من المفترض أن تحتفل منظمة أوبك أواخر العام الجاري بمرور 60 عاماً على إنشائها، لكن يبدو أن ذلك قد لا يحدث بسبب حرب أسعار النفط التي أشعلتها السعودية مؤخراً، فتأثير انهيار أسعار النفط على غالبية أعضاء أوبك كارثي، فما القصة؟
مجلة فورتشن الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "لماذا قد تكتب حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية شهادة وفاة منظمة أوبك؟"، ألقت فيه الضوء على تداعيات الخطوة السعودية "غير المحسوبة".
الخطوة عكست تفكيراً أنانياً قاصراً
قد لا تبقى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على قيد الحياة للاحتفال بالذكرى السنوية الستين لتأسيسها التي تحل في وقتٍ لاحق من العام الجاري. إذ يُنذِر قرار المملكة العربية السعودية التخلي عن ضوابط ترشيد الإنتاج وإغراق السوق بالنفط الخام الرخيص بنهاية المجموعة التي كانت توصف بأنها أنجح اتحادٍ تجاري في العالم.
ففي لفتةٍ استعراضية أنانية، مزَّقت المملكة العربية السعودية، التي تعد أكبر منتج في المنظمة، اتفاقية ترشيد الإنتاج التي كانت مستمرة منذ بداية عام 2017؛ لأن روسيا، التي تعد أكبر حلفاء أوبك الخارجيين، رفضت المشاركة في المقترح الجديد بإجراء تخفيضات أكبر في الإنتاج للمساعدة في دعم أسعار النفط في مواجهة الدمار الاقتصادي الذي يحدثه فيروس كوفيد-19.
وربما كانت المملكة تأمل في أن تدفع الكرملين نحو العودة إلى طاولة المفاوضات على الأرجح، ولكن من الواضح أن قرارها أتى بنتائج عكسية، وستكون تداعياته -التي ستتفاقم بسبب الانتشار المستمر للفيروس الفتَّاك- أشد ضرراً على أعضاء أوبك الآخرين، من الجزائر إلى فنزويلا، من ضرره على روسيا المُشارِكة في تحالف أوبك بلس.
هل كانت هناك سيناريوهات أخرى لمواجهة روسيا؟
كان بإمكان السعودية، التي تعد القائدة الفعلية لمنظمة أوبك، أن تتخذ خياراتٍ محسوبة أخرى قبل اتباع هذا النهج الأناني وإطلاق حرب أسعار نفط شاملة، فرغم كل شيء، عرضت روسيا تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية إلى ما بعد نهاية مارس/آذار الجاري، ولم يكن هناك ما يمنع أعضاء أوبك الـ13 من الموافقة على إجراء مزيدٍ من التخفيضات فيما بينهم فقط.
لكن يبدو أن السعودية قررت أن ميثاق أوبك بلس، الذي بدأ باعتباره اتفاقاً مؤقتاً كان من المفترض أن يستمر ستة أشهر فقط، بحاجة إلى الاستمرار عاماً رابعاً، وكان استعداد أوبك لإجراء مزيدٍ من التخفيضات في الإنتاج مرهوناً باستعداد شركائها الخارجيين لفعل ذلك، ونظراً إلى أنَّ البعض لا يرى الأمور من المنظور نفسه، لم يُمدَّد الاتفاق الحالي، تاركاً للجميع في نهاية مارس/آذار مُطلق الحرية في إنتاج قدر ما يريدون، أو يستطيعون.
وبدلاً من أن تصبر السعودية لرؤية الوضع حينئذٍ، تصرفت تصرفاً انتقامياً، وخفضت سعر نفطها الخام للشحن في أبريل/نيسان المقبل، إذ خُفِّضَت أسعار البيع الرسمية -التي جرى تحديدها بفارقٍ كبير عن الأسعار المرجعية الإقليمية، بأكبر مقدارٍ مُسجَّل على الإطلاق بعد انهيار اتفاق أوبك بلس. ومع تداول خام برنت عند سعرٍ يبلغ حوالي 30 دولاراً للبرميل، وفرض خصمٍ على سعر النفط العربي الخفيف في المملكة العربية السعودية بمقدار 10.25 دولار للبرميل، أصبح هناك فيضانٌ من النفط الذي يبلغ سعره 20 دولاراً للبرميل متجهاً إلى أوروبا في الشهر المقبل أبريل/نيسان، وتُجري السعودية كذلك زياداتٍ كبيرة في الكميات المخصصة للمشترين في كل من آسيا وساحل الخليج الأمريكي.
ومن جانبها تقول شركة أرامكو السعودية، التي تحتكر إنتاج النفط في المملكة، إنها ستزود عملاءها بـ12.3 مليون برميل يومياً في أبريل/نيسان المقبل. وهذا يتجاوز قدرة الشركة على الإنتاج، حتى لو أنتجت بأقصى طاقتها الإنتاجية، ما يعني ضمنياً أنها ستسحب من مخزون الخام الاحتياطي في السعودية وخزاناتها الموجودة في اليابان وهولندا وساحل مصر الشمالي المُطِل على البحر الأبيض المتوسط.
وبينما تستطيع المملكة تعويض انهيار أسعار النفط تعويضاً جزئياً بزيادة الكميات المُباعة، تُعد معظم الدول الأعضاء في منظمة أوبك أقل ثراءً بالنفط منها بكثير، إذ تنتِج هذه الدول حالياً بمعدلاتٍ تقترب من أقصى طاقتها الإنتاجية بالفعل.
ماذا عن باقي أعضاء أوبك؟
ففي ليبيا، على سبيل المثال، انخفض الإنتاج إلى ما يقرب من الصفر بعدما أغلق المشير خليفة حفتر جميع محطات التصدير الموجودة في البلاد تقريباً، وصحيحٌ أن هناك إمكانية لإبرام اتفاق سلام يُمكن أن يزيد الإنتاج الليبي الحالي بأكثر من مليون برميل يومياً، لكنه يبدو بعيد المنال. وكان بإمكان إيران وفنزويلا تعزيز إنتاجهما لولا العقوبات الأمريكية المفروضة على تجارة النفط فيهما، وإن كانت قدرة فنزويلا على رفع الإنتاج محدودة.
وبالنسبة لبقية أعضاء أوبك، فنيجيريا هي الدولة الوحيدة خارج منطقة الخليج التي يمكنها تعزيز الإنتاج بأكثر من 100 ألف برميل يومياً، لكن هذا لن يعود عليها بتأثيرٍ إيجابي كبير. إذ تُظهِر عملية حسابية تقريبية أنَّ رفع معدلات الإنتاج إلى الطاقة الإنتاجية القصوى لن يُقلِّل خسائر الدولة الواقعة في غرب إفريقيا بسبب انخفاض السعر إلى 30 دولاراً للبرميل من 60 دولاراً إلَّا بنسبة 6%.
أمَّا بالنسبة لأنغولا، التي تعد ثاني أكبر مُنتِجةً للنفط في المنطقة، فنسبة الانخفاض المحتمل في خسارتها تبلغ 3% فقط. وعلى النقيض من ذلك، يمكن للمملكة العربية السعودية، من موقعها في الصدارة، تعويض أكثر من ربع عائدات النفط التي ستخسرها نتيجة انخفاض الأسعار عن طريق زيادة الكميات المعروضة من 9.7 مليون برميل يومياً إلى 12.3 مليون برميل يومياً.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ترمي فيها المملكة العربية السعودية ببعض الدول المُنتجِة الأخرى الأصغر منها في أوبك إلى التهلكة.،ونظراً إلى أنَّ المنظمة تضم مجموعة من الدول ذات السيادة، فهذه الدول ليس لديها نفوذ يُذكَر على أكبر دولةٍ مُنتِجة في المنظمة. لكنَّ آخر الإجراءات التي اتخذتها المملكة، في ظل تضرُّرٍ غير مسبوق لمعدلات الطلب العالمي على النفط، تظهر عدم اكتراثها بزملائها الأعضاء.
فحين تأسست أوبك في عام 1960، كان أحد عناصر هدفها الرئيسي هو "حماية مصالح الدول الأعضاء فردياً وجماعياً". وظلَّ هذا الهدف ذا أهمية قصوى في قانون أوبك المُنقَّح، الذي وضِعَ في عام 2012. وكانت إحدى الأولويات المهمة كذلك هي "القضاء على التقلُّبات الضارة غير الضرورية" في أسعار النفط. لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية تتعارض تماماً مع تلك الأهداف، وأسهمت في انخفاض أسعار النفط بنسبة 40% تقريباً في غضون ما يزيد قليلاً على أسبوع. وهذا بالتأكيد لا يصب في المصلحة الجماعية لأعضاء أوبك.
خُلاصة القول أن أوبك كانت ورقةً مفيدة لسياسة النفط السعودية حين أرادت المملكة دعم أسعار النفط، أمَّا الآن في ظل رغبتها في خفض الأسعار، أصبحت المنظمة مجرد عقبةٍ لها. وصحيحٌ أنَّ المنظمة تجاوزت مجموعة من الخلافات الداخلية التي كانت تبدو غير قابلة للتسوية، لكنَّ تجاوز هذا الخلاف الأخير قد يكون بعيد المنال للغاية.