مع استمرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التقليل من المخاطر المحتملة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، قد يشمل التهديد المتزايد للفيروس ضحية بارزة واحدة على الأقل: رئاسته. كما تقول صحيفة Independent البريطانية.
كيف يمكن أن يهدد كورونا فوز ترامب؟
هذه على الأقل قراءة خبراء سياسيين وصحيين في ضوء الهبوط الأخير بالقطاع المالي، الذي انخفض بحدَّةٍ، الإثنين 24 فبراير/شباط 2020، ثم مرة أخرى يوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط 2020، بعد أسابيع بدا فيها المستثمرون متأهبين إلى حد ما، بسبب الأزمة الصحية العالمية المتنامية.
خلال ذلك الوقت، نحَّى ترامب أي مخاوف بشأن تدهور هذا الأمر. وقال في الهند هذا الأسبوع: "لدينا عدد قليل للغاية من الإصابات، أعتقد أن الوضع برمته سيبدأ في التحسن. هناك قدر كبير من الموهبة وكثير من الأدمغة المخصصة لمواجهة هذا الفيروس".
لكن في ظل أن الانتخابات تفصلنا عنها تسعة أشهر من الآن ووباء فيروس كورونا، الذي يقول المسؤولون في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إنه بإمكانه بسهولة تعطيل الحياة اليومية للأمريكيين- فالتهديد لرئاسة ترامب قد يكون أكبر بكثير مما أبداه السلوك المتفائل لرجل الأعمال السابق. بعد السنوات التي قدم فيها اقتصاداً قوياً باعتباره دليلاً أساسياً على تميزه كرئيس، يمكن أن يكون وباء فيروس كورونا، بما له من صعوبات اقتصادية طويلة الأمد، بمثابة كارثة لسمعة الرئيس في لحظة مهمة بفترة ولايته.
التأثير على الاقتصاد يعني التأثير على الانتخابات
يقول آلان رووان، مسؤول الصحة العامة بجامعة ولاية فلوريدا الذي ساعد في استجابة الدولة لتفشي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) في عام 2003، لصحيفة The Independent البريطانية: "هناك دائماً قلق بشأن التأثير الاقتصادي للفيروس وأيضاً بسبب الفيروس نفسه، من المؤكد أنه من شأنه التأثير على الاقتصاد، وإذا كان يؤثر في الاقتصاد، فمن المؤكد أن بإمكانه التأثير على الانتخابات المقبلة".
عندما يتعلق الأمر بتفشي الأمراض، هناك أشياء كثيرة غير المعلومة. حتى الآن، على الرغم من أن تفشي فيروس كورونا لم يصل إلى درجة الجائحة، إذ إن آثاره حتى الآن موجودة في الصين ودول آسيوية قريبة وبعض الدول الأوروبية والإفريقية بدرجات أقل، فإن معدل الإصابات المرتفع تسبب في قلق كبير.
في الولايات المتحدة، كان هناك ما لا يقل عن 53 حالة إصابة مؤكدة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ وهو الأمر الذي دفع ترامب والديمقراطيين في الكونغرس إلى اقتراح مليارات الدولارات كتمويل للتعامل مع الوباء. من أصل 53 حالة إصابة مؤكدة، يقال إن معظم هذه الحالات جاءت من سفينة "أميرة الألماس" التي جرى فرض حجر صحي على متنها مؤخراً قبالة سواحل اليابان.
توقعات بتفشّيه في الولايات المتحدة
تقول الدكتورة نانسي ميسونييه، مديرة المركز الوطني للتحصين وأمراض الجهاز التنفسي التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها: "نتوقع أن نرى انتشاراً لهذا الفيروس في هذا البلد، لم يعد الأمر مجرد مسألة ما إذا كان هذا سيحدث أم لا بعد الآن، لكن السؤال يتعلق بالتحديد بموعد حدوث ذلك وعدد الأشخاص في هذا البلد الذين سيعانون من أعراض حادة".
بالفعل، أظهر المرض علامات على أنه سيكون له أثر هائل. بينما وصل عدد الإصابات بوباء "سارس" في عام 2003 إلى أكثر من 8 آلاف حالة، فإن فيروس كورونا قد أصاب بالفعل أكثر من 78 ألف شخص، حتى الأسبوع الماضي.
بحلول 9 فبراير/شباط، كان عدد القتلى من الفيروس قد تجاوز بالفعل وباء "سارس"، واستمر في الارتفاع منذ ذلك الحين. مع انتشار القلق في وقت واحد على مستوى العالم، بدأ الناس في شراء أقنعة الوجه وإلغاء رحلاتهم إلى آسيا.
خسائر اقتصادية كبيرة للشركات الأمريكية
في الوقت نفسه، حيث شهدت مدن بأكملها في الصين قيوداً على السفر والأعمال التجارية، فقد شهدت أيضاً 94% من الشركات الألف الأمريكية الكبرى تعطلاً في سلسلة التوريد، وفقاً لتقرير. في الوقت نفسه أيضاً، انخفضت الأسهم بالأسواق العالمية، حيث سجل مؤشر S&P 500 أسوأ انخفاض له في يوم واحد منذ عامين يوم الإثنين 24 فبراير/شباط الماضي، ثم انخفض بنحو 3% بحلول ظهر يوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط (كانت الخسائر كافية لتحوُّل المؤشر الذي يضم أكبر 500 شركة أمريكية إلى اللون الأحمر لسنة). وهبط مؤشرا DAX الألماني وFTSE 100 البريطاني أيضاً، بنسبة 2% لكل منهما يوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط، وجاء ذلك بعد أن شهدت الأسواق الأوروبية أسوأ انخفاض لها منذ عام 2016.
هذا النوع من الاضطراب قد يدمر الحجج الكاملة لترامب لإعادة انتخابه إذا ساءت الأمور بما فيه الكفاية، وفقاً لكايل كوبكو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إليزابيثتاون في بنسلفانيا.
وأضاف كايل: "رد فعل السوق سيكون بالتأكيد مؤشراً كبيراً لنتائج الانتخابات. وبصفة عامة، إذا كان وضع الاقتصاد جيداً، فإن ذلك يدعم صاحب منصب الرئاسة الحالي. هذا من ثوابت العلوم السياسية الأساسية".
انتقادات لتعامل إدارة ترامب مع الأمر
بالفعل، فإن استجابة إدارة ترامب لتهديد فيروس كورونا قد تعرضت لانتقادات من أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
فبعد أن طلبت الإدارة توفير تمويل بمقدار 2.5 مليار دولار، منها 1.25 مليار دولار فقط سيكون إنفاقاً جديداً، لمكافحة الوباء، انتقد بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ هذا المبلغ باعتباره طلباً منخفضاً عما يجب أن يكون.
وقال السيناتور ريتشارد شيلبي، وهو جمهوري من ألاباما: "قد يكون هذا الفيروس تهديداً وجودياً لكثير من الناس في هذا البلد. لذا ينبغي ألا يكون المال عائقاً أمام مواجهة هذا الخطر. يجب أن نحاول احتواء هذا الفيروس والقضاء عليه قدر المستطاع في الولايات المتحدة، إلى جانب مساعدة أصدقائنا بجميع أنحاء العالم".
وهاجمت أيضاً السيناتور إليزابيث وارين، التي تخوض انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية للترشح لانتخابات الرئاسة لعام 2020، الإدارة بسبب ضعف الاستجابة لهذا الفيروس.
وكتبت وارين على تويتر: "إدارة ترامب تفسد الاستجابة لفيروس كورونا، وهو ما يعرض صحتنا العامة واقتصادنا للخطر. لهذا السبب نحتاج خطة حقيقية وشخصاً مسؤولاً".
وقال داري سراجو، أستاذ مساعد بجامعة كاليفورنيا الجنوبية وخبير استراتيجي ديمقراطي مخضرم، إن القلق المتزايد بشأن فيروس كورونا يمكن أن يكون مدمراً للغاية لترامب إذا تعثر الاقتصاد، مضيفاً أن وسائل الإعلام تخصص بالفعل وقتاً طويلاً لتغطية القصة، وأي تأثير على الاقتصاد سيجعل الأمر أسوأ بكثير.
وأضاف سراجو: "ترامب يستخدم قوة الأسواق لمواجهة الحجة القائلة إنه يضر بالبلاد. لذلك بهذه البساطة، إذا لم تستمر الأسواق في دعم هذه الحجة، وإذا فشل أداء الأسواق في دعم هذه الحجة، فيجب عليك اعتقاد أنه سيكون في وضع أكثر ضعفاً".