون بالعودة لزيارتها مرة أخرى مع أصدقائهم كي يجربوها بأنفسهم".
الصحراء السوداء
تبدأ الرحلة إلى الصحراء البيضاء عادةً بالتوقف عند منظر طبيعي متناقض تماماً، وهي الصحراء السوداء.
تتميز هذه الصحراء بعدد لا يحصى من السلاسل الجبلية الفريدة، ويعلو كل جبل منها طبقة من الأحجار السوداء التي خلفتها البراكين منذ ملايين السنين، ما ألهم مستكشفيها بإطلاق هذا الاسم عليها.
عند المشي مسافة طويلة حتى بلوغ إحدى قمم هذه الجبال، يصبح جلياً أنَّ هذه المنطقة تكاد تخلو من أي علامات على الحياة، إلا من درب وحيد يمتد إلى مسافة طويلة، لكنَّه ليس الدرب المؤدي إلى الصحراء البيضاء.
يتطلب الوصول إلى الحديقة الوطنية تفريغ إطارات سيارة لاندكروزر بخاصية الدفع الرباعي، وركوب الكثبان الرملية عبر الصحراء، والمرور بزوايا بالغة التعرج.
لكنَّ خوض مثل هذه الرحلات، وعبور تلك الكثبان المتدحرجة، والتسابق في ما بينها، تجربة خاطفة، تفسح المجال في نهاية المطاف لتأمل مشهد الصحراء البيضاء الأخاذ.
في غضون ثوانٍ من الوصول، تبدأ الأسئلة المحيطة بأصولها الغامضة في التصارع، إذ يمثل جمالها الغريب تذكيراً راسخاً بأنَّ كوكبنا يخضع لتغيرات مناخية قوية.
فالاعتقاد بأنَّ هذا المشهد كان ذات يوم بحراً أو محيطاً، وأنَّ الدليل الوحيد المتبقي هو مجموعة من صخور الحجر الجيري المتكلسة التي نُحتت مع مرور الزمن بفعل الرمال والرياح، هو أمر مذهل بحق.
ويبدو أنَّ هذه الأجسام المجردة الطباشيرية تغير لونها مع تغير الوقت، إذ تتحول من اللون الأبيض اللامع إلى اللون الكريمي، لتصل إلى اللون البني الذهبي.
عند حلول الظلام
يقع بين التكوينات الصخرية الضخمة في وادي العقبات تل رملي ناعم، مثالي للتزلج على الرمال. ومع أنَّه أصعب في النحت، وأبطأ في الركوب من الجبال الثلجية، ما تزال تجربة التزلج على رماله قادرة على إثارة التشويق، غير أنَّه لا توجد مصاعد تزلج في الصحراء، وتسلق التلال الرملية ربما يكون أكثر إنهاكاً.
مع غروب الشمس، تُذكِّر الصحراء الجميع بأنَّها أرض جامحة، إذ تتطلب كل ساعة تمر بعد غياب الشمس ارتداء طبقات إضافية من الملابس للحصول على بعض الدفء.
بعد إقامة المخيم، يجهز البدو المحليون للزوار عشاءً تقليدياً أصيلاً على نار موقدة في العراء. وغالباً ما تجذب رائحة الوليمة الغريبة انتباه أحد السكان النادرين للصحراء البيضاء، وهي فصيلة ثعلب الفنك، المعروف أيضاً باسم ثعلب الرمال.
يصعب ملاحظة هذه الحيوانات اللطيفة المسالمة، إذ تظهر كصور ظليلة من بعيد، لكنَّه غالباً ما تقترب من المخيمات، لأنَّها اعتادت الاعتماد على بقايا طعام الزوار كجزء من نظامهم الغذائي.
وبسبب عمق المنظر الطبيعي، وغياب أي مسببات للتلوث الضوئي من أي اتجاه، تلمع النجوم لتضيء السماء ليلاً. ويمكن القول إنّ هذا المنظر الطبيعي الرائع يمثل إحدى أفضل البيئات على كوكب الأرض لمراقبة درب التبانة بكل روعته.
عند بزوغ القمر، ينعكس ضوؤه اللامع على الأسطح الصخرية، ليخلف توهجاً أزرق اللون، يضيء الحديقة الوطنية ويشجع على التجول الليلي عبر تضاريسها التي تبدو كأنَّما تنتمي إلى عالم آخر.
يجب على المستكشفين الليليين توخِّي الحظر، وجلب مصباح يدوي، لأنَّه من السهل أن يضلوا طريقهم أو يتعثروا على تضاريسها الغريبة الوعرة.
مسار مثير
في الصباح، توقظ الشمس المشرقة أثقل النائمين. قبل حزم الأمتعة وشد الرحال، يفضل الذهاب برحلة لمشاهدة التمثالين الثمينين في الحديقة، اللذين يُعرفان باسم الدجاجة أو الفطر بسبب شكليها.
بعد مغادرة الحديقة، يسافر معظم المغامرين في رحلة تتجاوز الساعة بقليل متجهين إلى الواحات البحرية، حيث يعد تسلق الجبل الإنجليزي إحدى الممارسات الشائعة في تلك المنطقة، وقد سُمي بهذا الاسم لوجود أنقاض أحد المواقع البريطانية من الحرب العالمية متوّجة أعلى قمته.
يتيح الوصول إلى القمة تأمل مشهد مذهل بزاوية 360 درجة يطل على الواحة بأكملها، بما في ذلك الغابات المورقة بالتمور اللذيذة وثمار الزيتون. ويفسح المجال أيضاً لتأمل رحلة صعبة لعشاق ركوب الدراجات الجبلية.
ربما لا يكون ركوب الدراجات، وخوض المسارات المتعرجة المليئة بالصخور المسننة غير الثابتة، والرقع الرملية، مناسبَين لأصحاب القلوب الضعيفة، لكنَّهما يمنحان أصحاب الخبرة تجربة بالغة الإمتاع.
يؤدي الجزء السفلي من الجبل إلى البحيرة المالحة البكر النقية، التي تغيب أي علامات للتطور عن شواطئها، مما يجعل البحيرة العلاجية الهادئة مكاناً ممتازاً يتيح لراكبي قوارب الكاياك التقاط صورة لا مثيل لها لغروب الشمس المهيب.
قالت نورين فاضل، إحدى المغامرات في رحلة شركة Destination 31 الأخيرة، لشبكة CNN: "كان الجزء المفضل بالنسبة لي من الرحلة هو التجديف بالكاياك مع انعكاس الأشعة الذهبية على الماء. كانت لحظة من العجب الخالص".
يمكن أن تتناسب كل هذه المعالم والأنشطة مع رحلة تمتد ليومين أو ثلاثة أيام. لكن كلما طالت مدة الإقامة، زاد وقت استكشاف المنطقة المحيطة، وهنالك العديد من المناطق الجذابة التي تستحق الزيارة.
لو كنت تحلم بتجربة السفر إلى سطح القمر والتخييم على سطحه، لكنَّك لا تريد الانتظار لسنوات أو عقود كاملة، فربما تكون زيارة حديقة الصحراء البيضاء الوطنية ثاني أفضل الخيارات المتاحة.