يبدو أن نائب الرئيس باراك أوباما، جو بايدن، في طريقه لتحقيق المفاجأة والوقوف وجهاً لوجه أمام الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فماذا حدث إذن في "الثلاثاء الكبير"؟
وكالة Associated Press الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "أبرز ما شهده الثلاثاء الكبير: انتعاشة بايدن الكبيرة"، ألقى الضوء على الرابحين والخاسرين في أكبر فعاليات الانتخابات التمهيدية.
يُعد الثلاثاء الكبير أكبر يوم في تقويم الانتخابات التمهيدية، ويبدو من المرجح جداً أنَّ نتائجه ستعيد تشكيل السباق الديمقراطي نحو انتخابات الرئاسة بِطُرُقٍ لم يكن يتوقعها الكثيرون قبل بضعة أسابيع.
بايدن يُحقق استفاقة قوية
لن نُبالِغ إذا قُلنا إنَّ الاستفاقة التي حققها نائب الرئيس السابق جو بايدن كانت سريعةً وقوية، لا سيما بعدما تعرَّض للإحراج في اقتراعات المجالس الانتخابية في ولايات أيوا ونيوهامبشاير ونيفادا، وجعل العديد من الديمقراطيين يبحثون عن بديل.
وصحيحٌ أنَّ فوزه الحاسم في ولاية ساوث كارولينا جدَّد فرصه بعض الشيء، لكنَّه ظل مُعرضاً لخسارةٍ كبيرة قبل يوم الثلاثاء الكبير، الذي تُقام فيه انتخابات تمهيدية في 14 ولاية تمتد على نطاقٍ شاسع من ولاية مين إلى كاليفورنيا. إذ لم يكن لديه سوى القليل من المال وقدرة تنظيمية محدودة.
وقد وضع مايك بلومبيرغ رهاناً بقيمة 500 مليون دولار -وهذا مجموع ما أنفقه على حملته الانتخابية حتى الآن- على أنَّ بايدن سيتعثر. فيما أنشأ السيناتور بيرني ساندرز شعبيةً هائلة تحميه من الخسارة، ليس في ولايةٍ صغيرة مثل ساوث كارولينا، بل في كاليفورنيا، التي تعد أكبر هذه الولايات.
لكنَّ قوة ساندرز المُتصوَّرة وضعف بلومبيرغ دفعا الكثير من الديمقراطيين إلى أحضان بايدن. وفي غضون 24 ساعة استثنائية، حصل على تأييد ثلاثة منافسين سابقين ظهروا في مؤتمراتٍ انتخابية يستعرضون فيها قوتهم في دالاس، واستفاد من قوة الزخم المتقلبة.
وبدأت ليلة بايدن بتحقيق انتصارٍ قوي حصل فيه على 30 نقطة في ولاية فرجينيا، التي تضم العديد من الناخبين الحاصلين على شهاداتٍ جامعية الذين يسكنون الضواحي، والذين أسهموا بقوةٍ في الانتصارات التي حققها الديمقراطيون في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في عام 2018. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ بلومبيرغ أنفق أكثر من 12 مليون دولار على الإعلانات الدعائية التلفزيونية في فرجينيا، وملايين الدولارات الأخرى على التنظيم الميداني، فيما بلغ مجموع ما أنفقه بايدن في الولايات حوالي 200 ألف دولار فقط.
ثم واصل انتصاراته طوال الليل بالفوز في ولايات نورث كارولينا ومينيسوتا وماساتشوستس عبر ولاية ساوث كارولينا. وقد أسفر نجاحه عن إعادة السباق إلى نقطة البداية، لكنَّه أصبح شبه محصورٍ الآن بينه وبين ساندرز، الذي حقق انتصاراً قوياً في أكبر ولايتين: تكساس وكاليفورنيا.
ويبدو أنَّهما متجهان الآن لخوض معركة طويلة من ولايةٍ إلى أخرى تُحدِّدها رؤيتاهما المختلفتان اختلافاً صارخاً حول ما يحتاج إليه الديمقراطيون لهزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ساندرز ما زال صامداً
فاز ساندرز بالغنيمة الكبرى في تلك الليلة، وهي ولاية كاليفورنيا، التي بذل فيها الكثير من الوقت والجهد، في حين أنَّ بايدن لم يبذل فيها سوى مجهودات متواضعة. وقد كانت كاليفورنيا مقياساً لمدى استراتيجية حملة ساندرز، وسبب احتفاظه بقوته الكبيرة.
وقد تمكَّن ساندرز في كاليفورنيا من حشد مزيجٍ من الناخبين الشباب واللاتينيين، وهو ما استطاع فعله كذلك في تكساس، التي تعد ثاني أكبر غنيمةٍ في تلك الليلة من حيث عدد أصوات المندوبين.
وكان الفوز في كاليفورنيا أمراً بالغ الأهمية لساندرز، الذي كان يحتل الصدارة في استطلاعات الرأي هناك منذ فترة طويلة.
لكنَّه خسر في عدد من الولايات التي كانت حملته تعتمد عليها، من مينيسوتا إلى ماساتشوستس. وتراهن حملة ساندرز على أنه، في ظل وجود انقسامٍ بين جمهور الناخبين المنقسمين، يستطيع الاستفادة من قاعدته الثابتة التي لا تتزعزع لتمكينه من حصد عدة انتصارات في جميع أنحاء البلاد. لكنَّ عيوب هذه النظرية ظهرت في الثلاثاء الكبير.
وكذلك ظهرت إشاراتٌ تحذيرية تتجاوز خسائره الكبيرة في الولايات الجنوبية، التي دائماً ما يعاني فيها ساندرز. إذ خسر في ولايتي مينيسوتا وأوكلاهوما، اللتين يُعد معظم ناخبيهما من ذوي البشرة البيضاء، واللتين فاز فيهما على هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية في عام 2016. وهذا يشير إلى أنَّ شعبية ساندرز بين ذوي البشرة البيضاء تتضاءل عمَّا كانت عليه في السباقات الانتخابية السابقة. وحتى في ولاية فيرمونت مسقط رأسه، لم يحصد ساندرز عدداً كبيراً من الأصوات كالذي حصل عليه في عام 2016.
والآن، يجد ساندرز نفسه في نفس الوضع الذي كان فيه قبل أربع سنوات: متمرد مقدام يحظى بدعمٍ عاطفي في مواجهة المُرشَّح المُفضَّل لمؤسسة الحزب الديمقراطي.
وصحيحٌ أنَّ طابعه القومي وإخلاص أنصاره وقدرته القوية على جمع التبرعات لحملته كلها عوامل تعني أنَّه ما زال في وضع قوي بالرغم من الكدمة التي تعرَّض لها في الثلاثاء الكبير، لكنَّ ساندرز قد يحتاج إلى نهجٍ آخر للمُضي قُدُماً في هذا السباق غير انتقاد قادة الحزب الذين سيحسم أنصارهم مسألة فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي من عدمها.
ليلةٌ سيئة جداً لمايك بلومبيرغ
كان الملياردير بلومبيرغ، عمدة نيويورك السابق، يرهن على استراتيجية حملته الانتخابية كلها بالسيطرة على أصوات ولايات الثلاثاء الكبير. وقد أنفق حوالي 500 مليون دولار على إعلانات الدعاية وتوظيف أفراد ميدانيين لحملته في هذه الولايات. ولكن مع اقتراب حلول ليل يوم الثلاثاء الكبير، لم يحقق بلومبيرغ الفوز في أي ولايةٍ باستثناء في إقليم ساموا الأمريكي، الذي يتوفر فيه ستة مندوبين فقط (مقارنةً بـ415 مندوباً في كاليفورنيا)، حسب ما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
وحتى قبل انتهاء الليل، كان بلومبيرغ وفريقه يخططون لإعادة تقييم خياراته في يوم الأربعاء، والتفكير في ما إذا كان يتعيَّن عليه الانسحاب في الأيام المقبلة، حسب بعض التقارير.
أصوات الأقليات كانت حاسمة
بدأ زخم بايدن في وقتٍ مبكر من الليل بانتصاراتٍ في الولايات الجنوبية، التي سيطر فيها على أصوات الأقليات، حسب بعض استطلاعات الرأي التي أجريت للناخبين فور خروجهم من مراكز الاقتراع. ففي ولاية نورث كارولينا، حصل بايدن على 62 % من أصوات الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية و 43% من الأصوات الأمريكيين ذوي الأصول الإسبانية، ليحصد بذلك أكبر عددٍ من هذه الأصوات بين المرشحين الآخرين في تلك الولاية. وفي ولاية فرجينيا، حصل بايدن على 71% من أصوات الأمريكيين ذوي البشرة السوداء.
وكانت انتصارات بايدن مدعومةً بأصوات الناخبين الديمقراطيين الذين انحازوا إلى صفه قبل أيام قليلة من الإدلاء بأصواتهم التي مثَّلت موجةً من الزخم المتأخر له. ففي بعض الولايات، شكَّل الناخبون الذين حسموا قرارهم متأخراً حوالي 50% من جميع الناخبين، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته وكالة Associated Press للناخبين في العديد من ولايات الانتخابات التمهيدية. وبالإضافة إلى الأمريكيين الأفارقة، حصل بايدن كذلك على دعمٍ من مزيجٍ من المعتدلين والمحافظين والناخبين الذين تزيد أعمارهم على 45 عاماً.
لكنَّ ساندرز فاز بعددٍ أكبر من أصوات الناخبين الشباب في الولايات الرئيسية. ففي كاليفورنيا، حصل على تأييد 72% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً مقارنةً بـ5% فقط حصل عليها بايدن. وبين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 عاماً، فاز ساندرز بأكبر عددٍ من الأصوات من جميع المرشحين الآخرين بحصوله على 57% منها.
لكنَّه لم يتمكن من توسيع نطاق شعبيته بما يكفي لاجتذاب أصوات الناخبين الأكبر سناً وخريجي الجامعات الذين يُشكِّلون نسبةً كبيرة من الناخبين الديمقراطيين، وفقاً للاستطلاع الذي أجرته وكالة Associated Press الأمريكية.
فيما كانت النتائج أكثر تفاوتاً في ولاية تكساس. إذ فاز بايدن بأغلبية أصوات الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، حسب التوقعات، لكنَّ ساندرز سيطر على أصوات الأمريكيين ذوي الأصول الإسبانية.
فرص إليزابيث وارن تتلاشى
كانت ليلةً سيئة لوارن؛ إذ خسرت عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس في عقر دارها، وحصدت أصواتاً ضئيلة للغاية في معظم الولايات الأخرى. ويُذكَر أنَّ روجر لاو، مدير حملة وارن، كتب مذكرةً قبل بضعة أيامٍ من الثلاثاء الكبير أشار فيها إلى أنَّ الحملة ستستمر بغض النظر عن أداء وارن في الثلاثاء الكبير.
وكتب لاو في المذكرة: "الثلاثاء الكبير هو أول اختبار في مارس/آذار للقدرة على حصد أصوات المندوبين، ولكن بعد أسبوعٍ واحد، سنتنافس في ست ولايات، وبعد أسبوعٍ آخر، سنتنافس في أربع ولايات أخرى يوجد فيها 500 مندوب متاح. وبحلول الوقت الذي ستُحسَب فيه جميع أصوات ناخبي كاليفورنيا المُدلى بها عبر صناديق الاقتراع البريدية، والذي سيكون في منتصف شهر مارس/آذار على الأرجح، سنكون حينئذٍ ما زلنا في منتصف الطريق نحو العدد الإجمالي للمندوبين المفوَّضين المتاحين".
لكنَّ أداء وارن الضعيف أثار جولة جديدة من تساؤلات الاستراتيجيين الديمقراطيين حول عدد الأيام التي يمكن أن تقضيها في السباق قبل أن تنسحب.