إقدام ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان على موجة اعتقالات بحق عمه وأبناء عمومته وتزامن ذلك مع إبداء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو النية الواضحة لعدم التخلي عن منصبه بأي وسيلة كانت، أثار موجة من القلق داخل واشنطن فالرجلان هما الحليفان الأبرز للرئيس دونالد ترامب، فما القصة؟
موقع ذا ديلي بيست الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "حلفاء ترامب الأهم في الشرق الأوسط في طريق التحول السريع إلى أنظمة أكثر سلطوية"، رصد فيه ما يحدث في السعودية وإسرائيل وخطورة ذلك على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
لماذا يجب أن ينشغل ترامب؟
ينحدر حلفاء ترامب الأهم في الشرق الأوسط في طريق تحولٍ سريع إلى أنظمة أكثر طغياناً وسلطوية، لكن هل ينشغل أو يعارض الرئيس الأمريكي الذي دائماً ما أبدى نوعاً من الولع الجلي الأشبه بالحسد لأصحاب السلوك الديكتاتوري ذلك حقاً؟
إذا لم يكن منشغلاً، يجب عليه. يجب علينا جميعاً. لأن اثنين من أكثر الأنظمة الحكومية استقراراً في الشرق الأوسط المضطرب بدرجة كبيرة، وهما المملكة العربية السعودية والديمقراطية الإسرائيلية، يتهددهما قادة، على ما يبدو، مستعدون لفعل أي شيء للبقاء في السلطة.
في المملكة العربية السعودية، اتخذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 34 عاماً فقط والذي يعد الحاكم الفعلي للبلاد حيث يزداد والده الملك الثمانيني ضعفاً يوماً بعد يوم، قراراً بالقبض على عم له وثلاثة من أبناء عمومته على الأقل. وذلك في غمار شائعات غير مؤكدة على الإطلاق ولكنها قابلة للانتشار سياسياً بأنهم كانوا يخططون لانقلاب على محمد بن سلمان أو MBS، كما يُعرف في الصحافة الأجنبية، أو أن والده، الملك سلمان، قد مات وهو يتحرك بسرعة لتعزيز سلطته المطلقة. ومع ذلك، فبالنظر إلى سجل بن سلمان ذي الصلة بالذبح، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، للصحفي المنشق جمال خاشقجي في عام 2018، فلا أحد يستبعد عليه شيئاً البتة.
أمَّا في إسرائيل، حيث يزعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن نصره الانتخابي سرقه معارضون متآمرون مع "إرهابيين" من عرب 48، ويريد من "الشعب" إعادة ضبط الأمور، فيما ينطوي على دعوة أساسية للنزول إلى الشوارع وإبقائه في السلطة.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني، على الأقل، أخذ بعض خصوم نتنياهو يلمحون إلى أنه قد يختار حرباً أهلية على التخلي عن سيطرته على الحكم في البلاد، في حين قال آخرون إن هذا أمر لا يمكن تصوره، ومع ذلك ففي حالة نتنياهو، فإن افتقاره الواضح إلى أي وازعٍ يجعل كل أنواع الاتهامات تبدو قابلة للتصديق. لقد حيل بينه وبين تشكيل حكومة بعد انتخابات الأسبوع الماضي، ليس فقط لأن ائتلافه خسر ثلاثة مقاعد في الكنيست عن الأغلبية، وإنما أيضاً بسبب اتهامه بتهم متعدد بالفساد ومن المقرر أن تبدأ محاكمته في 17 مارس/آذار المقبل.
نتنياهو مستعد لحرق الأخضر واليابس
وقال قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية المتقاعد إلياكيم روبنشتاين في تصريحات لمركز "القانون اليهودي والديمقراطي" بجامعة بار إيلان يوم الأربعاء محذراً من تهديد للديمقراطية لم يسبق له مثيل في تاريخ إسرائيل: "لقد فقدنا كل شعور بالحياء واللياقة. تتصاعد المؤامرات من كل منبر. وتدور خطوط المؤامرة في عبارات مثل (الشرطة والمدعين العامين يوحدون جهودهم للإطاحة برئيس الوزراء)- هذا غير صحيح على الإطلاق. هذه أشياء لم تحدث قط".
وانتقد روبنشتاين ما أسماه "نوعاً من غسل الأدمغة يوجّه إلى أن كل شيء فظيع وفاسد"، في حين أن الحال ليس كذلك على الإطلاق، وبحلول يوم السبت، وبعد عقد "اجتماع طارئ"، تعهد نتنياهو بأن "الجمهور هو من سيحسم النتيجة في مواجهة هؤلاء الذين يحاولون إقصائي".
كان رد فعل رئيس أركان القوات المسلحة السابق، بيني غانتس، الذي سيُختار على الأرجح لتشكيل الحكومة المقبلة، على الأداء المسرحي المتصنع لنتنياهو وأنصاره محسوباً لكن حازماً في الآن نفسه. وقال غانتس في منشور على موقع فيسبوك يوم الجمعة: "نتنياهو وجماهيره يؤججون عن قصدٍ خطاباً عنيفاً ومتطرفاً. نتنياهو يتجاهل نتائج الانتخابات وهو مستعد لحرق كل شيء في طريقه لتجنب المحاكمة".
في حين قد يسهل على الأمريكيين (ربما يكون من السهل جداً الآن) فهم نوع التهديد الذي تتعرض له الديمقراطية في إسرائيل، فإن الوضع في السعودية فريد من نوعه، لكن ليس أقل أهمية.
الوضع أكثر قلقاً في السعودية
تأسست "المملكة"، كما يُطلق عليها، في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على يد محارب صحراوي يُدعى عبدالعزيز بن سعود. بعد اكتشاف النفط في البلد الذي أسماه على اسم عائلته، وفي وقت لاحت في الأفقِ الوعودُ بالثروات الهائلة وشهد الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وعلى متن سفينة حربية أمريكية تُدعى "كوينسي" حملتها مياه البحيرات المرة المتفرعة عن قناة السويس، توصل الملك السعودي عبدالعزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى اتفاق يضمن أمن النظام الملكي السعودي في مقابل الانتفاع الأمريكي من نفط البلاد.
كان لعبدالعزيز أكثر من 50 من الأبناء من زوجات مختلفات ومحظيات، وكلهم خلفاء محتملون. بعد وفاته في عام 1953، انتقل التاج من أخ إلى آخر عقداً بعد عقد في دولة يتوارث على حكمها حكامٌ يزدادون شيخوخة وتصلباً.
كان هناك تنافس ومعارك على الحكم، بالتأكيد. فقد أطاح فيصل، على سبيل المثال، بسلفه المخلوع سعود، وقمع أكثر المتعصبين الدينيين جنوناً الذين كان أحد داعمي الملكية سابقاً، قبل أن يُقتل بعد ذلك على أيدي أحد أقارب قتلاه [فيصل بن مساعد شقيق خالد بن مساعد الذي قاد احتجاجات انتهت بمقتله في الستينيات].
لكن عامةً، فإن المنظومة كانت تعمل إلى حد كبير ما دام كبار الأمراء يتوافقون على من ينبغي أن يكون الشخص التالي في الحكم، وما دامت عملية الاستخلاف منظمة.
بعد ذلك، ظهرت زمرة قوية من الأمراء الذين كانوا إخوة أشقاء" أبناء عبدالعزيز من نفس الأم، حصة بنت أحمد السديري. كان هناك سبعة منهم يعرفهم كل متابع للشأن السعودي حتماً، وعرفوا باسم "السديريين السبعة"، وتدور الاعتقالات والمؤامرات التي نراها الآن ضمن هذه المجموعة الفرعية القوية من آل سعود.
كان الملك فهد بن عبدالعزيز من الفرع السديري. وعندما توفي في عام 2005، خلفه عبدالله بن عبد العزيز، الذي لم يكن سديرياً، وكان الولد الذكر الوحيد لأمه. كان هناك تفاهم بأن الفرع السديري سيعود إلى السلطة بوفاة عبدالله. لكن ذلك استغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً. وظل عبدالله على العرش لفترة طويلة، تُوفي خلالها كبار خلفائه من السديريين، وزير الدفاع سلطان ووزير الداخلية نايف، لأسباب طبيعية. أصبح سلمان بن عبدالعزيز بذلك ولياً للعهد، وعندما وافت المنية عبدالله أخيراً في عام 2015، صار سلمان ملكاً للبلاد.
طموحات ولي العهد لا تتوقف
ما لم يكن أحد قد حسب حسابه هو الطموحات والطبيعة الشخصية لأحد أبناء سلمان الأصغر سناً من إحدى زوجاته المتأخرات. كان محمد بن سلمان في التاسعة والعشرين من عمره فقط عندما أصبح والده ملكاً، لكنه سرعان ما صار مسؤولاً عن كل شيء تقريباً، بما في ذلك الجيش والاقتصاد.
خلال السنوات الخمس التي تلت ذلك، نزع أنياب الشرطة الدينية التي لطالما لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها، وفتح أبواب المملكة على وسائل الترفيه الجماهيرية، وسمح للنساء بقيادة السيارات. لكنه، ومع ذلك، عمد إلى اعتقال وترهيب وابتزاز أي شخص غني بما يكفي لتحديه أو معارضته.
كما أطلق بن سلمان حرباً في اليمن للبرهنة على خطه المتشدد ضد إيران، حيث أدخل بلاده في مستنقع لم تتخلص منه السعودية بعد. إلى جانب ذلك، وفيما يعد الأهم بالنسبة إلى الأمريكيين، أنه قدم إغراءات مالية هائلة لصهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، ثم لترامب ذاته. كان كل هذا المال السعودي لا قبلَ لمصممي الصفقة بمقاومته، وهكذا كانت الرياض أول عاصمة أجنبية زارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وإذا رجعت بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، قد تتذكر ترامب وهو يرقص بسيف ومشهده الغريب وهو يضع يديه على بلورة مضيئة.
أبرزت حادثة اغتيال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 المخاوف السابقة للعديد من أنداد محمد بن سلمان من الأمراء، بأنه خطير على نفس قدر كاريزميته، لكن بحلول ذلك الوقت كان الأمر يحتاج إلى كثير من الشجاعة للتكلم، وكان الجميع يعرف الثمن الذي سيدفعه: إما السجن وإما التعذيب أو أسوأ حتى من ذلك.
فمن إذاً يستطيع تحديه؟ من قد يرغب؟ والسؤال هنا ليس عمن فعل ذلك، وإنما عمن كان من الممكن أن يفعل ذلك، وعلى رأس القائمة كان عم محمد بن سلمان، أحمد بن عبدالعزيز، ويبلغ من العمر 77 عاماً، وهو أصغر أبناء الفرع السديري، وبالتالي فإنه وفقاً للنظام التقليدي لوراثة الحكم والذي يعد إلى عام 1953، كان في انتظار أن يصبح الملك، على الرغم أنه على ما يبدو قد تم تجاوزه.
وما زالت المعضلة الأكثر إشكالاً بالنسبة لمحمد بن سلمان هي عضو الجيل الثاني، ابن نايف، وهو ابن آخر من الفرع السديري، والمقصود محمد بن نايف، المعروف اختصاراً في الصحافة الأجنبية بلقب MBN. وبصفته رئيساً لمكتب خدمات الرقابة الداخلية في السعودية، وبعد ذلك وزيراً للداخلية، كان محمد بن نايف معروفاً ويحظى باحترام كبير في الأوساط الحكومية الأمريكية، ومنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على نحو خاص.
الواقع أن محمد بن نايف سبق أن شغل بالفعل منصب ولي العهد في الأيام الأولى لحكم الملك سلمان حتى أزاحه محمد بن سلمان، باستخدام بعض أفراد العصابة ذاتها المسؤولة عن اغتيال خاشقجي، فقد ذهبوا إلى محمد بن نايف وأجبروه على الاستقالة.
ويرى محمد بن سلمان في الأميرين كليهما تهديداً له، وهكذا أبقى على عمه أحمد بن عبدالعزيز وابن عمه محمد بن نايف مهمشين في الآونة الأخيرة، وقيل إن محمد بن نايف رهن الإقامة الجبرية منذ الإطاحة به من ولاية العهد.
الآن، وفقاً للأخبار الواردة عن صحيفة Wall Street Journal بشأن الاعتقالات، فإن الأميرين قد يواجها عقوبة السجن لفترات طويلة، أو بالطبع، الإعدام، وهذان هما بيبي نتنياهو ومحمد بن سلمان، الركائز التي بنى عليها دونالد ترامب سياسته في الشرق الأوسط.