في عالم ما قبل فيروس كورونا كانت حروب المياه هي التحدي الأبرز حول العالم، ولكن من النادر أن نرى دول الخليج العربي مذكورةً في ذلك السياق، حيث تذكر دائماً في سياق النفط، فما قصة موارد المياه في الخليج؟
مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "نقطة ضعف الخليج الوحيدة هي موارده المائية"، ألقى الضوء على تفاصيل القصة من حيث الموارد وكيفية تأمينها بشكل يتناسب مع أهميتها الاستراتيجية.
ما المورد الأساسي للماء في الخليج؟
يُعَدُّ الماء مورداً استراتيجياً حيوياً في الشرق الأوسط. ويتطلب ضمان أمن هذا المورد يقظةً في التعامل على غرار التدابير المُتّبعة لحماية النفط. وأدى النمو السكاني في المنطقة، والزيادة الموازية في النشاط الاقتصادي، إلى زيادة الطلب على الماء العذب بشكلٍ دراماتيكي. لكن تكلفة الوصول إلى الماء العذب تتزايد، خاصةً لدى البلدان التي لا تملك الكثير من الموارد المائية الطبيعية مثل: الخزانات الجوفية والأنهار والبحيرات. إذ لا تُوجد بحيراتٌ أو أنهار في السعودية، والبحرين، والكويت، والإمارات، وعُمان، واليمن، وقطر، وبالتالي فإن دول الخليج تعتمد بالكامل تقريباً على محطات تحلية المياه لإنتاج الماء العذب.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2019، أكدت الهجمات التي عطّلت المنشآت النفطية السعودية أن المنطقة مُعرّضة لخطر الهجمات المُحتملة على مرافق البنية التحتية الحيوية، ومنها محطات التحلية ومنشآت التخزين التي هي عرضة لعددٍ من التهديدات في الأصل. وتشمل تلك التهديدات تسرّب النفط، والتلوّث، والهجمات الإرهابية، والهجمات السيبرانية والجوية، وتخريب محطات الكهرباء الضرورية من أجل عمل محطات التحلية. ومن أجل تقييم ضعف إمدادات المياه العذبة وتأثيره على أمن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الخليج، وعدد هائل من القوات الأمريكية المُتمركزة في المنطقة؛ فمن المُفيد أن نُراجع القدرات الحالية للدول الخليجية في إنتاج وتخزين المياه العذبة.
إذ استثمرت العديد من الدول، مثل إيران، مبالغ هائلة في محطات التحلية الساحلية باهظة الثمن. وتُمثّل المياه العذبة التي تُنتجها التحلية نسبة 86% من موارد المياه العذبة المُتاحة في عُمان، و60% من الموارد المتوافرة في الكويت، ونسبةً تتراوح بين 40% و50% من الموارد المستخدمة في السعودية والإمارات وقطر.
وعدد محطات التحلية ضخمٌ للغاية، إذ تمتلك الإمارات 70 محطة، وإيران 60 محطة، والسعودية 31 محطة. وتزيد تلك الدول أعداد المحطات لمواكبة الطلب، حيث يجري في إيران حالياً إنشاء 25 محطة تحلية جديدة. وعند الانتهاء منها في عام 2022 ستصل قدرة إيران على تحلية المياه نصف مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، وفي عام 2018 افتتحت عُمان محطة تحلية بركاء 4 التي تُنتج 74 مليون غالون من المياه العذبة يومياً، ما زاد قدرة المياه الوطنية العمانية بنسبة 20%، وعملت الحكومة البحرينية مؤخراً على ترقية محطات تحليتها الأربع، وتُواصل البحث عن استثمارات خارجية من أجل تلبية احتياجات المياه المُتزايدة في البلاد.
مشكلة التخزين
وعلى القدر نفسه من الأهمية نجد البنية التحتية المطلوبة لتخزين مياه التحلية، وغالبية المياه المُنتجة من محطات التحلية في الإمارات لا تُستخدم بسبب نقص منشآت التخزين. ووفقاً لمحمد داوود، من هيئة البيئة الحكومية في أبوظبي: "تُواصل محطات التحلية إنتاج الكمية نفسها كل ساعة، لمدة 24 ساعة، طوال أيام الأسبوع. فماذا سنفعل بالمياه الفائضة الآن؟ نرميها في الخليج". وفي حال تدمير محطات التحلية، فستعيش دولٌ رئيسية في الخليج بدون مياه عذبة خلال أيام نتيجة عدم كفاية التخزين.
سِعة احتياطي الإمدادات المائية لا تُقارن مُطلقاً باحتياطيات النفط، والذي يُمكن تخزينه بأمان تحت الأرض. ولهذا السبب، تستثمر غالبية دول الخليج بشكلٍ كبير لتحسين قدرتها على تخزين احتياطيات المياه، ما سيُوفّر إمدادات كافية لأيام أو أسابيع في وقت الأزمة. ولكن استهلاك المياه اليومي في السعودية حالياً يتجاوز سعتها التخزينية.
لذا تبني السلطات السعودية العديد من الخزانات لتخفيف تداعيات فقدان محطات التحلية، وإدارة الطفرات الدورية في الطلب على المياه العذبة. وأطلقت قطر مبادرةً شبيهة لبناء 9 خزانات في مواقع مُختلفة بطول البلاد. إذ قدّمت السلطات مشروع الخزانات الكبرى لتأمين المياه، من أجل زيادة احتياطيات الإمدادات المائية الاستراتيجية لقطر، حتى تكفي لسبعة أيام بدلاً من يومين. وهذه المشاريع باهظة الثمن، ورغم اعتبار المياه العذبة ضروريةً للأمن القومي والنمو الاقتصادي، لكن تكلفة الحفاظ عليها وحمايتها ستُواصل الارتفاع حتى ظهور اكتشافات علمية في تكنولوجيا واقتصاديات التحلية.