بعد أسبوع من إعلان أنغريت كرامب كارينباور، خليفة أنجيلا ميركل المختارة في رئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، عزمها التنحي عن رئاسة الحزب وبالتالي التراجع عن الترشح لمنصب المستشارية، دخل حزبها المحافظ في حالة من الفوضى، حيث بات يعاني الحزب المسيحي الديمقراطي يعاني من أكبر أزمة في تاريخه، إذ يبدو أن المرشحين الذين ظهروا يمثلون مساراً مناقضاً للمستشارة أنجيلا ميركل التي تتميز بالاعتدال والوسطية وتنحدر من ألمانيا الشرقية.
ميركل لن تتدخل في الاختيار
تقول صحيفة New York Times الأمريكية إن جميع الخلفاء المحتملين لميركل هم من الرجال وجميعهم من ألمانيا الغربية سابقاً، وكلهم يدفعون نحو خلق هوية جديدة للحزب، الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ. لكنهم يقدمون أيضاً رؤى مختلفة تماماً للمستقبل -بعضهم يحث على الاستمرارية في نهج ميركل، والبعض الآخر يمثل انفصالاً تماماً عنه، ما قد يقصِّر فترة ولايتها في منصبها كمستشارة لألمانيا.
في وقت تتطلع فيه أوروبا والعالم إلى ألمانيا لكي يحظوا بقيادةٍ متجددة، من المرجح أن يكون لاختيار زعيم الحزب القادم تداعيات تتجاوز الحزب.
فقد غمرت المنتمين للحزب المسيحي الديمقراطي حالةٌ عدم اليقين منذ أن أعلنت زعيمتهم الحالية، أنغريت كرامب-كارينباور خليفة ميركل المختارة بعناية، أنها ستتنحى جراء انتهاكها لسياسة الحزب المحلية، إذ تحالف حزبها مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرف في انتخاب حاكم ولاية تورينغن.
التقت كرامب كارينباور (57 عاماً) يوم الأربعاء 19 فبراير/شباط 2020 بالعديد من المرشحين المحتملين، رغم أن واحداً فقط أعلن نيته للترشح. وقالت ميركل (65 سنة) إنها لن تتدخل في الاختيار.
تقليدياً، يختار ممثلو الحزب زعيمهم، لكن لم يجر الإعلان عن تفاصيل أو جدول زمني، وليس من المقرر أن يجتمع ممثلو الحزب حتى ديسمبر/كانون الأول 2020. عادةً ما يشغل زعيم الحزب منصب المستشار أيضاً، لكن الديمقراطيين المسيحيين فصلوا الوظيفتين عن بعضهما قبل 18 شهراً، متصورين مستقبلاً تتولى فيه كرامب كارينباور منصب المستشارة.
هُوية جديدة للحزب؟
وليس من المتوقع أن ينتخب الألمان حكومة جديدة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما يعني أن الزعيم الجديد سيواجه على الأرجح تحديات صعبة لتوحيد حزب متصدع في ظل وجود ميركل.
بدلاً من ذلك، يمكن أن يحاول القائد الجديد للحزب إقالة ميركل مبكراً، رغم أنها تصنف باستمرار على أنها أكثر السياسيين شعبيةً في البلاد، وقد استبعد شركاء الحزب في الحكومة، وهم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، دعم مستشار آخر.
سيتعين على أي شخص يصبح الزعيم التاسع للديمقراطيين المسيحيين أن يحدد هويةً للحزب في وقت تنقسم فيه أجنحته المحافظة والوسطية إلى حد كبير، ويتباهى "حزب البديل من أجل ألمانيا" المتطرف بقدرته على زعزعة النظام الديمقراطي للبلاد.
وقال مارتن فلوراك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دويسبورغ إيسن: "من حيث الأسلوب، هناك اختلافات بين كل مرشح والآخر". وقال إن الأمر الواضح هو أن الناس يريدون التغيير. وأضاف: "بعد سنوات ميركل، الناس سئموا من الشيء الرئاسي المعتدل".
1- أرمين لاشيت: "الرجل الكلاسيكي"
نظراً لأنه يُنظر إليه على أنه الخيار الذي سيوفر أكبر قدر من الاستمرارية لعهد ميركل، قرر لاشيت (59 عاماً) عدم الترشح في سباق 2018 لقيادة الحزب. منذ ذلك الحين، كان لاشيت، حاكم ولاية شمال الراين-وستفاليا وزعيم أكبر فصل في الحزب، يتحين الفرصة لتقديم نفسه كمرشح لمنصب المستشارية.
في نهاية الأسبوع الماضي، استخدم لاشيت المنصة الدولية لمؤتمر ميونيخ الأمني لتجذير نفسه في إرث حزبه المؤيد لأوروبا. لكنه ركز أيضاً على التغييرات التي أُدخِلت على الاتحاد الأوروبي، وانتقد استغراق ميركل "وقتاً طويلاً جداً للرد" على اقتراحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقد عارض لاشيت بشدة التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا ورسم نهجاً طالما شكك فيه الجناح الأكثر محافظة في الحزب، على الأقل في بعض الظروف.
وقال لاشيت لحزبه في 5 فبراير/شباط 2020: "أي تعاون أو عمل جماعي أو دعم أو تحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا هو أمر غير مقبول بالنسبة للديمقراطيين المسيحيين".
2- فريدريش ميرز: "الدخيل"
على الجانب الآخر، يرسم ميرز (64 عاماً) نفسه كدخيل عن الحزب، بعد إزاحته من منصب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي في عام 2002 وترك السياسة لتكوين ثروة شخصية كرئيس لشركة بلاك روك ألمانيا. وقد استقال منذ ذلك الحين من هذا المنصب.
لا تزال تلك الخسارة السياسية موجعة بالنسبة إلى ميرز، ما يجعل من الصعب تصور احتمالية قيادته للحزب إلى جانب ميركل حتى خريف عام 2021، على الرغم من أنه يحظى بدعم قادة الأعمال في البلاد وقد أثبت شعبيته لدى الناخبين.
وقال تيلمان ماير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بون، إن ميرز لن يكون قادراً على الوجود إلى جانب المستشارة ميركل. وأضاف: "إذا انتُخِبَ زعيماً للحزب، فسيحاول أيضاً تولي منصب المستشار، لكن الاشتراكيين الديمقراطيين لن يوافقوا على ذلك".
ومع ذلك، فإن تعهده بتعزيز صورة المحافظين الديمقراطيين المسيحيين كان له صدى على وجه الخصوص في شرق البلاد، حيث كان الحزب ينزف دعمه لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا.
3- ينس سبان: "الشاب المغرور"
ينظر كثيرون إلى سبان، البالغ من العمر 39 عاماً، على أنه أصغر من أن يكون لديه فرصة جادة في تولي منصب المستشارية في ألمانيا، على الرغم من أنه في النمسا وفرنسا المجاورة، أثبت القادة الشباب قدرتهم على الفوز في الانتخابات وتوجيه دولهم بنجاح.
وقد استخدم سبان منصبه كوزير للصحة في حكومة ميركل لإثبات أنه قادر على سن التشريعات. وقد أكد أن ألمانيا ستحتاج إلى التحرك بقوة أكبر في المجال الرقمي إذا كانت تأمل في أن تظل قادرة على المنافسة.
ومن المحتمل أن يلقى سبان، الكاثوليكي الروماني المثلي الجنس والمتزوج من رجل، قبولاً عند قاعدة واسعة من الناخبين.
وقال ماير إنه إذا كان لاشيت وميرز، وكلاهما من شمال الراين-وستفاليا، سيجدان نفسيهما في صراع وجهاً لوجه، فقد يظهر سبان كحل وسط.
4- نوربرت روتغن: الرجل الرابع
في خطوة فاجأت برلين، أصبح روتغن (54 عاماً) يوم الإثنين 17 فبراير/شباط 2020 أول مرشح يعلن نيته في السعي لقيادة الحزب.
أشارت استطلاعات الرأي المبكرة إلى أن العديد من الناخبين قد يعتبرون روتغن، خبير السياسة الخارجية ووزير البيئة السابق، أفضل مزيج من القيم المحافظة والخبرة السياسية والقدرة على العمل مع كل من المستشار الألماني والشركاء في الائتلاف.
أظهرت الدراسات الاستقصائية التي نُشرت يوم الأربعاء 19 فبراير/شباط 2020 أن روتغن يتقدم في استطلاعات الرأي على ميرز، الذي كان في السابق المفضل لدى الجمهور.
وصرح روتغن، وهو رئيس اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية ومن الوسط الذي كان على مقربة من المستشارة حتى فصلته في عام 2012، قائلاً إن ميركل يجب أن تبقى في منصبها.
وأصر على أن المحافظين يركزون على القضايا البيئية، ربما في إشارة إلى أنه سيكون على استعداد للعمل مع حزب الخضر، الذين كانوا ينافسون حزبه ويمكن أن يصبحوا شركاءً في الائتلاف.
5- ماركوس سودر: الخيار البافاري
لا يزال سودر، حاكم بافاريا، مرشحاً محتملاً لمنصب المستشار في انتخابات العام المقبل، رغم أنه قال إنه يفضل البقاء في ولايته.
بعد التأرجح إلى اليمين قبل انتخابات ولاية بافاريا عام 2018 والتي فاز بها، اتخذ سودر منذ ذلك الحين مواقف مؤيدة للبيئة في ولايته. ومع ذلك، يرى كثيرون أن سودر قليل التجربة ويفتقر إلى الخبرة اللازمة لتولي المنصب الأعلى في البلاد.
كان سودر في السابق ناقداً شرساً لميركل وقد أعلن مؤخراً دعمه لإكمال فترة ولايتها.
وقال في بث عام على القناة الأولى الألمانية يوم الأحد 16 فبراير/شباط 2020: "أعتقد أن الانفصال عن المستشارة ليس صحيحاً"، موضحاً أن البافاريين سيكون لهم رأي في من يخوض الانتخابات لمنصب المستشارية.