لجأت مصر إلى جامعة الدول العربية بحثاً عن دعم عربي في مواجهة التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة وأصدرت الجامعة بالفعل قراراً داعماً، لكن السودان تحفظ رسمياً على القرار، فكيف يمكن تفسير الموقف السوداني؟
ماذا يقول القرار العربي؟
أمس الأربعاء 4 مارس/آذار، أقرت جامعة الدول العربية قراراً "يرفض أي مساس بالحقوق التاريخية لمصر، ويرفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها إثيوبيا، ويؤكد على ضرورة التزام إثيوبيا بمبادئ القانون الدولي"، بحسب توصيف الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط، وذلك في ختام الدورة الـ153 لمجلس الجامعة.
القرار أيضاً يرحب باتفاق ملء سد النهضة الإثيوبي الذي أعدته الحكومة الأمريكية، ويؤكد أن مشروع الاتفاق الذي طرحته أمريكا والبنك الدولي "عادل ومتوازن ويحقق مصالح البلدان الثلاثة".
وقال أبوالغيط إن القرار حث الدول العربية على "اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإقناع إثيوبيا بالتوقيع على مشروع الاتفاق الذي أعدته الولايات المتحدة".
ماذا عن موقف السودان من القرار؟
وكالة أنباء الشرق الأوسط – وكالة الأنباء المصرية الرسمية – نشرت تقريراً قالت فيه إن السودان تحفظ على مشروع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب الذي تضامن مع موقف مصر والسودان باعتبارهما دولتي المصب.
الوكالة نقلت عن مصادر لم تسمها أن مصر تقدمت بمشروع القرار الذي صدر عن الجامعة العربية وتمت موافاة الجانب السوداني مسبقاً بمشروع القرار للتشاور حوله مع التأكيد على أن قراراً كهذا يدعم موقف دولتي المصب مصر والسودان ويعكس الدعم العربي لحقوق مصر والسودان المائية.
لكن الجانب السوداني لم يبدِ أي تحمس للقرار أثناء المناقشات، على الرغم من بروز زخم وتأييد عربي موسع من مجمل الأطراف العربية، بل وطلب عدم إدراج اسم السودان في القرار، وأن الجانب السوداني قال إن القرار ليس في مصلحته ولا يجب إقحام الجامعة العربية في هذا الملف، وأبدى تخوفه مما قد ينتج عن هذا القرار من مواجهة عربية إثيوبية.
ووفقاً للمصادر، أوضحت معظم الوفود العربية أن دعم مصر والسودان من جانب الدول العربية لا يهدف إلى مواجهة أطراف أخرى، بل إنه واجب يتعين القيام به اتصالاً بملف يهدد الأمن القومي العربي في مجمله.
وأشارت المصادر إلى اندهاش الوفود العربية من تمسك السودان بموقفه المتحفظ حتى بعد حذف اسم السودان من مشروع القرار، وقصر مشروع القرار على حماية المصالح المائية لمصر، وسعي الجانب السوداني إلى إفراغ مشروع القرار من مضمونه، بينما دفعت الأطراف العربية الأخرى بجدوى وأهمية هذا القرار، ونجحت مصر في نهاية الجلسة في اعتماد مشروع القرار دون تعديل، مع تسجيل السودان تحفظه رسمياً.
كيف يمكن تفسير الموقف السوداني؟
الموقف السوداني من أزمة سد النهضة ليس غامضاً وهو ينطلق من منظور أن سد النهضة لا يمثل ضرراً على السودان، بل العكس هو الصحيح، وهذا ما كان الدكتور علاء ياسين، مستشار وزير الري للسدود ومياه النيل والمتحدث الرسمي لملف سد النهضة، قد أكد عليه مؤخراً، فماذا قال؟
السودان تتعامل مع أزمة سد النهضة من منطلق المستفيد على جميع المستويات؛ لأن السد يحقق مزايا عديدة لها، ولا يؤثر عليها في شيء مهما كانت أبعاده من حيث الحجم وسعة التخزين، ومن ثم فالسودانيون دائماً يؤكدون تقبلهم لأى مفاوضات بين مصر وإثيوبيا.
في تصريحات لـ "البوابة نيوز"، قال ياسين: "إن هناك العديد من المزايا التي تعود على السودان، أولاها أن مصر هي دولة المصب الفعلية وليست السودان التي يمر بها النهر، ومن ثم فهي تحصل على نصيبها كاملاً من المياه، وثاني هذه المزايا أن السد يحقق فائدة للسودان مماثلة لما يحققه السد العالي لمصر، حيث إنه يبعد 15 كيلو من الحدود السودانية.
"أما الميزة الثالثة فهي أن الزمام الذي تتم زراعته على النيل الأزرق، والذي كان يزرع عليه محصول واحد سنوياً لعجز تدفق المياه، سيتم زراعته بمحصولين بعد بناء السد، لأن المياه ستتدفق في النيل الأزرق طول العام"، وأضاف ياسين أن "الميزة الرابعة تتعلق بالطمي الذي يتراكم أمام السدود السودانية والذي سينخفض كثيراً، دون أن تكلفهم أي أعباء مادية، حيث تتكبد السودان 12 مليون دولار سنوياً لعملية التطهير أمام السدود، ومن ثم سيتم توفير هذا المبلغ".
هل تفكر مصر في الخيار العسكري؟
وزير الخارجية الإثيوبي غيتداحشو اندراجو كان قد أعلن في مؤتمر صحفي أن بلاده ستبدأ في ملء سد النهضة اعتباراً من يوليو/تموز المقبل، قائلا: "الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يُبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه".
مصر رفضت البيان الإثيوبي، وكشف وزير الخارجية المصري سامح شكري عن الموقف الذي ستتخذه الدولة المصرية في حال استمرار التعنت الإثيوبي ورفض أديس أبابا استكمال المفاوضات، موضحاً أن الوزارة ردت على البيان الإثيوبي بالقول إنه يتجاوز قواعد القانون الدولي، ويخالف ما تعهدت به إثيوبيا في اتفاق المبادئ من عدم بدء ملء السد، إلا عند الوصول إلى اتفاق مع مصر والسودان حول قواعد التشغيل.
وحول الوضع الراهن ومستقبل المفاوضات في حال لجوء إثيوبيا لعملية الملء قبل التوصل للاتفاق، قال شكري: "لا يمكن لإثيوبيا بأي حال من الأحوال أن تقدم على الملء بدون اتفاق. ومصر تؤكد باستمرار على رغبتها في الوصول للاتفاق ويجب على الجانب الإثيوبي الانخراط في هذا المسار".
استخدام وزير الخارجية المصري للغة حادة – "لا يمكن لإثيوبيا" – تبعه أول أمس الثلاثاء 3 مارس/آذار اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسي مع قيادات القوات المسلحة ونشر المتحدث باسم رئاسة الجمهورية صورة الاجتماع مع بيان لم يأت فيه ذكر أزمة سد النهضة، حيث قال البيان إن "الرئيس اطلع خلال الاجتماع على على مجمل الأوضاع الأمنية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية في أنحاء الجمهورية، والتدابير والخطط الأمنية التي تنفذها القوات المسلحة لملاحقة والقبض على العناصر الإرهابية التي تستهدف زعزعة استقرار البلاد خاصة في شمال سيناء".
لكن صورة الرئيس مع قيادات الجيش انتشرت بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي مع تعليقات تربط الاجتماع مباشرة بوصول المفاوضات مع إثيوبيا إلى طريق مسدود، وبدا واضحاً أن هناك انقساماً ما بين مؤيد للخيار العسكري وبين من يرفضه، فهل يمكن أن تلجأ مصر بالفعل للخيار العسكري بعد وصول الأمور لهذه النقطة أم أن الدبلوماسية ربما تنجح في نزع فتيل الحرب؟ الأيام والأسابيع القادمة كفيلة بالإجابة، خصوصاً أن الموعد الذي حددته إثيوبيا (يوليو/تموز) ليس ببعيد.